بينما هدد الرئيس الأميركي جو بايدن، روسيا، مساء يوم الإثنين، بأنها إذا غزت أوكرانيا فإنها ستخاطر بوضع نهاية لمشروع "نوردستريم2" لتصدير الغاز الروسي إلى ألمانيا، يثار السؤال في أوساط الطاقة العالمية حول أهمية المشروع ولماذا تستهدفه واشنطن تحديداً من بين مشاريع الغاز الأخرى التي تمد أوروبا بالغاز الروسي.
وسيمد مشروع "نوردستريم2" ألمانيا بنحو 55 مليار متر مكعب من الغاز في حال ترخيصه. كما يثار أيضاً السؤال لماذا تتخوف موسكو من تعرض المشروع للعقوبات الأميركية والغربية؟
في هذا الشأن، يرى محللون أن هنالك أربعة أسباب وراء استهداف الولايات المتحدة لمشروع "نوردستريم2"، وهي، أولاً، أن الولايات المتحدة ترى أن المشروع سيضعف الاقتصاد الأوكراني، لأن أوكرانيا ستخسر بعد ترخيصه نحو ملياري دولار من الرسوم التي تحصل عليها من مرور الغاز الروسي عبر أراضيها.
في هذا الصدد، يقول رئيس المجلس الألماني للعلاقات الخارجية ستيفان مايستر، في تعليقات بنشرة "فوكس ـ vox" الأميركية، إن المشروع خدم مصلحة موسكو في إحداث شروخ في العلاقات الأميركية الأوروبية منذ بدء إنشائه، كما أدى إلى توتر العلاقات بين واشنطن وبرلين".
ويشير التحليل بالنشرة إلى أن أوروبا كانت تعتمد بنسبة 80 في المائة على تلبية احتياجاتها من الغاز الروسي عبر الأنابيب المارة عبر أوكرانيا، وكان ذلك مصدر قوة اقتصادية لأوكرانيا. لكن تقلصت هذه القوة بعد إنشاء خط "نوردستريم1" في العام 2006، الذي يمد ألمانيا بالغاز الروسي.
ويضيف التحليل أن أوكرانيا تتجه حالياً لتكبد خسائر أكبر بعد الترخيص لـ"نوردستريم2".
وعلى الرغم من أن "نورد ستريم2" اكتمل في سبتمبر/أيلول من العام الماضي من الناحية الفنية ووصل إلى ألمانيا وبات جاهزاً للتشغيل، إلا أنه لم يحصل على الترخيص بعد، لا من المفوضية الأوروبية للطاقة في بروكسل ولا من السلطات الألمانية. وحتى الآن أثار المشروع الكثير من الخلافات داخل ألمانيا وداخل البرلمان الأوروبي وكان مثار جدل وملاسنات
بين إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وقيادات أوروبية.
أما العامل الثاني، فيرى محللون أن تعليق المشروع الذي تبلغ كلفته نحو 11.6 مليار دولار وتملك خطوطه شركة "غاز بروم" الروسية الحكومية سيكون رادعاً من حيث الخسائر الباهظة على روسيا لخطط الرئيس فلاديمير بوتين لغزو أوكرانيا.
وحسب تقرير للطاقة بمجلة "فوربس" الأميركية، فإن روسيا تعلق آمالاً كبيرة على المشروع من حيث الدخل، حيث إن تمويل الميزانية الروسية يعتمد بنسبة 36 في المائة على الضرائب والرسوم التي تجنيها من الطاقة. وبالتالي ربما يكون تعليق المشروع رادعاً لوقف خطط روسيا الرامية لغزو شرقي أوكرانيا.
أما العامل الثالث، فإن واشنطن تعتقد أن المشروع أدى إلى خلافات حادة داخل الكتلة الأوروبية، بين الدول التي تعارضه وتلك التي تقف معه، كما وضع ضغوطاً على علاقات واشنطن مع أهم حليف لديها وهو الاتحاد الأوروبي.
في هذا الصدد، قال السيناتور الجمهوري تيد كروز، في مداخلته في الكونغرس، الأسبوع الماضي، إنه "يجب معاقبة روسيا بتعليق نوردستريم2 واستخدامه ورقة ضغط ضد نوايا موسكو التوسعية في أوروبا".
أما العامل الرابع، فهو أن مشروع الغاز الجديد سيعمل على تعزيز النفوذ الروسي مع أهم حليف لدى واشنطن وأقوى اقتصاد في أوروبا وهي ألمانيا، حيث سيضاعف من اعتمادها على الغاز الروسي من 55 مليار متر مكعب إلى 110 مليارات متر مكعب، وبالتالي ربما يقود في المستقبل إلى تعزيز العلاقات بين برلين وموسكو، وخاصة أن شركة "غاز بروم" الروسية العملاقة المالكة للمشروع تستخدم مسؤولين أوروبيين كبارا في حملة علاقاتها العامة مع أوروبا، وقد عينت المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر عضواً في مجلس إدارتها في شهر يناير/كانون الثاني الماضي.
وتسعى أوروبا بمساعدة الولايات المتحدة إلى تقليل اعتمادها على الطاقة الروسية، خاصة الغاز الطبيعي، عبر زيادة شحنات الغاز المسال وإحياء مشاريع غاز كانت قد تخلت عنها في السابق.
على صعيد أهمية الغاز الروسي لبعض الدول الأوروبية، يلاحظ أن دولاً رئيسية في أوروبا لا تعتمد على الغاز الروسي، من بينها بريطانيا وإسبانيا والبرتغال وإلى درجة ما فرنسا، التي تستورد معظم احتياجاتها من الغاز الطبيعي من النرويج.
وحسب بيانات المفوضية الأوروبية للطاقة، فإن إسبانيا تغطي معظم احتياجاتها من الغاز الجزائري عبر أنبوب "ميد غاز" الذي ينقل الغاز الجزائري من حقل حاسي رمل في الجزائر إلى قرطبة عبر إسبانيا ويمر تحت المتوسط.
وهذا الخط الذي تصل طاقته لنحو 12 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً مرتبط أيضاً بشبكة الغاز البرتغالية.
كما أن بريطانيا هي الأخرى تعتمد في تلبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي على الإنتاج من حقول بحر الشمال في مقاطعة اسكتلندا وعلى النرويج وشحنات الغاز المسال من دولة قطر.
وتتجه بريطانيا للتفاوض مع الحكومة القطرية للوصول إلى تعاقدات طويلة الأجل لشحنات الغاز المسال التي تمكنها من تلبية احتياجاتها في المستقبل دون الحاجة للغاز المستورد من روسيا عبر الحاويات.
وهنالك دول صغيرة في أوروبا تعتمد على الغاز الطبيعي الروسي بنسب كبيرة تراوح ما بين 100 في المائة و94 في المائة، وهي ماسيدونيا وفنلندا ومولدافيا والبوسنة والهرسك ولاتفيا ودولة الصرب.
أما ألمانيا فإنها تعتمد على الغاز الروسي من إجمالي احتياجاتها للغاز بنسبة 49 في المائة.