بعد مرور عامين على بدء الحرب الأوكرانية، أثبت الاقتصاد الروسي مقاومة بشكل مدهش لكلف الحرب ضد أوكرانيا وسط موجات من العقوبات الغربية القاسية منذ بداية الحرب في فبراير/شباط 2022.
وكدليل على قوة الاقتصاد الروسي، في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي الروسي إلى أكثر من الضعف خلال العام الجاري، حيث رفعها من 1.1% في أكتوبر/تشرين الأول إلى 2.6%، بينما يرى الرئيس فلاديمير بوتين أن الاقتصاد سينمو أكثر من ذلك، وبنسبة 3.5% خلال العام الجاري. ولكن على الرغم من ذلك، ترى مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، في تعليقات الأسبوع الماضي نقلتها قناة "سي أن بي سي"، أن موسكو ربما تواجه بعض الصعوبات المالية بسبب الحرب.
وفي تعليقاتها لقناة "سي أن بي سي" في القمة العالمية للحكومات في دبي، قالت جورجييفا، "إن اقتصاد روسيا، اقتصاد حرب تستثمر فيه الدولة، التي كان لديها احتياطي كبير للغاية، تم بناؤه على مدى سنوات عديدة من الانضباط المالي". وحسب تقرير "سي أن بي سي"، فقد ارتفع الإنفاق الدفاعي الروسي بشكل كبير منذ بداية الحرب.
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ميزانية الدولة لعام 2024، التي أدت إلى زيادة الإنفاق العسكري إلى ما يقرب من 30% من الإنفاق المالي، وهو ما يعادل زيادة بنحو 70% عن عام 2023. ومن المتوقع أن يشكل الإنفاق الدفاعي والأمني حوالي 40% من إجمالي إنفاق ميزانية روسيا هذا العام.
4 عوامل
ولكن محللين يرون أن هنالك 4 عوامل رئيسية، أدت إلى صمود الاقتصاد الروسي في وجه العقوبات، وهذه العوامل هي ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي في الفترة التي تلت بداية الحرب، وهو ما وفر للميزانية الروسية مبالغ طائلة مكنتها من الإنفاق على الحرب، أما العامل الثاني فهو عدم التزام كل من الصين والهند بالعقوبات الغربية على الطاقة، حيث عوضت روسيا ما خسرته من صادرات الطاقة إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر تصدير النفط والغاز إلى أكبر سوقين في آسيا وهما السوق الصيني الذي يستهلك يومياً أكثر من 10 ملايين برميل يومياً والسوق الهندي الذي يستهلك أكثر نحو 4.44 مليون برميل يومياً، وفق بيانات شركة رايستاد، المتخصصة في الطاقة. وتشير بيانات " أويل برايس" الأميركية إلى أن خام الأورال الروسي ظل التعامل فيه فوق سعر 70 دولاراً الذي حددته العقوبات الغربية طوال العام الماضي.
أما العامل الثالث الذي ساهم في صمود الاقتصاد الروسي، فهو العلاقات القوية لموسكو مع الصين ودول آسيا الوسطى، حيث تمكنت عبر الشركات الصينية من تعويض خسارة التقنية الغربية عبر البدائل التقنية الصينية وكذلك الحصول على قطع الغيار الغربية عبر الفضاء التجاري الذي تملكه مع دول آسيا الوسطى. وحسب تقارير غربية، تمكنت موسكو كذلك عبر استراتيجية الفضاء التجاري استخدام دول آسيا الوسطى في الحصول على الصرف الأجنبي والتحويلات المالية، واستغلال البنوك المركزية والبنوك التجارية بتلك الدول في المراسلة وأنظمة الدفع وتمويل التجارة عبر البنوك التجارية.أما العامل الرابع والأخير، فهو كفاءة البيروقراطية الروسية، خاصة في البنك المركزي الروسي.
لماذا فشل الغرب
يرى محللون أن العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا رداً على غزوها الكامل لأوكرانيا لم تكن مصممة فقط لزيادة الكلفة المالية للحرب، ولكنها صممت كذلك لوقف تدفق المواد والأموال التي تمكنها من شن الحرب. ولكن لماذا فشل الغرب وكيف يبدو الأداء الحالي للاقتصاد الروسي.
يقول معهد "كارنيغي" الأميركي للدراسات، في هذا الشأن، إن إحدى المعجزات الكبرى والحقائق الاقتصادية التي برزت خلال عامين من الحرب، هي المرونة الرائعة التي تمتع بها الاقتصاد الروسي. ويضيف، عندما فرض الغرب العقوبات على روسيا، كان الأمل أن تضرب العقوبات الاقتصاد الروسي وتجبر الرئيس فلاديمير بوتين على وقف الحرب وتؤثرعلى قرارات الكرملين، ولكن ذلك لم يتحقق أبداً.
في هذا الصدد، يرى الخبير الروسي والزميل بمعهد " كارنيغي" الكسندر غابييف، أن كفاءة البيروقراطية الروسية، بما في ذلك محافظو البنوك المركزية، هي أحد العناصر التي ساهمت في تعزيز قدرة الاقتصاد الروسي على الصمود أمام العقوبات الروسية. ومع ذلك، يقول إن مرونة الاقتصاد الروسي لا يمكن تفسيرها فقط بنوعية رأس المال البشري. ويضيف، لا أعتقد أن العبقرية وحدها كانت قادرة على تحويل الأمور وجعل الاقتصاد يعمل على هذا النحو من النجاح.