Jackie... اللحظة الإنسانية وراء أشهر اغتيال سياسي

25 مارس 2017
نتالي بورتمان بدور جاكلين كينيدي (سميالونسكي/فرانس برس)
+ الخط -
ربما لا يوجد لحظة تلفزيونية خلال القرن العشرين أشهر من اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي أثناء جولة بسيارة مكشوفة في ولاية تكساس، حيث تحولت تلك الظهيرة المشمسة في نوفمبر إلى كابوس مصوّر ولحظة قتل شاهدها العالم لحظة حدوثها. أفلام كثيرة تناولت الواقعة (أشهرها JFK لأوليفر ستون عام 1991) من ناحية سياسية ومن جانب "كينيدي"، ولكن لم يتطرق أي عمل إلى شريكة حياته والسيدة التي كانت بجانبه لحظة الاغتيال "جاكلين كينيدي"، وذلك حتى وصول "بابلو لارين" إلى أميركا.

"لارين" الذي يعتبر واحدا من أهم مخرجي أميركا الجنوبية خلال العقدين الأخيرين، صنع لنفسه أسلوباً سينمائياً في أفلامه التي أخرجها في "تشيلي" يقوم على الدمج بين الحدث السياسي ذي الأبعاد المختلفة، وبين تناوله الجانب الشخصي من الشخصية المحورية داخل هذا الحدث، وكانت ذروة نجاحه فيلم No عام 2012 الذي يتناول الحملة السياسية التي أقيمت في تشيلي عام 1988 (بقيادة رجل إعلانات هو رينا سافيدرا) لرفض ترشح الديكتاتور أوجستو بينوشى لفترة حكم جديد، ورشح الفيلم لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، لينال "لارين" فرصة إخراج فيلمه الأول في هوليوود، Jakie، والذي يدور حول المنطقة التي يحبها (حدث سياسي ضخم/شخصية محورية معقدة).

نتيجة لذلك فإن الفيلم – الذي يعرض في سينما "زاوية" بالقاهرة- منذ بدايته يتحرك بطموح الدمج بين العام: ما حدث في تلك الأيام العصيبة التي سبقت وتلت اغتيال جون كينيدي وحالة الصراعات المختلفة التي تقف "جاكلين" في منتصفها بحثاً عن "جنازة تاريخية لائقة" لزوجها يسير فيها خلفها كل زعماء العالم، وبين الشخصي: حزن "جاكي" كامرأة على زوجها ورفيق حياتها.

يلجأ الفيلم لحيلة ذكية رغم تقليديتها في السيناريو، وهو التأسيس منذ البداية لأنه يعرض الحكاية من وجهة نظر "جاكلين"، ومن خلال حوار صحافي بينها وبين مجلة "لايف" تسترجع فيه ذلك الوقت بعد سنوات طويلة، تلك الحيلة مفيدة لأكثر من سبب، على رأسها أن الفيلم مَحكي من وجهه نظر لا تدعي الموضوعية. حيث "جاكي" هي التي تسرد، ومفيد أيضاً لسبب سينمائي له علاقة بالتنقل بين أكثر من شعور، والتعليق على جوانب سياسية معقدة بطريقة غير مفتعلة لأننا في النهاية داخل حوار صحافي، والنتيجة النهائية لذلك كانت موفقة تماماً، فقد جعلت الفيلم ليس عملا تاريخيا تقليديا يحاول محاكاة لحظة مهمة، أو يدعي البحث عن "الحقيقة" فيما حدث، أو ينشغل بأسئلة مثل "من ولماذا وكيف" على المستوى السياسي لعملية الاغتيال، ليذهب إلى نقطة أعمق وأصدق لها علاقة بالجوانب المختلفة من شخصية "جاكي" (كزوجة. كأم. كسيدة أولى)، ويتنقل بينهم "لارين" بحساسية بالغة، سواء في خيارات المونتاج وقطعات الأزمنة والحالات النفسية، أو الكاميرا المتلصصة في بعض الأحيان والقريبة من الشخصية لدرجة الحميمية في أحيانٍ أخرى، وبالطبع بسبب أحد أهم منجزاته في هذا الفيلم وهو قيادة ناتالي بورتمان لواحد من أفضل أداءاتها وأصدقها، فقد كانت وعاءً مثالياً للحالات المتباينة وجسداً لديه القدرة على التشكُّل بصورة مختلفة في كل مرحلة، ومتابعه جسد "بورتمان"، المتغير الذي تشعر أنه يصغر ويضمحل في مشاهدها وحدها أو مع أبنائها.

كان من الممكن إذن الاكتفاء بالخطين (العام والشخصي) وخلق فيلم رائع عن "جاكي"،
ولكن السقطة الحقيقية التي أثرت وقللت من هذا الفيلم هو لعبه دون سبب على محور ثالث له علاقة بالدين والإيمان"، وأزمة المعتقد والمساءلة والتشكك التي تمر بها الشخصية، وهذا الخط كان فائضاً عن حاجة الفيلم.
دلالات
المساهمون