ركود عقاري في سورية... شكاوى من انهيار الليرة وتراجع السيولة

15 فبراير 2020
الخسائر تتراكم على صغار المستثمرين (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
يحاول أبو يمان العلي بيع منزله في منطقة جرمانا، إحدى الضواحي الشرقية للعاصمة السورية دمشق منذ عدة أشهر، بسبب حاجته للسيولة، إلا أنه إلى اليوم لم يتلق أيا من العروض التي كان يحصل عليها قبل عام ونيف. 

كان العلي يتلقى عروضاً لبيع منزله بـ22 مليون ليرة سورية بما يوازي 48 ألف دولار حين كان سعر صرف الدولار نحو 450 ليرة سورية. إلا أنه اليوم يعرضه للبيع بـ 17 مليون ليرة أي 17 ألف دولار حيث أصبح سعر الدولار ألف ليرة سورية، ولا يجد من يشتريه.

ويعتبر العلي في حديث مع "العربي الجديد" أنه تعرض لأكبر خسارة في حياته، فمع بداية الحرب وضع كل ما يملك لشراء منزله، كي يحافظ على قيمة ماله. وكان سعره حينها خمسة ملايين ليرة أي ما يوازي 100 ألف دولار، عندما كان سعر صرف الدولار الواحد نحو 50 ليرة سورية.

أما رامي الباشا، يعمل في التجارة ويقيم في دمشق، فيقول لـ "العربي الجديد" إنه "على الرغم من انخفاض أسعار المنازل، إلا أن تأمين سيولة مالية لشراء منزل أمر صعب جداً هذه الأيام"، موضحاً في حديثه أنه "يبحث عن منزل بسعر مقبول لكن جزءاً من ثمنه سيكون عبارة عن سيارة يمتلكها وسيقوم ببيعها".

ويلفت إلى أن الكثير ممن يعرفهم يقومون بالشراء عبر نظام المقايضة "فتجد أنهم يشترون منزلاً في مقابل قطعة أرض أو سيارة أو حتى شقة سكنية أصغر إلى جانب مبلغ مالي، وهذا ينطبق على شراء سيارة أو قطعة أرض، فنادرا أن تجد اليوم مواطناً يدفع كامل المبلغ نقدا".

ويلفت إلى أنه "وجد العديد من المنازل المعروضة للبيع، إلا أنه غالبا ما يطلب أصحابها سعراً يزيد عما هو رائج في السوق، ومنهم من يقول إنه تلقى عروضاً بمبالغ أكبر بكثير قبل نحو العام، ولكن الوضع تبدل اليوم".

من جهته، يشرح تاجر العقارات أبو محمد الشيخ، ولديه مكتب وساطة عقارية في إحدى ضواحي دمشق، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أن "الطلب على العقارات من شقق سكنية أو محال تراجع بنسبة كبيرة خلال العام الماضي، وغالبا لا يأتينا أحد ليضع عقارا للبيع أو سيارة إلا إذا كان في حاجة إلى سيولة مادية، بداعي سفره هو أو أبنائه، أو حتى لتأمين الحاجات المعيشية".

ويضيف: "منهم من يقبل بالبيع بأقل مما اشتراه، وهذا ما يعبر عنه في السوق بالصيد الثمين، وما أكثره هذه الأيام، فقبل أيام باع رجل يستعد للسفر، شقته السكنية كما اشتراها قبل الكساء (اكتمال بنائها)، مع أنه دفع على كسائها ما يقارب سعرها على الهيكل".

ويرى سمير.ع، خبير عقارات في دمشق، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب خاصة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه منذ زمن طويل كان العقار الاستثمار الأكثر جذبا للسوريين، وهناك كتلة مالية كبيرة تم وضعها في العقارات.

ويلفت إلى أنه "هناك في دمشق أكثر من 300 ألف شقة سكنية خالية منها على العظم ومنها مكسو، وازداد التوجه خلال الأزمة إلى العقارات في المناطق الآمنة، فارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وأصبح هناك عقارات تباع بأضعاف سعرها الحقيقي".

ويتابع "أما اليوم وعقب انهيار سعر صرف الليرة السورية، وبالتالي التدهور الاقتصادي في مختلف القطاعات، فقد أصبح هناك ركود عقاري، من جراء التضخم الكبير في أسعار العقارات، في حين لم يعد أكثر من 80% من السوريين قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية، ليفكروا في شراء منزل، ترافق ذلك مع سياسات إقراض معقدة وبفوائد مرتفعة، لا يمكن لأصحاب الدخل المحدود تغطيتها أو تأمين الضمانات المالية المطلوبة، ما تسبب بشلل السوق العقارية".

ويشرح أنه "حتى المغتربون يحجمون اليوم عن الاستثمار بالعقارات، فالأسعار تزيد كثيراً عن القدرة الشرائية لليرة، في حين أن الإيجارات غير متناسبة وحتى من يفكر في الإكساء والبيع لا يجد مشترين".

ويبين أن "الركود اليوم يتسبب بخسائر كبيرة لصغار المستثمرين في سوق العقارات، أو الأشخاص العاديين، حيث يضطرون للبيع بسبب نقص السيولة، بأقل من سعر التكلفة".

ويقترح خبير العقارات اتخاذ إجراءات لتحريك سوق العقارات، "منها توزيع أراض بشكل مجاني لصالح بناء وحدات سكنية خاصة لذوي الدخل المحدود، تمول عبر البنوك وليكن السداد على المدى الطويل، ما يضمن حلاً لأزمة السكن للشريحة الأوسع من السوريين، مع منع عمليات البيع حتى سداد القرض. إضافة إلى خلق فرص استثمارية آمنة تجذب المستثمرين أو المدخرين في السوق العقارية، لاستثمار أموالهم في قطاعات أخرى".
المساهمون