الجامع الأموي في حلب… ضحيَّة الحرب في سورية

29 ديسمبر 2016
يعد المسجد من المواقع المصنفة وفقاً ليونيسكو (Getty)
+ الخط -
في أبريل/ نيسان 2013 دُمرت المئذنة الشامخة للجامع الأموي العريق في حلب، وأصبحت أثراً بعد عين. ولم تلبث المدينة كلها أن لحقت بها. الجامع الكبير بحلب أو مسجد حلب الأموي، هو أحد أقدم مساجد سورية وأكبرها، ويعد من المواقع المصنفة ضمن التراث العالمي وفقاً لليونيسكو منذ 1986. يقع الجامع قريباً من مدخل سوق المدينة في حي الجلوم. ويبلغ طوله 105 م وعرضه 78 م. 

بدأ العمل في تشييد الجامع عام 715 ميلادية، في عهد الوليد بن عبد الملك على أرضٍ كانت حديقة تابعة لإحدى الكاتدرائيات في العصر الهلنستي قديما. انتهى بناء الجامع عام 717 في عهد سليمان بن عبد الملك. وقد صُمم على طراز مشابه للمسجد الأموي في دمشق. وفي النصف الثاني من القرن الحادي عشر، وبعد أن سيطر المرداسيون على حلب شيدوا نافورة وقبة في باحة المسجد في الركن الشمالي الغربي منه. أما المئذنة فكانت قد بنيت عام 1090 بارتفاع 45 متراً واستغرق بناؤها أربع سنوات في العصر السلجوقي. ويصف عالم الاستشراق الألماني، أرنست هرتسفلد، عمارة المئذنة بأنها "نتاج حضارة البحر المتوسط". ووفقاً لدائرة المعارف الإسلامية فإن المئذنة "فريدة من نوعها في عموم العمارة الإسلامية".

على النقيض من الجامع الأموي بدمشق الذي بقي على حاله نسبيّاً طوال القرون الماضية، ولم يطاوله التغيير كثيراً؛ فإن مسجد حلب تعرض لتعديلات وإصلاحات وزيادات في بنائه حتى أصبح دليلاً حياً على التغييرات السياسية التي عاصرها وسجلّا لتاريخ حلب. وللأسف؛ فإن الجزء الأقدم من المسجد من حيث الصمود في وجه التاريخ، كان هو المنارة العالية، التي تزهو بجموعات من النقوش بالخط الكوفي متشابكة منحوتة على طول المئذنة، وتدور مع الحلي ومجموعات النقوش والمقرنصات.

يحيطُ الجامع بالساحة الواسعة التي تقع في وسطه، وتربط بين مختلف أجزائه تلك الأروقة ذات الأعمدة المميزة. كان الفناء يتميز بالرصيف المحيط به من الأحجار ذات اللونين الأبيض والأسود وموضوعة بشكل هندسي بديع، ومزينة بالأحجار والقطع الملونة من مختلف الأحجام كما يحتوي الفناء على نافورتين للوضوء وترطيب الجو والشرب.

في قاعة الصلاة الرئيسية بالجامع يوجد مقام النبي زكريا، والمنبر المشيد في القرن الخامس عشر والمصنوع من الخشب الفاخر، والمحراب المنحوت بشكل متقن ويتوجه ناحية القبلة في مكة المكرمة. قاعة الصلاة كان لها سقف مستقيم عادي في الأصل مع قبة في وسط السقف، لكن في العصر المملوكي تم استبدال ذلك بنظام معقد من الأقواس والقباب الصغيرة فوق الممرات التي تربط أروقة المسجد.

يمتلك الجامع الكبير متحفا صغيراً يتضمن عدداً كبيراً من المخطوطات التاريخية والعربية والدينية، وعلى غرار الجامع الأموي في دمشق بنيت مقصورة على شكل غرفة مقببة مربعة ترتفع عن أرضية قاعة الصلاة بمقدار قدم أو خطوة، وتزين أرضيتها ببلاط الكاشان الذي يغطي جميع أسطحها الداخلية. ولها بوابة مقوسة كبيرة تستند إلى عمودين وباب من البرونز. ويقال إن المقبرة تضم رفات النبي زكريا، وهي مزينة بمطرزات من الفضة التي تحتوي على آيات قرآنية من سورة مريم وتقع في منتصف الغرفة. كما يضم المتحف أشياء ثمينة بما في ذلك صندوق، يُزعَم أن به خصلة من شعر النبي محمد.

لم يسلم المسجد من النهب أثناء الحرب في سورية، ثم انتهى به الأمر إلى التدمير والتخريب، وكلا الطرفين ألقى باللوم على الآخر، فالنظام أذاع في وكالة أنبائه الرسمية أن جبهة النصرة هي التي نسفت الجامع، بينما تقول المعارضة إن دبابات النظام هي التي قصفته.

ولكن المؤكّد أنّه قد أضير بشكل كبير، حتى أصبح حطاماً شاهداً على عصر من الإجرام البشري غير المسبوق. كما تشير جميع التقارير في الدوريات الأجنبيّة إلى أن النظام السوري هو المسؤول بدرجة أولى عن دمار المسجد التاريخي.


دلالات
المساهمون