جائحة كورونا تهدد التوافق التجاري الهش بين واشنطن وبكين

18 مايو 2020
ترامب في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض (Getty)
+ الخط -


ترفع جائحة "كوفيد 19" من حرارة التوتر التجاري بين بكين وواشنطن، إذ إنها أضافت أبعاداً جديدة للتنافس على بناء "النظام العالمي الجديد"، الذي ظل الموضوع الأخطر في تشكيل مستقبل العلاقات الاقتصادية والتجارية والتقنية بين العملاقين. 

وتطالب واشنطن الصين بإجراء تحقيق شفاف يشارك فيه خبراء دوليون حول المسؤولية عن جائحة "كوفيد 19" وتداعياتها العالمية الخطيرة على الصحة والاقتصاد والتجارة التي كبدت العالم خسائر بلغت ترليونات الدولارات خلال الأشهر الأولى من العام الجاري. من جانبها، ترفض الصين التهم الموجهة إليها من قبل واشنطن وحلفائها في أوروبا.

ويربط الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين الرفض الصيني لتحمل المسؤولية، وبين ضرورة معاقبتها تجارياً ومالياً وتعليق المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري الذي وقع بين البلدين في يناير/ كانون الثاني الماضي، كما يدعو لتغريم الصين مبالغ مالية كبيرة بسبب مسؤوليتها عن تفشي الجائحة.

ويرى مسؤولون أميركيون أن الصين أعاقت منظمة الصحة العالمية وخدعت العالم عبر تأجيل الإعلان عن الخطر في الوقت المحدد، فيما تمكنت هي من تخزين الأدوية اللازمة. وهو ما ذكره تقرير المخابرات المركزية الأميركية واستند إليه السيناتور ليندسي غراهام في دعوته الأخيرة لفرض عقوبات على الصين. وما يزيد من تعقيد النزاع بين أميركا والصين، مطالبة واشنطن كذلك بقبول تايوان عضواً في منظمة الصحة العالمية بصفة مراقب، وهو ما يغضب بكين.

وتسعى واشنطن بالتنسيق مع حلفائها الغربيين لعزل بكين، التي يرون أنها أضرت كثيراً باقتصاداتهم وتوسعت تجارياً على حساب شركاتهم وسرقت الملكية الفكرية لمخترعاتهم وزادت من البطالة في بلدانهم بسبب ما تصدره من بضائع رخيصة.

في هذا الشأن، يدرس مسؤولون ومشرعون أميركيون خططاً لإغراء الشركات الأميركية بتصفية أعمالها ومصانعها في الصين وتحويل خطوط إمداداتها إلى داخل الولايات المتحدة، أو إلى خارج الصين، وفقاً لشبكة "فوكس بيزنس".

ومن بين الإغراءات التي وضعت تحت الدراسة منح الشركات والأعمال التجارية المستوطنة في الصين حوافز مالية وإعفاءات ضريبية. كما تدرس واشنطن إنشاء صندوق مالي بقيمة 25 مليار دولار لتشجيع الشركات الأميركية ومساعدتها على مغادرة الأراضي الصينية.

ويوم الخميس الماضي وقع ترامب على مرسوم رئاسي يمنح وكالة الاستثمارات الخارجية الأميركية سلطات جديدة لمساعدة الشركات المصنعة في الولايات المتحدة، وإنتاج كل ما تحتاجه البلاد داخلها، وتصديره منها وليس من خارجها، مشدداً على أن الهدف هو إنتاج كل ما تحتاجه الولايات المتحدة ثم تصديره للخارج.

وفي أول التصريحات التصعيدية، هدد ترامب بتعليق المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري والعودة إلى فرض رسوم باهظة على البضائع الصينية إذا لم تسمح الصين لخبراء أجانب بالمشاركة في التحقيق حول أصول "وباء كوفيد 19". وحتى الآن تبدو تهديدات ترامب خطابية فقط، أي عبر التصريحات، ولكن هنالك مخاطر من تطورها لنزاع جديد في ظل الظروف الاقتصادية والتجارية الحرجة التي يعيشها العالم حالياً.

في هذا الصدد، يرى رئيس أبحاث قسم التجارة الخارجية بمصرف "آي أن جي" الهولندي، راؤول ريلنغ، أن "ترامب يستخدم في الوقت الراهن الضغط على بكين عبر التصريحات، ولكن مخاطر اتخاذ إجراءات فعلية تزداد". ولم يستبعد ريلنغ عودة الحرب التجارية بين البلدين.

ومن الناحية الفنية، تزيد جائحة "كوفيد 19" من تعقيدات المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين البلدين، بسبب ما طرأ من متغيرات على الاقتصاد الصيني، إذ إن الجائحة أدت إلى كساد اقتصادي جعل الصين تطالب بإعادة التفاوض بشأن بنود الاتفاق الخاصة برفع الواردات الأميركية إلى 200 مليار دولار، إذ إنها لا تستطيع فعل ذلك وسط ظروف تداعيات الفيروس على النشاط الاقتصادي.

وكان الرئيس ترامب قد هدد الصين في الأسبوع الماضي قائلاً إنه سيلغي المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري إذا لم ترفع الصين وارداتها من السلع الأميركية إلى 200 مليار دولار بنهاية العام 2021.

ويرى ريلنغ أن جائحة "كوفيد 19" ربما لن تسمح بتنفيذ الاتفاق، وأن الحل ربما يكمن في تأجيل الموعد النهائي لتطبيق بنود المرحلة الأولى إلى ما بعد العام 2021، أو خفض قيمة الواردات الصينية من حجمها الحالي البالغ 200 مليار دولار إلى مبلغ أقل يتناسب مع ظروف الانكماش الاقتصادي الذي تعاني منه الصين.

ويطمع ترامب في استغلال الاتفاق جزئياً لحل أزمة شركات النفط الصخري عبر تصدير مليون برميل يومياً للصين وإرضاء المزارعين عبر زيادة صادراتهم للصين، ولكن يبدو أن بكين تسعى للتملص من الاتفاق، حيث ترى أن الاتفاق التجاري لا يخدم مصالحها، وترغب في إعادة التفاوض بشأن بنوده، كما تقول كذلك إن الوقت غير مناسب لإجراء تحقيق أممي، وأن اقتراح عضوية تايوان في منظمة الصحة العالمية بمثابة تقويض للسيادة الصينية.

في هذا الشأن، قالت وزارة الخارجية الصينية، الاثنين، حسب وكالة رويترز، إن من السابق لأوانه الشروع في إجراء تحقيق بشأن أصول وانتشار فيروس كورونا، كما قال وزير التجارة الصيني، تشونغ شان، إن الطلب العالمي تراجع بشكل كبير وإن التجارة تواجه تحديات غير مسبوقة. وأضاف تشونغ شان، في مؤتمر صحافي في بكين، أن الشركات تمر بوقت عصيب، وأن الصين تواجه تحديات غير مسبوقة في التجارة الخارجية هذا العام.