قطاع الخدمات الليبية في مهب الأزمة

18 سبتمبر 2014
حتى المصارف لم تعد آمنة في ليبيا (أرشيف/getty)
+ الخط -
أصبح قطاع الخدمات، في العاصمة الليبية طرابلس، ضحية التطاحن الدموي بين ميليشيات مُسلحة مند 13 يوليو/تموز الماضي، واقتصرت الصراعات المُسلحة مؤخراً على المنطقة الغربية لطرابلس وشمال جنوبها التي نتج عنها قفل سوق الكريمية للمرة الثانية، وهي أكبر سوق تجارية مغذية للمنطقة الغربية والجنوبية لليبيا.
كما شلت الحركة السياحية في مختلف فنادق العاصمة خصوصاً فنادق الخمسة نجوم، على رأسها فندق "كورنتيا" وهو أكبر الفنادق، وبالإضافة إلى فندق باب البحر الذي أغلق أبوابه نتيجة عدم وجود زبائن مند شهرين.
وفي المقابل، توقف الكثير من المؤسسات والمرافق العامة والخاصة عن تقديم خدماتها، مدفوعة بمشكلة نقص الوقود التي شلت حركة السير والتنقل على الطرقات داخل طرابلس وضواحيها، وعلى الرغم من أن الوقود يأتي عبر البحر من مصفاة الزاوية، لكنه لم يقض على المُشكلة نتيجة إغلاق 50% من محطات الوقود.
وقال مدير إدارة النقد وشؤون الائتمان في البنك المركزي الليبي سابقاً، محمد أبوسنية، إن خسائر قطاع الخدمات بما فى ذلك الإنشاءات والنقل وتجارة الجملة والتجزئة والأنشطة العقارية والتجارية، ارتفعت عن خمسة مليارات دينار ليبي بنهاية العام الحالي.
وأوضح أن قطاع الخدمات يساهم بنحو 40% من الناتج المحلي غير النفطي وهو القطاع الأكثر تضررا من جراء الأحداث الأخيرة، متوقعاً أن يشهد معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي انكماشاً لا يقل عن 20% بنهاية عام 2014 بالمقارنة بمعدل انكماش قدر بنحو 9.4% في نهاية عام 2013.
ويلاحظ مُحللون اقتصاديون أن أسعار قطاع الخدمات ارتفعت بشكل جنوني، من كلفة النقل التي شهدت ارتفاعاً بـ 150% إلى الوكالات العقارية والتجارة.
نمو اقتصاد الظل ويقدر المُحللون أن نسبة اقتصاد الظل في ليبيا تتجاوز 80%، ويضع البعض اللوم على عدم وضوح الرؤيا بالنسبة للاقتصاد الوطني، بمعنى أن ملامحه غير معروفة، بحيث لا يمكن التفرقة والتمييز بين اقتصاد الدولة واقتصاد الأفراد، أو بين القطاع العام والقطاع الخاص.
ويعتمد القطاع الخدمي على العمالة الأجنبية التي غادرت البلاد ووضعت القطاع في مأزق تشغيلي.
وفضلا عن ذلك، شهدت ليبيا مغادرة معظم الشركات العاملة في مجالات البناء والتشييد.
كما ارتفعت كلفة التنقل عبر السيارات العامة "التاكسي" من أربعة دنانير لرحلة تسعة كيلومترات إلى عشرين ديناراً فما فوق، كما ارتفعت أيضاً كلفة الانتقال بسيارة النقل الجماعي من خمسين قرشاً إلى دينار ودينارين بحسب الظروف.
كما أن كلفة الانتقال عبر السيارات العامة إلى تونس العاصمة، أصبحت تعادل ثمن تذكرة طيران إليها في الأوقات الطبيعية بقيمة تتراوح ما بين 250 إلى 300 دينار ليبي.
في غضون ذلك، رفعت شركات الطيران الليبية أسعار تذاكرها إلى الضعف نتيجة تعرض أساطيلها إلى خسائر تراوحت بين 25 إلى 75%، وفق الشركات، وذلك نتيجة الاشتباكات وتعرض المطار للقصف والتخريب.
وقال مدير الإدارة التجارية لشركة الخطوط الليبية، الطاهر المرغني، لـ"العربي الجديد" إن أسعار التذاكر العادية (الاقتصادية) ارتفعت إلى أسعار الدرجة السياحية، وذلك بسبب عدم وجود خطوط طيران منافسة، ونتيجة الخسائر التي تعرضت لها شركات الطيران الوطنية.
فيما قال مدير مكتب الإعلام في وزارة السياحة عادل فرينة، إن هناك نية لفتح خط بحري من طرابلس إلى تونس ولكن الجانب التونسي تحفظ نتيجة الأوضاع الأمنية التي تشهدها البلاد. نزوح وإغلاق مؤسسات وعلق حول الحركة السياحية في البلاد سواء الداخلية أو الخارجية بالقول "جميعها متوقف حتى إشعار آخر".
ونزح العديد من الأسر الليبية من طرابلس وبنغازي، بالإضافة إلى خروج الكثير من رؤوس الأموال وتحويل المدخرات للخارج بطرق مختلفة، بحثاً عن مناخ آمن بعد أن صارت ليبيا غير آمنة حتى داخل المصارف.
من جهة أخرى، توقف العمل في 350 شركة سياحية؛ نتيجة انحصار بيع تذاكر الطيران عبر فروع مكاتب شركات الطيران الحكومية الأفريقية والليبية فقط.
وتأتي هذه المؤشرات في ظل تحسن عملية تصدير النفط الليبي خلال الفترة الأخيرة، إذ سوّقت ليبيا كل مخزونها النفطي البالغ 12 مليون برميل في صهاريج الخزانات في موانئ السدرة ورأس الأنوف والزاوية والحريقة حتى نهاية الأسبوع الماضي، ووصل الإنتاج الليبي النفطي إلى 870 ألف برميل يومياً، مع ترجيحات بأن يصل إلى مليون برميل يومياً، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وبلغت إيرادات ليبيا من النفط خلال النصف الأول من العام، نحو خمسة مليارات دولار، فيما وصلت الخسائر في الإيرادات إلى نحو عشرة مليارات دولار نتيجة إقفال موانئ تصدير النفط.
كما أن احتياطيات ليبيا من العملة الأجنبية انخفضت إلى 105 مليارات دولار من 130 مليار دولار في نهاية عام 2012.
وقد تراكمت الخسائر النفطية بعدما سيطرت مجموعة من المسلحين على أربعة موانئ نفط في شرق البلاد، بهدف إنشاء إقليم فيدرالي في "برقة".
إلا أن المسلحين وافقوا في شرق ليبيا، في السادس من شهر أبريل/نيسان، على إنهاء تدريجي لحصارهم المفروض منذ العام الماضي، على موانئ "الزويتينة" و"الحريقة" و"رأس الأنوف" و"السدرة" التي تصدر نحو 730 ألف برميل يومياً من النفط.
بذلك، يعيش الاقتصاد الليبي بكل مؤشراته على وقع الاشتباكات والصراعات الداخلية، وفي حين يرتفع الإنتاج والتصدير النفطي إلى ما دون المستوى الذي كان سائداً في السابق، تتهاوى الخدمات العامة والخاصة، مما يجعل من الأزمة الاقتصادية كالأمر الواقع الذي يرتد على المؤشرات الاجتماعية، ويؤثر بشكل مباشر على حياة الليبيين اليومية.
المساهمون