لبنان طار... على جوزيف صقر أن يرد

10 ديسمبر 2018
راغب علامة.. أغنية سياسية ومعها زوبعة (Getty)
+ الخط -
أبلغنا المغنّي اللبناني راغب علامة قبل أيام، بأن لبنان الصغير، ذا العشرة آلاف كيلومتر مربع، شرق المتوسط، طار من الجغرافيا. لم يعد له أي وجود على الأرض.

واللبنانيون؟ شأنهم شأن غيرهم من المستمعين، سمعوا أغنية "طار البلد". منهم من أعجبته، أو لم تعجبه، ومنهم من لم يسمع بها، وبصاحبها.

أما أنا، فلم احتمل إكمالها مع المقطع الميلودرامي "عم تنطفي الأحلام/ والوعي فينا نام"، وقفزتُ بمؤشر الفيديو إلى الخاتمة، كي أسجل في مادتي أنها من تلحين جان ماري رياشي، وكلمات نزار فرنسيس، وتوزيع النائب حكمت ديب عضو تكتّل "لبنان القوي" في البرلمان اللبناني...

نعم، البرلماني حكمت ديب هو المسهم المتطوع في توزيع الأغنية على الوسائل الإعلامية ومنصات التواصل، حينما صاح على شاشة التلفزيون بأن لبنان لن يطير، بل الذي عليه أن يطير هو رأس راغب علامة.

اكتسب علامة متعاطفين جدداً، (فوق جمهوره العريض)، لأن عضو البرلمان، بدل أن يرفع دعوى ضدّ أغنية "طار البلد"، ويخسرها، قرر أن يقطع رأس المغنّي بضربة سيف تلفزيونية.

فجأة، تعرف الناس إلى نائب محلّي، محدود الشهرة، بدوره قدّم خدمة مجانية للمغني.

لا أحد يتخيل أن البلد طار وانتهى، وإنما من استخدامات الفعل الماضي، إعطاء دلالة مستقبلية.

والأغنية مليئة بالشجن "طار البلد يا ناس/ وينيي العدالة (أين العدالة؟). هذا ليس كلاماً عن عدالة متمنّاة في بلد طار، وحلّق واخترق الأوزون، إنما تحذير مما ستؤول إليه الحال إذا لم يرتفع منسوب "الوعي"، كما يرغب راغب.

ومثلما أن البلد لم يطر ولا رأس المغنّي، فإن علينا عدم تحميل عبارة النائب أكثر مما تحتمل.


إنها عبارة تلفزيونية، أخذها الحماس والمزايدة العاطفية، ضد أغنية لا يمكن عدّها سياسية حادة، بل نظرة دامعة على العدالة والوعي الوطني والأحلام المنطفئة، وهي مشاعر يمكن استهلاكها في أي مكان، حتى في فرنسا وهي تتلون بالأصفر الفسفوري.

في رأيي، إنها صفقة غير مقصودة بين النائب والمغني، مثل صفقات السوق الفورية: أنت تطيّر البلد، وأنا أطيّر رأسك. يبقى البلد ورأسك. وأنت وأنا نستفيد.

وبالفعل، بدأ الجمهور ينتظر رد الفعل، وإذ بالنائب حكمت يصبح "نويئباً" بحسب تغريدة في حساب راغب علامة، الذي رأى "النويئب" أصغر من أن يهدد بقطع الرؤوس، ولكن من باب الاحتياط اشتكاه للرؤساء الثلاثة، عون والحريري، وبرّي، وجيّش "الأحرار" للرد عليه.

لا أعرف إذا ما كان للنائب ديب عام 1980، سيف، أو يعرف محلات تبيع السيوف. تعال نتخيّل أن يشاهد جوزيف صقر (أبو ليلى) في مسرحية "فيلم أميركي طويل"، وفي عز الحرب الأهلية، مغنّياً من ألحان زياد رحباني "قوم فوت نام، وصير حلام/ إنه بلدنا صارت بلد، قوم فوت نام/ هالأيام، حارة بيسكّرها ولد".

لبنان... تحريك البورصة الوطنية وتحريك القلوب (Getty)
كان الذي يقفل حارة، أحد زعران الحرب، وهو ولد -كما يصفه المغنّي- أصغر سنّاً من المغني والنائب والنويئب، ومسلّح ويعبث بالحاضر ويُسيل الدم.

المغني، أبو ليلى المريض العقلي في المستشفى، يذهب أبعد، يسأل ويجيب "هاي بلد؟ لا مش بلد".

لا أحد يزايد على مجانين المسرحية في محبة لبنان بكل ما فيه، حتى وهم يسألون أسئلة جريحة، وينفون مستائين، صفة البلد. هي أغنية سياسية بالغة التهكّم، ومن الصعب مواجهتها لفرط ما بها من حقيقة وصدق وإبداع فني.

العقلاء -ما دمنا في لبنان- هم من أحرقوا الأخضر واليابس ودبّجوا المدائح للوطن. والعقلاء من نسخة ديب وعلامة يعرفون أن إثارة زوبعة في فنجان، فرصة سانحة لتحريك البورصة.

المجانين لا يفعلون ذلك. إنهم يحبّون البلد ويشتمونه إذا لزم الأمر.

المساهمون