تواجه صناعة الدواء التونسية تحدي الاستمرار في تحقيق الاكتفاء للسوق المحلية، وتوفير كميات للتصدير، بعد تراجع أداء وحدات الإنتاج التي تغطي ما يزيد عن 70 في المائة من حاجيات البلاد من أدوية حياتية، نتيجة اختلال التوازنات المالية للمصانع.
وتعاني السوق التونسية منذ أشهر من نقص في ما يزيد عن 300 دواء ضمنها أدوية محلية، الأمر الذي أثر على الصحة العامة للمواطنين.
ويرتبط نقص الدواء في أسواق تونس بعاملين وهما توقف مصانع محلية عن إنتاج بعض الأصناف التي لا تغطي أسعارها الكلفة، وعدم قدرة الصيدلية المركزية على استيراد الأدوية بسبب الأزمة المالية ونقص الأرصدة من العملة الصعبة.
ويتكرر في تونس في السنوات الأخيرة نقص الدواء بسبب عدم قدرة الدولة على سداد مستحقات المزودين وتحضير الطلبيات المبكرة لتحسين المخزون، غير أن النقص امتد في الأشهر الأخيرة إلى العقاقير الحياتية ليشمل أدوية الأمراض المزمنة.
ويقّر رئيس غرفة مصنعي الدواء طارق الحمامي بوجود أزمة فعلية في السوق ناتجة عن تعثر سلاسل الإنتاج في المصانع المحلية، مؤكداً أن وحدات الإنتاج اضطرت إلى التوقف عن صناعة أدوية لا تغطي الكلفة بعد ارتفاع كبير في أسعار المواد الأولية.
وأفاد في تصريح لـ"العربي الجديد" بأنه "عقب الأزمة الصحية العالمية شهدت صناعة الأدوية ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المواد الأولية أثر على كلفة الإنتاج، غير أن هذه الكلفة لم يقابلها تعديل في الأسعار على المستوى المحلي منذ سنة 2021".
وأكد رئيس غرفة صناعة الدواء أن آخر تعديل رسمي في سعر الدواء في السوق المحلية كان بتاريخ يونيو/ حزيران 2021، غير أن كلفة التصنيع في الأثناء شهدت العديد من المتغيرات، ما اضطر المصانع المحلية إلى تغيير خطط الإنتاج للمحافظة على توازناتها المالية.
وتابع أن "النقص الحاصل في تزويد السوق المحلية ناتج عن تعثر إنتاج أصناف الأدوية الخاصة بتسكين الآلام والمضادات الحيوية"، لافتاً إلى أن المردودية المالية شرط أساسي لتواصل الإنتاج.
وتحتاج صناعة الدواء بحسب رئيس الغرفة إلى إعادة نظر شاملة في سياسة الأسعار حسب الكلفة وتداعيات الأزمات العالمية على هذه الصناعة الحيوية فضلا عن تحفيز الاستثمار في هذا القطاع.
واعتبر الحمامي أن صناعة الدواء في تونس لا تزال قطاعا واعدا غير أن زيادة كلفة القروض البنكية وارتفاع نسبة الفائدة إلى أكثر من 8 في المائة تسببا في تراجع إقبال المصنعين على إحداث وحدات جديدة، ما يحد من إمكانات البلاد على مواصلة تصدير الدواء. وبلغت قيمة صادرات الدواء خلال عام 2022 نحو 280 مليون دينار وفق أرقام رسمية لغرفة المصنعين.
غير أن رئيس الغرفة طارق الحمامي يعتبر أن الرقم لا يزال ضعيفاً مقارنة بإمكانات كبيرة تملكها المصانع القادرة على خوض غمار التصدير والسيطرة على الأسواق الأفريقية.
ويعمل في قطاع الصيدلة أكثر من 73 مؤسسة تشغل نحو 86 ألف شخص، فيما يعتبر خبراء البنك الدولي أن هذه الصناعة قادرة على مضاعفة فرص العمل المحدثة، في حال إجراء الإصلاحات وتيسير إجراءات الحصول على تراخيص إنتاج الأدوية والتصدير.
وتواجه الصيدلة المركزية، المورد الحصري للدواء في تونس، صعوبات مالية ومشكلات في سداد مستحقات المختبرات العالمية التي باتت أكثر تشدداً في طلب ضمانات السداد أو الدفع نقداً مقابل مواصلة تزويد تونس بطلبات الدواء.
وبرزت مشكلات السيولة المالية في الصيدلية المركزية منذ أكثر من 5 سنوات، ما أثر على قدرتها على السداد لمزوّديها الأجانب، وجعل بعض المزودين يخفّضون تزويد الأدوية ويضعون شروطا للدفع.
ويناقش البرلمان مشروع قانون إحداث وكالة الدواء الذي يتضمّن فصولاً تشرح أسباب إنشاء الوكالة التي ستتولى مهام موكلة حالياً لإدارات ومؤسسات عامة، بهدف ضمان سلامة وفاعلية وجودة المنتجات المرتبطة مباشرة بصحة المستهلك والحد من المخاطر الصحية.
ويتطلّع مصنّعو الدواء في تونس إلى مساهمة القوانين المرتقبة في تحسين نسبة تغطية السوق بالأدوية وجلب استثمارات جديدة تسمح بتوفير الكميات اللازمة من الدواء وضمان جودتها.
وقال الحمامي إن "إحداث وكالة دواء مهم جداً في البلدان التي تتطلع إلى تطوير هذه الصناعة وتجاوز مشكلات نقص الدواء في السوق"، مشيراً إلى أن "المؤسسة الجديدة ستجمع ما لا يقل عن 4 إدارات حالية تُعنى بالدواء في تونس، الأمر الذي يسرّع تنسيق العمل وإصدار القرارات المشتركة بينها".
وأكد الحمامي أن "من أسباب نقص الدواء في تونس طول آجال انتظار الحصول على التراخيص لتسويق الأدوية الجديدة، التي تصل إلى ثلاث سنوات في بعض الأحيان، ما يسبب ضغطاً على الأصناف الموجودة في السوق".
وأشار إلى أن "تقليص آجال تسجيل الأدوية وإسناد رخص الترويج في السوق المحلية أمر مهم لتحسين تنافسية قطاع الدواء في تونس الذي يحظى بسمعة طيبة على مستوى جودة الدواء". ويقول: "كل الدول المنافسة لتونس في صناعة الدواء أحدثت وكالات، بما في ذلك التي التحقت أخيراً بركب التصنيع".