غش شركة يدخل اكتشافات المغرب النفطية في دائرة الغموض 

07 مايو 2014
وعود بالنمو إثر اكتشاف النفط (عبد الحق سنا/فرانس برس/getty)
+ الخط -

قصة المملكة المغربية مع البترول ذات فصول مختلفة. ولهذه القصة حالياً عنوانان بارزان، وثالث يعود إلى عام 2000، لكنه لا يزال يرخي بثقله على أنباء التنقيب عن النفط الجارية حالياً في البلاد من 35 شركة.

العنوان الأول: الفاتورة النفطية التي تثقل كاهل الميزانية العامة للدولة بنفقات لم تشهدها من قبل. وللتخفيف من هذا الثقل، أقدمت الحكومة، برئاسة عبد الإله بنكيران في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، على اعتماد "نظام المقايسة" الذي يعني ربط أسعار المحروقات السائلة محلياً بأسعارها في الأسواق الدولية. وفي مطلع العام الجاري، اتخذت الحكومة قراراً آخر، في السياق ذاته، يقضي بالرفع التدريجي للدعم عن وقود "الغاز أويل".

أما العنوان الثاني: فيتمثل في "تهافت" عدد من الشركات العالمية للحصول على رخص التنقيب عن النفط في مختلف مناطق البلاد، خاصة في المنطقة الجنوبية، موضوع النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو، التي تطالب بانفصال إقليم الصحراء عن المغرب.

النفط ضحية شركة


الفصل الأكثر إثارة في هذه القصة يعود إلى عام 2000، وذلك بعد أقل من عام ونصف على خلافة الملك الحالي محمد السادس، والده الحسن الثاني على عرشه البلاد في يوليو/تموز 1999.

إذ لا يزال المواطنون المغاربة يتذكرون في نقاشاتهم يوم أعلن ملك المغرب، محمد السادس، مساء 20 أغسطس/آب من عام 2000 اكتشاف النفط والغاز بكميات وافرة وبجودة عالية شرق البلاد. وفي خطاب له بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب (21 أغسطس/آب من كل عام)، قال العاهل المغربي: وإنه ليسعدنا في غمرة الاحتفال بالمناسبتين المجيدتين أن نزف إليك، شعبي العزيز، بشرى اكتشاف النفط والغاز من النوع الجيد في منطقة تالسنيت في الأقاليم الشرقية بكميات وافرة.

في اليوم التالي، حققت بورصة الدار البيضاء ارتفاعاً تاريخياً فاق 5% وواصلت أداءها الإيجابي لأيام عديدة. وفي الشارع العام، وفي تصريحات المواطنين عبر وسائل الإعلام، سادت أجواء، أن البترول عصا سحرية ستنقل المغرب من التخلف إلى النهضة ومن الفقر إلى الغنى.

بعد أيام قليلة، زار العاهل المغربي معية كبار مسؤولي البلاد قرية تالسينت، وبدا وقتها أن هذه القرية ستتحول من صحراء قاحلة إلى جنة غناء بفضل الثورة النفطية "الكنز" المكتشفة فيها من شركة "لون ستار إينيرجي"، فرع الشركة الأميركية "سكايدمور إينيرجي".

عاشت البلاد طيلة أسابيع عدة على إيقاع الأمل بفضل البترول والغاز وانتهاج خطة كشف عنها العاهل المغربي في الخطاب نفسه. تقوم هذه الخطة على "اعتبار البترول والغاز وقوداً لتفعيل النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية وتسريع وتيرتهما".

لكن لا شيء من ذلك تحقق. فقد ساد بعد ذلك صمت مطبق البلاد بشأن الاكتشافات البترولية التي زف نبأها الملك في خطاب رسمي. وظلت هذه القضية عصية على النقاش من المسؤولين والإعلام لأكثر من ثلاث سنوات قبل أن تصدر مقالات في أكثر من صحيفة محلية تتحدث عن وقوع "البلاد" ضحية نصب من الشركة الأميركية التي ادعت توصلها إلى اكتشاف البترول في المغرب لإنعاش أسهمها في البورصة وتجاوز أزمة مالية خانقة كانت تهددها بالإفلاس.

وبعد مرور أكثر من 12 عاماً ونصف عن إعلان العاهل المغربي تلك الاكتشافات، يتعامل المسؤولون المغاربة حالياً مع موضوع اكتشاف البترول من عدمه بحذر شديد، حسب خبير اقتصادي محلي طلب عدم ذكر اسمه، لحساسية هذا الموضوع، على حد تعبيره.

وأكد الخبير نفسه أن المسؤولين المغاربة سيتعاملون، بشكل صارم وسيطالبون بمعطيات أكثر دقة ومعلومات وافية عن أي اكتشافات تعلنها الشركات المرخصة لها بالتنقيب عن النفط في البلاد، لتفادي تكرار سيناريو عام 2000.

 

التنقيب مستمر برغم الشكوك

لا يجزم وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المغربي، عبد القادر اعمارة، إمكانية وجود النفط في بلاده ولا ينفيه نفياً قاطعاً. ومن ذلك، قوله في أول تصريح له عند توليه هذا المنصب في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي: وجود البترول في المغرب وارد جدّا. لكنه سرعان ما لاذ إلى الحذر قائلاً: ومع ذلك، يلزمنا الحذر، لأن أي كلام زائد في الموضوع سيغذي عدداً من الأمور على الصعيد الدولي بين الشركات لأن هذا الإعلان يجب أن يصدر عن طرف رسمي.

ويرى عبد القادر اعمارة، أن اهتمام الشركات العالمية بالتنقيب عن "الذهب الأسود" مؤثر إيجابي في هذا المجال. فقد أضيفت هذه السنة أربع شركات إلى 31 شركة أخرى كانت بدأت في حفر آبار للتنقيب عن النفط في مناطق مختلفة من البلاد، خاصة في الجنوب.

وشملت أعمال التنقيب خلال العام الماضي، مساحة تفوق 394 ألف كيلومتر مربع، من خلال 52 رخصة للبحث في اليابسة، و90 رخصة بحث أخرى في البحر و12 امتيازاً للاستغلال، إضافة إلى أربع مذكرات تفاهم متعلقة بالصخور النفطية. ويرتقب أن يتم هذا العام حفر 27 بئراً جديدة في هذا الإطار. وذلك حسب معطيات كشف عنها المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، في اجتماع ترأسه بنكيران، يوم 8 أبريل/نيسان الماضي، في الرباط.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الحكومة المغربية، التي تضطر لاستيراد 95% من حاجيات البلاد من الطاقة، تمنح امتيازات تفضيلية للشركات العالمية الراغبة في التنقيب عن النفط بالمغرب، أبرزها حصر نسبة مساهمة الدولة المغربية في الشركة التي تتولى استغلال الاستكشافات المحتملة في 25% فقط حين تؤول الـ 75% المتبقية للشركة صاحبة رخصة التنقيب والاستغلال.

كما يواجه المغرب تحدياً آخر لا يقل أهمية، طابعه سياسي هذه المرة، بحكم تموضع معظم مناطق التنقيب في جنوب البلاد في إقليم الصحراء، موضوع النزاع مع جبهة البوليساريو. إذ تعارض هذه الجبهة أعمال التنقيب وتطلق حملات لإيقافها بدعوى أنها الأراضي المشمولة بنزاع مطروح نقاشه أمام منظمة الأمم المتحدة. لكن المغرب يتمسك بموقفه في سيادته على هذه الأراضي وبقانونية رخص التنقيب عن النفط والغاز التي تسلمها في جنوب البلاد.

ويدفع هذا التحدي الأخير محللين اقتصاديين، إلى توقع فصل جديد أك4ثر إثارة في قصة المغرب مع البترول في حال تم اكتشاف كميات وافرة في إقليم الصحراء. على أن التأكد من وجود البترول يبقى الهاجس الأول للحكومة المغربية في الوقت الراهن.

 

دلالات
المساهمون