3 عوامل وراء هروب المستثمرين إلى الذهب

11 اغسطس 2022
الحرب الروسية ترفع أسعار الذهب (getty)
+ الخط -

تتجه أسعار الذهب للصعود بقوة خلال النصف الثاني من العام الجاري وسط هروب المستثمرين من أسواق المال، ومخاوفهم من تآكل ثرواتهم في أدوات المال الثابتة بسبب التضخم وتداعيات الحرب الروسية على الاستقرار السياسي في أوروبا ودول العالم النامي، واحتمالات تراجع سعر صرف الدولار الذي يقلل من جاذبية الاستثمار الأجنبي في الأصول الأميركية.

ويرى مجلس الذهب العالمي في تقريره الصادر في يوليو/ تموز أن هذه العوامل تدعم ارتفاع أسعار الذهب بعد فترة من التراجع في الربع الثالث من العام الجاري. وفي ذات المنحى يتوقع مصرف "سيتي بانك" الأميركي في تقرير، أن الذهب يتجه للارتفاع إلى 1845 دولاراً للأوقية (الأونصة) في الربع الثالث من العام الجاري وإلى 2000 دولار في الربع الأول من العام 2023. ويشير مصرف سيتي بانك في تحليله إلى أن الركود الاقتصادي في أميركا سيدفع المستثمرين نحو وضع أموالهم في الذهب.
من جانبها، تبدو شركة "والت إنفستر" الأميركية متفائلة جداً حول مستقبل الذهب، حيث تتوقع الشركة ارتفاع سعر المعدن الأصفر إلى 1.821 ألف دولار بنهاية العام الجاري، وأن يواصل الذهب الارتفاع حتى نهاية العام 2027. وتشير توقعاتها إلى أن سعر الذهب قد يحلق فوق 2500 دولار بنهاية العام المقبل 2023 وأن يقفز فوق 6 آلاف دولار في العام 2025.
وتبني الشركة توقعاتها على عجز المصارف المركزية عن السيطرة على التضخم وهروب المستثمرين من أسواق المال الرئيسية. ولكن عادة فإن التوقعات طويلة الأجل لأسعار السلع الرئيسية تكون غير واقعية بسبب حساسية هذه السلع للمتغيرات السياسية والنقدية والاقتصادية. أما موقع "غوف كابيتال" فيتوقع أن يحلّق سعر الذهب فوق 3 آلاف دولار بنهاية العام المقبل. من جانبها تبني شركة هرايوس الألمانية توقعاتها لارتفاع الذهب على احتمال تراجع سعر الدولار خلال الشهور المقبلة.

ويراهن المستثمرون في الذهب على أن الركود الاقتصادي الذي أصبح واقعياً في أميركا من الناحية الفنية بسبب انكماش الاقتصاد للربع الثاني في نهاية يوليو/ تموز الماضي، سيجبر مصرف الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) على تعليق الزيادات في الفائدة الأميركية.
ولكن في مقابل هذه التوقعات المتفائلة، فإن مجلس الذهب العالمي يرى أن هنالك عاملين سيضعفان سعر الذهب خلال العام الجاري، وهما قوة الدولار والارتفاع السريع والقوي في الفائدة المصرفية بالاقتصادات الكبرى. وحتى لا يبدو أن الارتفاع في سعر الفائدة الأميركية قد ساهم بشكل مباشر في خفض معدل التضخم، وحتى في حال انخفاض التضخم إلى 8.7% كما تشير التوقعات، فإن هذا الانخفاض سيكون بسبب تأثير الدولار القوي على الواردات للسوق الأميركية من الدول ذات العملات المنهارة في أوروبا واليابان وأميركا الجنوبية والتراجع الذي حدث في أسعار الأغذية.
ويلاحظ خبراء أن المستثمرين في هذا العام المضطرب يبحثون عن العائد الحقيقي الذي يضمن عادم تآكل أموالهم بسبب معدل التضخم المرتفع، وتفادي خسارة أموالهم في أسواق المال الكبرى في أميركا وأوروبا وآسيا، إضافة إلى الأصول الآمنة.
على صعيد تآكل الثروات، تشير البيانات الأميركية إلى أن التضخم في الولايات المتحدة بلغ 9.1% في يونيو/ حزيران الماضي، بينما بلغ عائد السندات الأميركية أجل 10 سنوات معدل 2.799% يوم الثلاثاء. وهذا يعني أن المستثمر في السندات الأميركية أجل 10 سنوات، وهي السندات الأكثر جذباً للمستثمرين، سيخسر نحو 6.311% من استثماراته بحساب العائد الحقيقي بعد حسم التضخم، كما سيخسر في سندات الخزانة الأميركية أجل عامين نحو 5.69%، بحساب أن العائد على هذه السندات بلغ 3.331% حتى إغلاق يوم الثلاثاء.

وما يدعم جاذبية السندات الأميركية للمستثمرين حتى الآن هو الدولار القوي مقابل العملات المنهارة في اليابان وأوروبا والاقتصادات الناشئة وليس أداء الاقتصاد الأميركي. ويفضل معظم المستثمرين التضحية بخسارة جزء من ثرواتهم في "السوق الأميركي الآمن" بدلاً من احتمال خسارتها كلها في اقتصادات قد تفلس، وأسواق قد تنهار بسببب الاضطرابات الجيوسياسية في آسيا وأوروبا. وأضافت التوترات الأخيرة بين واشنطن وبكين بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان مزيدا من التوترات لمناخ سياسي مشحون في أوروبا.
على صعيد مخاطر الاستثمار في الأسهم العالمية، شهدت العديد من البورصات العالمية تدهوراً كبيراً في مؤشراتها خلال النصف الأول من العام الجاري، وهو ما يهدد بهروب المستثمرين من أسواق الأسهم ويدعم الذهب. في هذا الصدد، تشير بيانات سوق "وول ستريت" إلى أن مؤشر بورصة ناسداك تراجع بنسبة 29.3% في النصف الأول من العام، وفي ذات الفترة تراجع مؤشر "ستاندرد آند بورزـ 500" بنحو 20%، وتراجع مؤشر العقارات بنسبة 21.9%.
في المقابل، تراجع مؤشر الذهب بنسبة 1.2% فقط في النصف الثاني، وهو معدل منخفض جداً، مقارنة بالتراجع في أسعار الأسهم والعقارات. كما لا يزال سعر الذهب منخفضاً ويملك فرص الصعود، مقارنة بالمخاطر التي تواجهها الأصول الاستثمارية الأخرى. يُذكر أن سعر الذهب انخفض بمعدل طفيف في السوق المستقبلية، أمس الأربعاء، حيث بلغ سعر أوقية الذهب "الأونصة" لعقود ديسمبر/كانون الثاني 1807.40 دولارات في منتصف النهار.