3 ضربات قاتلة للطاقة المتجددة في مصر

21 يناير 2022
رفع أسعار الكهرباء للمشترين على الجهد المتوسط ومنها الزراعة (Getty)
+ الخط -

تلقت صناعة الطاقة المتجددة في مصر ضربات قاتلة، بعد تنفيذ قرار رئاسي مطلع الشهر الجاري، برفع التعرفة الجمركية للألواح الشمسية من 5% إلى 10%.

وجاء تنفيذ القرار وسط حالة من الاضطرابات، تشهدها شركات الطاقة المتجددة وبخاصة الشمسية التي تعتمد على استيراد أغلب مكوناتها من الخارج، في وقت ارتفعت فيه الأسعار العالمية لمكوناتها والمعادن والشحن، مع توقع استمرار زيادة التضخم محليا ودوليا خلال الفترة المقبلة.
جاء القرار الرئاسي كالقشة التي قد تقصم ظهر هذه الصناعة وفق مستثمرين في قطاع الطاقة المتجددة، بعد أن تلقت على أيدي المسؤولين في القطاعات الحكومية ضربات متتالية، أدت إلى تراجع دورها في خدمة الاقتصاد القومي.
ويأتي ذلك في وقت تسعى الحكومة إلى اقتراض نحو مليار دولار من الاتحاد الأوروبي، مخصصة لتمويل مشروعات الطاقة النظيفة بشروط ميسرة، وجذب التعامل في السندات الخضراء، موجهة لتمويل صناعات إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح وغيرها، ما يعمل على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

إدارة عشوائية من الحكومة
تتصرف الحكومة بطريقة عشوائية تجاه صناعة واعدة، يمكنها استيعاب خبرات محلية متنامية، وتوفير آلاف من فرص العمل أمام الشباب، وتعمير المناطق النائية والمعزولة الفقيرة عن الخدمات الحكومية، أدى دعمها في دول أخرى إلى توسيع الرقعة الزراعية، وتطوير الصناعات، وحماية البيئة من التلوث.

يأتي ذلك في وقت حذرت فيه الوكالة الدولية للطاقة في بيان أصدرته الشهر الماضي، من تخلف دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن أجزاء أخرى من العالم، في التوسع في إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، والتخلص التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري.
ورفعت جمعية تنمية الطاقة المستدامة "سيدا" مذكرة لوزير الكهرباء والطاقة الجديدة المصري، محمد شاكر، طالبت فيه بضرورة العمل على سرعة إلغاء الرسوم الجمركية الجديدة، التي أقرها البرلمان وأدت إلى زيادة في قيمة الضريبة على المبيعات، والتكلفة الكلية للمحطات، بما لا يقل عن 10% وتهدد عشرات الشركات بالتوقف عن العمل.
وعدَدَ المستثمرون المشاكل التي تعاني منها الصناعة، بداية من التعقيدات الإدارية، للحصول على تراخيص ممارسة النشاط، وعدم إتاحة الوثائق التعاقدية للمشاريع، مع صعوبة الحصول على تمويل من البنوك التي تعتبر نشاطهم عالي المخاطر، وغياب التنسيق بين هيئات الكهرباء المشرفة على مراحل التصنيع، وإنتاج الطاقة، بما يهدر حقوق المستثمرين في الحصول على حق الإنتاج وسداد تكاليف الشراء.
وتستهدف خطة الدولة في استراتيجيتها المعلنة عقب صدور القانون رقم 87 لسنة 2015، إنتاج نحو 20% من قدرات الشبكة الكهربائية الموحدة، بحلول عام 2022، من الطاقة المتجددة، وبخاصة الشمسية، بما يوازي 12 ألف ميغا واط من إجمالي 60 ألف ميغا واط إجمالي القدرات المركبة حاليا، وهو ما لم يحدث على الإطلاق، حيث لم يتجاوز المنفذ منها حاليا سوى 6128 ميغا واط، وفقا لتصريحات وزير الكهرباء وتقرير الأداء السنوي للشركة القابضة لكهرباء مصر.

زيادة المكون المحلي
وسبق أن تلقت صناعة الطاقة الجديدة ضربات عقب إعلان الحكومة "استراتيجية الطاقة المتكاملة" عام 2015، عندما حددت الدور المحوري لها بضرورة قيام الطاقة المتجددة، بزيادة المكون المحلي من المحطات الشمسية، إلى 50% و30% لمحطات الرياح، لإنتاج 20% من احتياجات البلاد من الطاقة بحلول العام الحالي، ترتفع إلى 42% عام 2035.
ورغم أن القانون سمح للشركات بالتنافس فيما بينها على إنتاج الكهرباء وبيعها للجمهور، عبر خطوط الشركة العامة لنقل الكهرباء، بما يساهم في خفض تكاليف الطاقة ونظافة البيئة بنحو 9 مليارات دولار في المتوسط سنويا، إلا أن عدم وجود إغراء في سعر بيع الكهرباء أمام 220 شركة حصلت على ترخيص بالعمل، من هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، أوقف دخول المزيد من المستثمرين في نشاط الطاقة الشمسية.

جاء ذلك على خلاف ما شهدته الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا، وأميركا اللاتينية والولايات المتحدة، وألمانيا والدول الأفريقية جنوب الصحراء من تطور كبير في هذا المجال، خلال السنوات الخمس الماضية، بسبب التسهيلات الهائلة التي تمنحها حكومات هذه الدول لبناء لمشروعا الطاقة الجديدة وخاصة التمويل وتصنيع المعدات وبيع الطاقة.
فقد فاجأت الحكومة الشركات بإلغاء الإعفاءات الجمركية، ورفعها إلى 10% مؤخرا، مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة على المعدات، بما جعلها تتحمل مصروفات إضافية تتراوح قيمتها ما بين 5% إلى 14% كضريبة مشتريات.
وشهد السوق تحولا غريبا، حيث طلبت الحكومة من المستثمرين عدم بيع الطاقة للغير، إلا بموافقة شركة نقل الكهرباء الحكومية، التي تقاعست عن دفع قيمة الشراء مقدما، أو السماح للبيع لطرف ثالث، بسبب عدم اكتمال المنظومة الإدارية للتعامل مع محطات الكهرباء الخاصة.
واكب ذلك فرض أسعار للشراء من محطات الطاقة الجديدة، وفقا لشرائح والكميات المولدة منها، تتراوح ما بين 85 قرشا للمنتج من الشركات الكبرى و102 قرش للكيلو واط من المحطات الصغيرة.
زاد الأمر سوءًا، مع خسارة الجنيه المصري 50% من قيمته أمام الدولار، عام 2016 بعد تطبيق سياسة تعويم العملة المحلية، بما رفع تكلفة إنتاج المحطات إلى ما يزيد عن 32% وهي متوسط نسبة التضخم التي عمت مصر، في فترات سابقة أعقبت تعويم العملة المحلية، وتسببت في خروج أكثر من 100 شركة من سوق الإنتاج دفعة واحدة، خلال أسابيع.

ويبلغ سعر الدولار حاليا نحو 15.7 جنيهاً.
وتعمل نحو 100 شركة حاليا، من بين 220 شركة تأسست عام 2015، وتحولت أغلبها إلى استيراد معدات الطاقة الشمسية لمشروعات صغيرة ومتناهية الصغر، كالمنازل والمزارع البعيدة عن شبكات توزيع الكهرباء، بينما ظلت 10 شركات منها تقود تطوير الصناعة، وهم الأعضاء النشطاء في تجمع "سيدا"، الذين يخشون لقاء مصير أقرانهم.

مخاوف من الركود ومشكلة الاسعار
يبدي خبراء في الطاقة مخاوفهم من ركود مشروعات الطاقة الجديدة، في المرحلة المقبلة، مع وجود زيادة في قدرات التوليد من المحطات الغازية والحرارية، تصل قدراتها إلى نحو 25 ألف ميغا واط، وعدم إمكانية تصريف هذه الكميات عبر تصديرها للخارج، وإصرار الحكومة على عدم رفع أسعار الشراء المقررة منذ عام 2015.

ورغم قرار الحكومة بإلغاء دعم أسعار الطاقة نهائيا على مراحل، تنتهي خلال عام، ليصبح متوسط البيع من 135 قرشا للكيلو واط إلى 145 قرشا للجمهور في المنازل والمحال التجارية وغيرها، وللبيع على الجهد الفائق لمصانع الحديد والإسمنت والألومنيوم، ومستخدمي الطاقة بكثافة من 71 قرشا إلى 115 قرشا للكيلو واط، وللمشترين على الجهد المتوسط سواء كانت صناعية أو زراعية أو سياحة، من 77 قرشا إلى 110 قروش، بينما يصل متوسط تكلفة الإنتاج في محطات الطاقة الخاصة إلى 140 قرشا، وتضطر إلى البيع للدولة بسعر جنيه واحد للكيلو واط في المتوسط (الجنيه = 100 قرش).
ولم تكن أسعار تعرفة الكهرباء مغرية، لذلك توقف بعض المستثمرين عن تنفيذ مشروعات جديدة إلا الشركات التي تستهلك كل إنتاجها من الطاقة، لمشروعاتها الذاتية، البعيدة عن شبكات الكهرباء الحكومية. وتقوم أخرى باستكمال تنفيذ مشروعات متفق عليها منذ سنوات، تبلغ قدراتها نحو 3500 ميغا واط، لتصل القدرة الاجمالية لمشروعات الطاقة الجديدة، عام 2023، إلى نحو 10 آلاف ميغا واط.
وتشير دراسة أعدها الرئيسان السابقان لهيئة الطاقة الجديدة، محمد السبكي وأنهار حجازي، تحت عنوان "أفاق الطاقة الجديدة في مصر" إلى أن الدولة يمكنها إنتاج نحو 53% من الكهرباء التي تحتاجها، من مصادر الطاقة المتجددة، بحلول عام 2030، أي أكثر من 30 ألف ميغا واط، في حالة اعتماد السياسات المناسبة، منها تبسيط إجراءات التأسيس أمام المستثمرين، وإلزام البنوك بتمويل مشروعاتها، ووقف تعاملهم مع صناعاتها على أنها مشروعات عالية المخاطر، ووصول شبكات النقل لهذه المحطات.
وتشير الدراسة إلى ضرورة ضمان نقل إنتاج المحطات الخاصة بسهولة إلى الشبكة الموحدة، وحرية البيع لطرف ثالث، ورفع أسعار الشراء لتكون التعرفة مغرية أمام المستثمرين، مع توفير أجهزة القياس (العدادات) التي تسمح بشراء وبيع الكهرباء من صغار المنتجين، بما يسمح بالتوسع في بناء محطات شمسية في المنازل والمدن الجديدة.

وتعتبر مؤسسة "أبيكورب" المالية، في تقرير صدر مؤخرا، حول "الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، أن هذه المشروعات يمكنها أن تجذب استثمارات بنحو 100 مليار دولار وبما يضيف نحو 57 ألف ميغا واط، لدول المنطقة إذا حسنت الشروط والظروف اللازمة لتشجيع الشركات والمستثمرين.

الطاقة المتجدّدة مهدّدة بالفشل السريع
ويؤكد تقرير للأمم المتحدة صدر نهاية العام الماضي، أن الطاقة الشمسية استثمار ذكي، ويعتبر الأرخص سعرا بفضل التكنولوجيا التي ساهمت في خفض تكاليفها بنسبة 83% خلال السنوات العشر الأخيرة، مع ذلك هناك اتهام بعدم توظيف تلك المميزات في السوق المصري حتى الآن.
فقد بين نائب رئيس هيئة الطاقة النووية السابق، على عبد النبي، أن مشروعات الطاقة الشمسية الكبيرة في مصر تواجه فشلا ذريعا. وأكد أن مشروع "بنبان" لإنتاج الطاقة الشمسية غرب أسوان جنوب البلاد، الذي تبلغ قدرته 2000 ميغا واط، بتمويل من البنك الدولي وشركات عربية، سيكون مصيره إلى الفشل.

وأرجع عبد النبي ذلك إلى السياسة الخاطئة التي اتبعت الحكومة في تنفيذ المشروع، حيث يستعمل الخلايا الكهروضوئية، التي لا تتحمل درجات حرارة فوق 30 درجة مئوية، بينما يزيد متوسط درجات الحرارة بالمنطقة عن 40 درجة مئوية على مدار العام.
وأوضح أن ذلك سيقلل من العمر الافتراضي للمحطة، وسيصبح غير ذي جدوى اقتصاديا، مفسرا ذلك٬ بأنه كان الأولى أن تنفذ الحكومة هذه المشروع في المناطق الشمالية للبلاد.
تعد الحكومة مشروع "بنبان" أيقونة مشروعات الطاقة الجديدة في مصر والذي أهلها لاحتلال المرتبة الثالثة عربيا بعد الإمارات والسعودية، في الطاقة الشمسية، ومع ذلك يظهر في الوقت ذاته، مدى التخبط الذي يحيط بتلك المشروعات، والتي مازالت تفتقر إلى البنية الأساسية لربط محطات الطاقة بالشبكة الموحدة، والدول العربية، وتخمة المعروض من مصادر الطاقة التقليدية المولدة من الغاز الطبيعي والبترول.

المساهمون