أثار العجز المتوقع لموازنة الولايات المتحدة، مخاوف المؤسسات المالية الأميركية، من وصول الدين الحكومي إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ الأميركي، ما يلقي بظلال سلبية على أكبر اقتصاد في العالم خلال الفترة المقبلة.
وبينما يتفاخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتحقيق أفضل أداء للاقتصاد في تاريخ الولايات المتحدة منذ توليه الرئاسة قبل نحو ثلاث سنوات، وترويجه لذلك في حملته الانتخابية لتولي فترة رئاسية ثانية، توقع مكتب الموازنة التابع للكونغرس، قبل أيام، أن يتجاوز عجز الموازنة، تريليون دولار للمرة الأولى منذ عام 2012.
وحمّل مكتب الموازنة زيادة الإنفاق الحكومي، وإلغاء بعض أنواع الضرائب، مسؤولية زيادة عجز الموازنة الحالية، التي تنقضي بنهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، والتي جاء فيها أن الحكومة الأميركية سيتعين عليها اقتراض 22 في المائة من إجمالي نفقاتها، المقدرة بنحو 4.6 تريليونات دولار هذا العام.
وفي حين يعتبر أغلب الاقتصاديين أن نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي المطمئنة تدور في حدود 3 في المائة، يظهر التقرير الأخير، أن متوسط العجز سيصل إلى 4.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد القادم.
وعلى حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، عبّر بول ميتشل، العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية ميشيغان، عن قلقه الشديد من ارتفاع العجز إلى تريليون دولار، واصفاً إياه بـ"الجنون المالي"، مؤكداً أنه وضع "غير مقبول".
ويتعين على الولايات المتحدة إجراء "تغييرات في السياسة المالية للحد من تفاقم العجز، إذ إن هذا الوضع غير قابل للاستمرار"، وفق ما أكده مكتب الموازنة، مشيرا إلى أن السبب الرئيسي وراء ارتفاع عجز الموازنة يرجع إلى "قانون الإعفاءات الضريبية الذي أقره الكونغرس أواخر عام 2017، والذي فشل في تمويل نفسه، كما وعدت الإدارة الأميركية، ممثلة في وزير الخزانة ستيفن منوشين، رغم النمو الاقتصادي وزيادة إيرادات الشركات.
ورأى المركز أن العجز الأميركي كان يمكن أن يكون أكبر بكثير، "لولا مستويات معدل الفائدة المنخفضة الحالية، التي تعد من أقل مستوياتها التاريخية.
وكان بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) قد أعلن، الأربعاء الماضي، الإبقاء على معدلات الفائدة على أمواله عند مستوياتها الحالية، في نطاق بين 1.50 في المائة و1.75 في المائة، وتأكيد رئيسه جيرومي باول عدم توجه البنك لرفعها قبل حدوث "ارتفاع واضح ومستمر في معدل التضخم"، وهو ما اعتبره أغلب المحللين دليلاً جديداً على عدم رفع معدلات الفائدة العام الحالي.
ويتخوف مكتب الموازنة من أن يؤدي العجز المتزايد إلى ارتفاع الدين العام، وما يسببه من زيادة في العائد على سندات الخزانة الأميركية، ما يتسبب في طرد استثمارات القطاع الخاص، وربما يؤدي إلى حدوث أزمة ديون، على غرار ما حدث في القارة الأوروبية قبل أعوام.
وسبق أن وصل العجز إلى حاجز التريليون دولار خلال أربع سنوات متتالية في الفترة بين 2009 و2012، وقت حكم الرئيس السابق باراك أوباما، في أعقاب الأزمة المالية العالمية، حين تدخلت الحكومة لزيادة الإنفاق من أجل شراء المؤسسات المالية الكبرى التي أفلست أو كادت، كما قدم بنك الاحتياط الفيدرالي، مليارات الدولارات من القروض للعديد من المؤسسات، واتباع سياسات تحفيزية. لكن أوباما نجح في تخفيض العجز قبل انتهاء فترة ولايته الأولى آخر 2012.
وعودة العجز مرة أخرى لتجاوز التريليون دولار، تلقي وفق الكثير من المحللين، بالشك حول نجاح السياسات الاقتصادية الحالية لترامب، وحقيقة الإنجاز الذي تم تحقيقه.
وسبق أن توقع مكتب الموازنة في تقرير له في يناير/كانون الثاني الماضي، أن يصل الدين الأميركي إلى 29 تريليون دولار في عام 2029، بينما بلغ في الربع الأول من السنة المالية التي بدأت في أول أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نحو 23 تريليون دولار، بنسبة 107 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أعلى نسبة تشهدها البلاد خلال العقود السبعة الأخيرة.