استمع إلى الملخص
- البطالة تعد تحدياً كبيراً بسبب تخلف الصناعة وضعف خلق الوظائف، مع وجود فجوة عميقة في توزيع الثروة وضغط كبير لإيجاد حلول لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
- مودي يواجه صعوبة في جذب الاستثمارات الأجنبية والحفاظ على الاستقرار السياسي في ظل حكومة ائتلافية، مع توقعات بتعافي الاقتصاد وسوق المال بعد الصدمة الأولية لنتائج الانتخابات.
يواجه رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، تحديات اقتصادية عدة في ولايته الثالثة التي فشل فيها حزبه بهاراتيا جاناتا في الحصول على الأغلبية البرلمانية، مما اضطره إلى تشكيل حكومة ائتلافية. وعلى الرغم من النمو الاقتصادي السريع الذي حققته الهند خلال السنوات السابقة، يرى خبراء أن هذه الدورة من زعامته ستواجه عقبات رئيسية، بسبب ضعف نفوذه السياسي، حيث كان في الدورتين السابقتين من حكمه يتمتع بأغلبية برلمانية مريحة سمحت له بتمرير الإصلاحات القانونية بسهولة داخل البرلمان خلافاً للدورة الحالية التي سيضطر فيها للنزول إلى رغبة الأحزاب المتحالف معها.
ووفق محللين فإن مودي في دورته الجديدة يواجه أربع تحديات اقتصادية رئيسية، أهمها خلق وظائف وفرص عمل جديدة، ومعالجة أزمة البطالة بالبلاد، وكيفية الحفاظ على عجز الميزانية في حدود المستهدف 5.1% وسط الحاجة إلى دعم مئات الملايين من الفقراء في الأرياف والمدن الكبيرة، والقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية للبلاد في ظل الشكوك التي تثار بشأن احتمال شلل القرار السياسي والاستثماري، وضعف النفوذ السياسي وتداعياته السالبة على المناخ الاستثماري والأنشطة المختلفة.
على صعيد أزمة البطالة في الهند لا تزال البلاد متخلفة صناعياً مقارنة بدول جنوب شرقي آسيا التي تمكنت من الانتعاش الصناعي وجذب المستثمرين الغربيين وتوظيف التقنيات الحديثة.
ويقول الزميل بمعهد بيترسون للدراسات الاقتصادية بواشنطن، أرفند سيبرانمينان، في دراسة حديثة" نمو الوظائف كان ضعيفاً في الهند على الرغم من النمو الاقتصادي السريع"، ويرى أن خلق الوظائف الجديدة ستظل التحدي الأكبر لحكومة مودي الائتلافية".
ووفق سيبرانمينان فإن لدى مودي أدوات محدودة لحل معضلة البطالة، حيث تعاني الهند فجوة عميقة في توزيع الثروة، ويوجد فيها عشرات المليارديرات في قائمة فوربس، بينما يرزح مئات الملايين تحت الفقر المدقع في الأرياف والمدن وتعيش ملايين الأسر على الكفاف ولا يستطيعون أيضاً إرسال أبنائهم إلى المدارس.
ويوجد في الهند حالياً نحو مليار نسمة في سن العمل، ولكن هنالك 430 مليون وظيفة فقط في البلاد وفق الأرقام الرسمية الهندية. كما أن العديد ممن يشغلون الوظائف، يعملون في أعمال هامشية ووظائف يومية وبأجور متدنية.
ووفق بيانات صندوق النقد الدولي، بلغ حجم الاقتصاد الهندي في العام الماضي 3.57 تريليونات دولار ونما بنسبة 7.8%، كما بلغ دخل الفرد من الناتج المحلي في الهند 2.73 ألف دولار. ويبلغ عدد سكان الهند 1.441 مليار نسمة.
وتعوًل الهند على الولايات المتحدة في الحصول على الدعم المالي والتقني، كما تعول عليها الولايات المتحدة في حربها التجارية ضد الصين. وتأمل الهند في أن تقود الحرب التجارية المتصاعدة بين واشنطن وبكين إلى انتقال شركات التقنية الأميركية والغربية من الصين إلى الهند، ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن.
ويرى الخبير سيبرانمينان، أن النمو الاقتصادي السريع في الهند فشل في خلق فرص عمل جديدة بسبب فشل الهند في تحقيق ازدهار صناعي مثلما حدث في دول جنوب شرقي آسيا مثل تايوان وكوريا الجنوبية والصين وحتى أندونيسيا وفيتنام، ومن ثم إلى حين تتمكن حكومة مودي الجديدة من إقناع المستثمرين الغربيين بوضع أموال جديدة في الهند، ستظل أزمة البطالة تطارد حكومة مودي.
تفاوت طبقي كبير
ويوجد تفاوت طبقي كبير في الهند، إذ بينما تسكنها أكثر الطبقات فقراً في العالم، تستضيف في الوقت ذاته ثالث أكبر عدد من المليارديرات في العالم، وخلافاً لما يحدث في الدول الرأسمالية الغربية في أوروبا وأميركا، تنمو ثروة الأغنياء بسرعة مدهشة مستفيدة من النمو القوي من القاعدة العريضة من المستهلكين، ونمو السوق المالي، وعدد المستثمرين في الأسهم. وهذه العوامل من العناصر الرئيسية في نمو الثروات في العالم.
وبحسب دراسة سابقة لمصرف "كريدي سويس" السويسري، تضاعفت ثروة الأغنياء في الهند أربع مرات خلال العقدين الأخيرين بين عامَي 2000 و2019 إلى 12.6 تريليون دولار. وهذا الرقم يعادل تقريباً ثلاث مرات حجم الاقتصاد الهندي المقدر وقتها بنحو 3.202 تريليونات دولار، وينوي رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي توسيع حجم الاقتصاد الهندي إلى 5 تريليونات دولار.
أما التحدي الثاني الذي يواجهه مودي، فهو القدرة على إقناع المستثمرين الأجانب بالاستثمار في الهند تحت ظل حكومة ائتلافية. ويلاحظ أن هذه الشكوك تبدت بوضوح بعد أن أظهرت تقارير أولية في الرابع من يونيو/ حزيران الجاري، أن حزب بهاراتيا جاناتا، لن يحصل على أغلبية برلمانية، إذ تراجعت البورصة الهندية بنسبة كبيرة بلغت 6%، إذ خسرت 386 مليار دولار من قيمتها السوقية البالغة 4.3 تريليونات دولار.
وكانت البورصة الهندية قد تفوقت على بورصة هونغ كونغ لأول مرة في 22 يناير/ كانون الماضي، وفق تقرير في مجلة "ذا بانكر". ويتجاوز حجم السوق الهندي حالياً 5 تريليونات دولار، وفق بيانات صحيفة " مورنينغ ستار" الأميركية.
لكن يرى تحليل الصحيفة، أن تراجع البورصة لن يستمر طويلاً، خاصة بعد إدراج الهند في مؤشر “جي بي مورغان" لسندات الأسواق الناشئة، وكذلك في مؤشر" بلومبيرغ" للسندات. ويتوقع محللون أن يجذب هذا الإدراج استثمارات إلى السوق الهندية قد تصل إلى 40 مليار دولار.
مخاوف من شلل اقتصادي
أما التحدي الثالث، فهو الاستقرار السياسي، حيث يقول محللون لمجلة "ذا بانكر" البريطانية، إن السوق الهندية راهنت على فوز حزب مودي بأغلبية تمكنه من تشكيل حكومة وحده، ولكن ذلك لم يحدث مما شكل صدمة للمستثمرين.
ويرى التحليل أن المستثمرين يتخوفون من حدوث شلل في اتخاذ القرارات الاقتصادية والاستثمارية بسبب تحالف الأحزاب. وكانت حكومة التحالف الهندية التي حكمت بين أعوام 2004 و 2014، قد واجهت أزمة في اتخاذ القرارات بسبب تضارب المصالح، مما أدى إلى عرقلة تدفق الاستثمارات للبلاد.
ويقول رئيس بيت الأبحاث الهندي في لندن "بريدج إنديا"، براتيك داتاني، الأسواق تفضل الاستقرار السياسي وتتخوف من الجمود في تسيير الأعمال. ولكن داتاني يتوقع، أن يتمكن الاقتصاد الهندي من النمو وكذلك سوق المال بعد صدمة الانتخابات.
وكان مودي وقيادات حزبه قد حثوا المواطنين على شراء الأسهم قبيل الانتخابات، على اعتبار أن الفوز بالأغلبية شبه مضمون. في الصدد ذاته يقول مدير صندوق "إنديان كابيتال غروث فاند"، غواراف لمجلة "ذا بانكر"، إن العجز في الميزانية الهندية سيرتفع فوق معدل 5.1% المستهدف، إذا كانت الحكومة ستعمل على دعم الفئات الفقيرة في المجتمع.