يرى محللو نفط ومؤسسات بحثية ترصد أسعار النفط أن هنالك أربعة عوامل تحدد توجهات أسعار النفط خلال العام الجاري، أهمها، أولا، مستويات الطالب العالمي الذي تقدر وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع بنحو مليوني برميل يومياً.
وتعتمد هذه التقديرات على نمو الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري وعلى ما إذا كانت الاقتصادات الرأسمالية ستتمكن من تفادي دورة ركود اقتصادي وسط أزمات البنوك والتداعيات السالبة لنسبة الفائدة المرتفعة على أسواق المال والدورة الاقتصادية، خاصة في أوروبا وأميركا.
وتعاني الاقتصادات الأوروبية منذ فبراير/ شباط من العام الماضي من تبعات الحرب الروسية في أوكرانيا على معدلات النمو الاقتصادي.
أما العامل الثاني فهو مستوى إنتاج "أوبك +" الذي يحدد مستويات إمدادات النفط العالمية، إذ إن المنظمة البترولية وحلفاءها مسؤولون عن أكثر من 40% من الإنتاج العالمي من النفط. وحتى الآن تمكنت روسيا من الاحتفاظ بمستويات الإنتاج التي كانت عليها قبل الغزو بسبب توفر أسواق جديدة وبديلة لخاماتها في آسيا وفقاً للبيانات التي نشرت في موسكو خلال الأسبوع الماضي.
والعامل الثالث يتمثل بمستويات التقدم في إنتاج الطاقات البديلة التي يعول عليها العالم في الإحلال التدريجي لاستخدام النفط في التدفئة والوقود. وتمكنت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة من استثمار تريليون دولار في الطاقات المتجددة ولكن العالم يواجه عقبات في إنتاج سيارات كهربائية رخيصة من حيث الكلفة واستهلاك الوقود.
هذا في حين أن العامل الرابع فهو مستوى السحب من الاحتياط الفدرالي الأميركي من النفط. وتراجع مستوى الاحتياط الاستراتيجي الأميركي إلى 372 مليون برميل خلال العام الجاري مقارنة بما كان عليه في نهاية العام 2021 البالغ 638 مليون برميل، وفق بيانات "أويل برايس" الأميركية.
في صدد الطلب النفطي، قالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها لشهر أبريل/ نيسان الجاري، إن الطلب العالمي على النفط ارتفع بمقدار مليوني برميل في اليوم في عام 2023 إلى مستوى قياسي بلغ 101.9 مليون برميل/اليوم. ولكن يشير تقرير الوكالة إلى التفاوت في الطلب بين الاقتصادات الغربية والاقتصادات بالدول النامية.
وبينما يواصل الطلب الارتفاع في الدول الآسيوية بقيادة الصين التي يعول عليها أن تشكل حصة 90% من النمو في الطلب خلال العام الجاري، من المتوقع أن يتقلص بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي لا تزال تعاني من ضعف النمو الاقتصادي وسط احتمال دخولها في مرحلة ركود.
وتقدر الوكالة الدولية أن يتقلص الطلب بمقدار 390 ألف برميل/ اليوم على أساس سنوي في العام 2023. كما تشير الوكالة إلى أن "أوبك +"، تواصل التخفيضات على أمل رفع أسعار النفط من نوعية خام برنت إلى مستويات فوق 90 دولاراً.
ويقول تقرير وكالة الطاقة الدولية إن التخفيضات الإضافية من قبل "أوبك +" ستؤدي إلى انخفاض إمدادات النفط العالمية بمقدار 400 ألف برميل في اليوم بحلول نهاية عام 2023.
وفشلت الزيادة في المعروض النفطي البالغة مليون برميل في اليوم من خارج "أوبك +" في تعويض انخفاض إنتاج "أوبك +" البالغ 1.4 مليون برميل في اليوم.
ويتوقع تقرير الوكالة أن يتباطأ نمو إنتاج النفط العالمي إلى 1.2 مليون برميل في اليوم خلال العام الجاري مقابل 4.6 ملايين برميل في اليوم في عام 2022. ومن المتوقع أن تنخفض إمدادات "أوبك +" بمقدار 760 ألف برميل في اليوم.
أما بالنسبة للإنتاج الروسي، فقد ارتفعت صادرات النفط الروسية في مارس/آذار إلى أعلى مستوياتها منذ أبريل/ نيسان 2020 إلى المستويات التي كانت عليها قبل غزو روسيا لأوكرانيا.
وارتفع إجمالي شحنات النفط بمقدار 0.6 مليون برميل في اليوم إلى 8.1 ملايين برميل في اليوم، مع ارتفاع المشتقات بمقدار 450 ألف برميل في اليوم إلى 3.1 ملايين برميل في اليوم.
على صعيد المخزونات العالمية، استقرت المخزونات العالمية إلى حد كبير في فبراير/شباط بعد ارتفاعها بمقدار 58 مليونا في الشهر السابق. وانخفضت مخزونات النفط بالدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 11.5 مليونا، بينما ارتفع إجمالي مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 8.8 ملايين.
وارتفعت المخزونات التجارية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 9.6 ملايين، مما قلص العجز في الإمدادات إلى 7.5 ملايين. تظهر البيانات الأولية للولايات المتحدة وأوروبا واليابان انخفاضًا هائلاً في المخزونات بلغ قدره 38.9 مليونا في شهر مارس/آذار الماضي.
المحللة في شركة السمسرة فيليب نوفا، بريانكا ساشديفا، قالت لوكالة "بلومبيرغ": "عندما يشير تعليق الاحتياط الفيدرالي إلى زيادة أسعار الفائدة، تبدو المشاكل الاقتصادية حتمية" ولكنها تشير إلى أن هنالك أملا في أن تعوض الصين نقص الطلب النفطي في الاقتصادات الغربية. وحتى الآن تشير البيانات الاقتصادية إلى أن الاقتصاد الصيني يتجه للنمو بنسبة 5%.
من جانبه، قال إدوارد مويا من شركة "أواندا" لرويترز إن "خام غرب تكساس الوسيط عاد إلى ما دون مستوى 80 دولاراً وقد يستمر في الانحدار إذا عاد الدولار للارتفاع القوي". وعلاوة على ذلك، فإن التشاؤم الذي يسود نظرة تجار النفط للاقتصاد الأميركي ربما سيكون له تداعيات سالبة على مشتريات العقود الآجلة.
وقالت المحللة في شركة "سي أم سي ماركتس" تينا تينج لرويترز: "على الرغم من أن الصين أبلغت عن بيانات الناتج المحلي الإجمالي أفضل من المتوقع، إلا أن الإنتاج الصناعي واستثمارات الأصول الثابتة لم ترق إلى مستوى البيانات المتوقعة لتعزيز أسعار النفط".
وكانت عدة مصارف قد عدلت توقعاتها لأسعار النفط في بداية شهر أبريل/ نيسان الجاري واضعة في حساباتها التداعيات السالبة لأزمة البنوك الغربية على النمو الاقتصادي العالمي. يتوقع محللو مصرف "جي بي مورغان" أن ترتفع أسعار النفط بمجرد أن يوقف بنك الاحتياط الفيدرالي رفع أسعار الفائدة مؤقتًا.
ويتوقع المصرف أن تبلغ أسعار خام برنت 94 دولارًا للبرميل في الربع الأخير من العام الجاري. كما عدل بنك "غولدمان" ساكس توقعاته لأسعار النفط في 4 أبريل/ نيسان الجاري وقال فيها إنّ الأسعار ستصل إلى 100 دولار للبرميل اعتباراً من ديسمبر/ كانون الأول 2024، ليقول أمس الخميس إن النفط سيصل إلى هذا السعر في شهر إبريل/ نيسان 2024.
كذلك توقع مصرف "غولدمان ساكس" ان تتمكن دول "أوبك +" من تحقيق التزام بنسبة تقترب من 90% بخطة خفض الإنتاج الطوعي، نظراً لأنّ الدول التي أعلنت عن الخفض لديها سجل امتثال قوي، وسبق لها تنفيذ ما يقرب من 90% من قرار خفض الإنتاج المعلن في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بحلول شهر يناير/ كانون الثاني 2023.
في ذات الشأن، قال محلل السوق شركة "سيتي إندكس"، فؤاد رزاق زادة، إن "أسعار النفط الخام، مثل أي شيء آخر، انتعشت بشكل حاد عن أدنى مستوياتها الأخيرة مع تحسن معنويات المخاطرة بعد الإجراءات المنسقة للبنوك المركزية الرئيسية في عطلة نهاية الأسبوع لحل الأزمة المصرفية.
وقال زادة: "لكن حقيقةً فإن أسعار النفط كانت تتجه نحو الانخفاض لأشهر، وربما تؤدي أزمة المصارف إلى المزيد من التراجع في أسعار النفط".
وخفض مصرف باركليز البريطاني توقعاته لأسعار خام برنت وغرب تكساس الوسيط شديدة بشكل خاص، حيث قام البنك بخفض سعر خام برنت إلى 92 دولارًا للبرميل وسعر خام غرب تكساس الوسيط إلى 87 دولارًا للبرميل.
ومن المتوقع أن تواصل أسعار الفائدة الأميركية تأثيرها على الدولار الذي يعد أحد موجهات أسعار النفط. وتتحرك أسعار الخامات البترولية بعلاقة عكسية مع سعر صرف الدولار، حيث تباع معظم الخامات النفطية العالمية بالدولار.