صوفيا كوبولا لـ"العربي الجديد": أنا ممثّلة رديئة... وحبّ سرد الحكايات دفعني للإخراج

10 اغسطس 2017
في "باريس فاشين ويك" (باسكال لو سيغريتيان/Getty)
+ الخط -
حضرت بطلات الفيلم الأميركي "المغشوش" The Beguiled في مهرجان "كانّ" الأخير، نيكول كيدمان وإيلي فانينغ وكيرستن دانست، إلا أن مخرجته صوفيا كوبولا (45 سنة) فضّلت البقاء 24 ساعة فقط في كانّ، وقضاء فترة أطول في باريس عند نزول الفيلم إلى دور العرض، الأمر الذي حدث الآن، فقابلت "العربي الجديد" إبنة السينمائي العملاق فرانسيس فورد كوبولا، لإجراء حوار معها.


*سبق لصالات السينما أن عرضت في العام 1971 فيلماً عنوانه "المغشوش"، من إخراج دون سيغل وبطولة كلينت إيستوود، وتناول حبكة مماثلة تماماً لتلك الموجودة في فيلمك اليوم، فما الذي دفعك إلى إعادة تنفيذ هذا العمل بالتحديد؟ وما الجديد فيه بالمقارنة مع النسخة الأصلية؟
أود قبل كل شيء أن أوضح أنني حوّلت رواية "المغشوش" الناجحة للمؤلف توماس كولينان، إلى عمل سينمائي من دون أي نظرة إلى الوراء، خصوصاً إلى كون غيري في هوليوود قد حوّل الكتاب نفسه إلى فيلم قبل 40 سنة. كم من مُخرج أنجز نسخته الشخصية من رواية "البؤساء" لفيكتور هوغو على مدار التاريخ من دون اتهام أي سينمائي بتقليد الذين سبقوه أو بإعادة تنفيذ الفيلم السابق نفسه.
لقد أُعجبت بالرواية وليس بالفيلم الذي اعتبرته، بصرف النظر عن وجود كلينت إيستوود فيه، وهو فنان كبير، لا يتناسب مع أحداث نص الكتاب ولا يُخلص لها، بينما رحت من ناحيتي أعالج هذا العيب. أنا لم أهتم بإعادة ما سبق فعله بل بإخراج فيلم جديد على طريقتي، حال ما أفعله دائماً. ويكمن الجديد بالتحديد في العمق المتوافر من ناحية معالجة سيكولوجية الشخصيات.

*نعم، لكن "البؤساء" رواية عالمية لا تعاني من مرور الزمن، ولذا تُنقل إلى السينما والمسرح مرات ومرات، فهل تستحق رواية توماس كولينان الاهتمام نفسه؟
نعم وألف نعم، وأنا متأكدة من أن أي رواية جيدة قادرة على إثارة اهتمام القارىء أو المتفرج في ما بعد، حتى وإن لم تدخل تاريخ الأدب من أوسع أبوابه.


*عرّفينا إذاً بفيلمك وبأحداثه؟
تدور الأحداث في منتصف القرن التاسع عشر في الجنوب الأميركي، في مدرسة داخلية للفتيات، وذلك كله في عزّ الحرب الأهلية بين الجنوب والشمال حيث يصل جندي جريح إلى المدرسة طالباً مأوى وعلاجاً، إلا أنه ينتمي إلى الطرف الآخر، أي إنه عدو، الأمر الذي لا يمنع مديرة المدرسة من استقباله وتوفير كل ما يعيد له الصحة والعافية. وبما أن الشاب وسيم ولأنه من الأعداء، تطمع فيه الفتيات غير مترددات في توثيق يديه ورجليه أثناء نومه وتعذيبه، بصرف النظر عن رأي المديرة في مثل هذه التصرفات، بل إنهن ذهبن الى حدّ تهديد رئيستهن بالمعاملة نفسها إذا حاولت منعهن من اعتبار الضيف المسكين دمية بين أيديهن داعيات إياها إلى مشاركتهن اللعبة.
وبينما سلّط الفيلم الأول الضوء على عنصر الإثارة والخوف، حلّلت أنا نفسية الشخصيات النسائية ثم أيضاً الرجل، علماً أنه ليس بريئاً كلياً مما يحدث له.

مع نيكول كيدمان وكولن فاريل بعد عرض "المغشوش" في كانّ (لويك فينانس/فرانس برس)



*تميلين بوضوح إلى اختيار ممثلات شقراوات في أفلامك، من كيرستن دانست إلى إيلي فانينغ ونيكول كيدمان، فما هو سبب هذا الخيار الدائم؟
ربما لأنني شخصياً سمراء، أو لأنني أحمل في قلبي جميع بطلات أفلام ألفريد هيتشكوك وهنّ شقراوات، مثل غريس كيلي وكيم نوفاك وإيفا ماري سانت وتيبي هيدرن. إنني أعثر عند الشقراوات على نعومة تنقص السمراوات، على الأقل في نظري، مع أنني لست خشنة إطلاقاً في نهاية الأمر.

*تعرضتِ في الماضي، وأنت عشرينية، إلى نقد لاذع من النقاد، إثر مشاركتك، كممثلة، في فيلم "العراب 3" الذي أخرجه والدك فرانسيس فورد كوبولا. ألهذا السبب اتجهت في ما بعد إلى الإخراج؟
لم أتجه إلى الإخراج بسبب رأي النقاد، بل لكوني اكتشفت في نفسي رغبة ملحة تجاه سرد الحكايات، مثلما يفعل والدي، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك في إطار السينما هي الإخراج فضلاً عن التمثيل، غير أنني وجدت نفسي بصراحة رديئة كممثلة.

*النقاد كانوا على حق إذاً؟
ربما أنهم كانوا على حق، لكنهم تمادوا في الإساءة إلي وفي تحطيمي لمجرد أنني إبنة فرانسيس فورد كوبولا، وهذا شيء أصابني بضرر نفسي كبير لن أغفره لهم طوال حياتي، وصرت بسببه أكره الإعلام.

*ولكن ها هو الإعلام نفسه يمدح الآن موهبتك كمخرجة، أليس كذلك؟
هذا صحيح لأن النقاد صاروا يعتبرونني منافسة لوالدي وبالتالي تثيرهم إجراء المقارنة بيننا، بينما كانوا يعتبرونني أمثل في أفلامه فقط لأنني إبنته.

خلال مؤتمر صحافي عن فيلمها الجديد (لوران إيمانويل/فرانس برس)



*بصرف النظر عن السينما تملكين علامة للموضة النسائية في آسيا، وتحترفين التصوير الفوتوغرافي إلى درجة إقامة المعارض الفنية هنا وهناك، فما الذي يدفع بك إلى ممارسة كل هذه النشاطات في آن معاً؟
أميل للتنويع ولا أحب التخصص في عمل واحد دون سواه، وحتى إذا فعلت فلا بد من أن أكون ملمّة بنشاطات كثيرة أخرى وأختار في ما بعد ما أراه يجذبني أكثر من غيره، إلى درجة أن أجعله مهنتي الرسمية. وانطلاقاً من هذا التفكير قررت ان أدرس فن التصوير وأيضاً رسم الأزياء وتفصيلها، غير اشتراكي في مدرسة للسينما بطبيعة الحال، ثم سافرت وصورت كل ما أثار انتباهي بآلتي الصغيرة. وشاركت في معارض صغيرة وكبيرة في كل مكان، في أوروبا وأميركا. وذات يوم طلبت أن ألتقي عبقري الموضة كارل لاغرفيلد الذي أبديت له إعجابي الشديد بمبتكراته التي يرسمها لحساب دار شانيل وقلت له إنني أحلم بالعمل معه أو تحت إشرافه بالتحديد نظراً الى كونه، في رأيي، أفضل مدرسة لكل من يرغب في احتراف الموضة. وفوجئت بموافقته على منحي فرصة لإثبات قدراتي كتلميذة عنده، إذ فتح لي باب شانيل ووظفني كمساعدة لأصغر مساعد تحت أوامره. وهكذا تعلمت تقريباً كل شيء عن الموضة في تلك الفترة، ثم أسست داري الشخصية للأزياء. وعندما اعتبرت نفسي ملمة بأمور الأناقة والتصوير قررت العمل رسمياً كمخرجة سينمائية وتسخير كل ما اكتسبته من خبرات في خدمة أفلامي.

*هل تستمرين في الموضة والتصوير؟
في الموضة نعم، لأن هناك من يؤدون المهام وليس علي سوى مباشرة رسم الموديلات، وهذا ما أقدر على عمله أينما تواجدت، مثل مراقبة التصميم عن طريق ندوات الفيديو مع فريق العمل التابع لي. أما التصوير الفوتوغرافي فلا أقدر على انتداب أي شخص غيري لتأديته نيابة عني، لذا قللت من ممارسته بسبب انشغالي المستمر تقريباً بالسينما.

*هل أنت مصدر فخر لوالدك؟
إنني مصدر فخر لوالديّ، إنما لكل منهما طريقة في التعبير عن الموضوع، فبينما تهنئني أمي في شكل شبه مستمر على كل صغيرة وكبيرة أنجزها، يميل أبي إلى توجيه التوبيخ لي لأنه يعتبرني قادرة على العطاء الفني أكثر مما أفعله، لكنه في النهاية يحبني ولا يرغب إلا في مصلحتي.


تحمل جائزة مهرجان "فينيس" للفيلم عام 2010 (ألبيرتو بيتزولي/فرانس برس)



المساهمون