ارتفعت أسعار السيارات المستعملة داخل المناطق التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد في سورية، خلال العام الجاري بنحو 15% لأسباب يلخصها مختصون بقلة العرض وزيادة الطلب، موضحين خلال تصريحات لـ “العربي الجديد" أن استمرار التضييق على استيراد السيارات الحديثة منذ ثماني سنوات، ومنع استيراد السيارات المستعملة، حوّل اقتناء السيارة حلماً، بعدما وصل سعر السيارة القديمة إلى نحو 10 ملايين ليرة سورية (16.4 ألف دولار)، في حين لا يزيد متوسط دخل السوري عن 40 ألف ليرة (65.6 دولاراً) شهرياً.
يكشف تاجر السيارات راشد السروجي من دمشق، أن حركة المبيع والشراء تراجعت هذا العام، بسبب ارتفاع الأسعار لكن ذلك لم يؤد إلى خفض السعر على المواطنين، لأن عدد السيارات بات محدوداً، بعد احتراق وتحطّم آلاف السيارات نتيجة الحرب، وبالمقابل لم يتم استيراد ما يعوّض النقص في الأسواق، سوى ما تطرحه شركات تجميع السيارات.
وحول متوسط سعر السيارة، يقول السروجي خلال اتصال مع "العربي الجديد": "لا يقل سعر سيارة عمرها عشر سنوات وما فوق، عن 8 ملايين ليرة سورية (الدولار 610 ليرات). لديّ الآن بمعرضي سيارة كيا سيراتو موديل 2009 بسعر 9.7 ملايين ليرة، وأخرى كيا سبورتاج موديل 2009 بسعر 15.8 مليون ليرة ، وثالثة بيجو موديل 2005 بسعر 9 ملايين ليرة. أما الألمانية وحتى اليابانية، فلا يقل سعر السيارة المستعملة منها في السوق عن 20 مليوناً". ويلفت إلى أن معرضه الذي كان يحوي عشرات السيارات، لا يوجد فيه اليوم سوى ثلاث سيارات.
وعن العمولة التي يتقاضاها، يقول الوسيط من منطقة الحجر الأسود في دمشق، أنه "بعد كتابة العقد آخذ نسبة 1% من قيمة السيارة من البائع ومثلها من المشتري"، مشيراً إلى أن عدد السيارات التي تباع بدمشق وريفها هذه الفترة، لا يزيد عن 200 سيارة يومياً، في حين كان يفوق الألف سيارة قبل الحرب ونحو 400 سيارة عام 2014.
بالمقابل، يكشف مصدر لـ "العربي الجديد" انتشار الغش بأنواعه في أسواق السيارات المستعملة بدمشق، أهمها "اللعب بالعداد، فالسيارة التي تعود سنة صنعها إلى عشرة أعوام، لا يزيد كيلومتراجها (المسافة التي سارت بها) عن 100 ألف كلم، وهذا أمر غير منطقي". كما يتم وضع "أكياس نايلون" على مقاعد السيارات بعد دهنها، لإيهام الزبائن بأنها جديدة.
ويؤكد المصدر أن كلمة "حلال" بدأت تنتشر في أسواق السيارات المستعملة بدمشق كما أسواق اللحوم، "وهي عبارة يضعها صاحب المعرض على السيارات ليؤكد أنه لم يتم التلاعب بعدّادها، وخاصة تلك التي تستقدمها حكومة الأسد من المناطق الحرة".
منع الاستيراد ورفع الرسوم
ورغم ارتفاع الأسعار وقلة عدد السيارات في سورية نتيجة خروج معظمها عن الخدمة بسبب الحرب، "يستمر قرار منع استيراد السيارات الجديدة منذ عام 2011، لأسباب تتعلق بندرة السيولة بالدولار في السوق، وفق تبريرات حكومة بشار الأسد، إلا أن هذا القرار لا ينطبق على ثلاثة تجار مقربين من النظام"، كما تقول مصادر من دمشق لـ “العربي الجديد".
وتضيف المصادر أن الخطة المعلنة هي "تشجيع الصناعة المحلية" إذ تم الترخيص لثمانية مصانع تجميع سيارات في البلاد، ثلاثة منها متوقفة، تطرح جميعها أقل من 1400سيارة سنوياً. والصناعة في سورية كما تقول المصادر، خدعة، لأن أصحاب المصانع يستوردون السيارة شبه كاملة ينقصها قطع بسيطة كالإطارات والأضواء يتم تركيبها في سورية، والمصانع تحوي على ثلاثة خطوط إنتاج فقط، لحام وتركيب ودهان".
ويرى الاقتصادي السوري حسين جميل، أن رفع الرسوم الجمركية والضرائب، على بعض شركات تجميع السيارات، وتحديداً التي تحوي صالة واحدة فقط، زاد من ارتفاع الأسعار، بل وتوقفت ثلاثة مصانع عن العمل، بعدما استوردت بعض المستلزمات عام 2017.
ويضيف جميل لـ "العربي الجديد" أن الرسوم الجمركية على السيارات الحديثة، تتراوح بين 180% و230% من سعر السيارة، وذلك على حسب الطراز وسعة المحرك، وهو ما يزيد من أسعار السيارات ويعتبر من الأسباب المهمة لخسائر الوكلاء الذين توقفوا عن الاستيراد، بعد أن كانوا يستوردون سنوياً نحو 90 ألف سيارة إلى البلاد.
ويلفت الاقتصادي السوري، إلى أنه رغم أن بعض المصارف السورية عاودت منح قروض تمويل شراء السيارات، إلا أن السوريين لم يقبلوا على تلك القروض، نظراً لارتفاع سعر الفائدة التي تصل لنحو 22%، وهكذا تتعدى قيمة الفائدة مجمل قيمة القرض الممنوح.
وكان رئيس النظام بشار الأسد، قد أصدر العام الماضي المرسوم التشريعي رقم 14 الذي رفع خلاله الرسوم الجمركية على استيراد السيارات، من 30% إلى 40% ورفع الرسوم الجمركية على شركات تجميع السيارات من 5 إلى 30 بالمئة، للشركات التي تملك صالة تجميع واحدة، والتي تشمل السيارات الصينية والكورية التي يتم تجميعها في سورية.
وبقيت شركة "سيامكو" السورية الإيرانية التي عادت لتجميع السيارات العام الماضي بعد توقف لنحو خمس سنوات، الوحيدة من بين الشركات العاملة حالياً، وتملك 3 صالات للتجميع وقد بقيت رسوم مستورداتها 5% فقط وفق المرسوم، ما يطيح بمبدأ المنافسة لصالح هذه الشركة.
انتعاش التهريب
ويتساءل مدير مصلحة النقل السابق بإدلب محروس الخطيب: "كيف نرى سيارات بشوارع دمشق موديل 2018 والاستيراد شبه متوقف منذ عام 2011؟". ويضيف: "كلمة السر تتعلق بالتهريب والذي يتم عبر طرق عدة، منها مقونن باعتبار أن تلك السيارات تم تجميعها في سورية، وهي بالحقيقة جاءت كاملة، ربما لا ينقصها سوى بعض الإكسسوار، أو تأتي السيارات من دول الجوار، لبنان خاصة، ويتم استبدال اللوحات وتزوير رقم المحرك والشاسيه داخل سورية، لتأخذ أرقام سيارة قديمة أو محطمة من جراء الحرب، ويتم تسجيلها بمديرية المرور، حتى دون رؤيتها والكشف عليها".
ويلفت الخطيب لـ "العربي الجديد" إلى أن ثمة عمليات تهريب من المناطق المحررة إلى مناطق النظام، وبالطريقة ذاتها عبر وضع أرقام سيارات قديمة أو مدمرة جراء الحرب على السيارات المهربة.
وهو ما يؤكده تاجر السيارات في محافظة ادلب، محمود الصياد بقوله "يتم بيع لوحة وأوراق السيارات القديمة أو المدمرة، ويتم نقل الأرقام إلى السيارات الجديدة التي تدخل عبر المناطق المحررة وبعلم الحواجز الأمنية التي تتلقى رشى على ذلك".
ويتابع أن سعر السيارة في المناطق المحررة أقل بنحو 40% من سعرها في مناطق النظام، وهذا الفارق ينشّط حركة التهريب رغم ما تأخذه حواجز نظام الأسد من رشى.