رغم أن السعودية أنفقت 67.6 مليار دولار على شراء الأسلحة في العام الماضي 2018، حسب تقرير معهد استوكهولم للسلام الدولي في السويد، إلا أن هذه الترسانة الضخمة من الأسلحة والرادارات وأنظمة الإنذار المبكر لم تستطع أن تصد هجمات الحوثيين المتواصلة ضد منشآت المملكة النفطية، والتي كان آخرها الهجوم الإرهابي الكبير الذي وقع يوم السبت الماضي وتسبب في تعطيل أكثر من 50% من إنتاج السعودية النفطي وبما يعادل 5.7 ملايين برميل يومياً، بشهادة وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان.
وعلى الرغم من أن السعودية أصبحت أكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال الفترة من 2014-2018، وزادت مشترياتها من الأسلحة بنسبة 192 بالمائة مقارنة بالفترة من 2009-2013، إلا أنها لم تستطع حماية قلب صناعتها النفطية، منشأتي أبقيق وخريص التابعتين لشركة أرامكو، واللتين تعرضتا لهجوم إرهابي شامل من قبل الحوثيين في بداية الأسبوع أدى إلى حدوث شلل في الإنتاج النفطي للمملكة وتوقف النشاط لفترة قد تمتد لشهور، وهو ما يكبد المملكة خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
ولم تفلح صفقات السلاح الضخمة التي أبرمتها الحكومة السعودية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عام 2017 أثناء زيارته الرياض، ضمن صفقات أخرى اقتربت قيمتها من 500 مليار دولار، في وقف استهداف الحوثيين المستمر لمواقع إنتاج النفط وموانئ تصدير الخام السعودي. ولم يفلح كذلك الاستعانة بالأسطول الأميركي في توفير الحماية للقطاع.
وفي الوقت الذي كانت فيه الحكومة السعودية تواصل قتل أطفال اليمن بلا رحمة، وتعمل على تجويع الشعب اليمني وحصاره وتقسيم بلده إلى دولتين، كانت طائرات الحوثيين السيارة تسير بشكل آمن في الأجواء السعودية ولمسافات طويلة تصل إلى مئات الكيلومترات وتضرب بكل أريحية في عمق شركة أرامكو التي تعد أكبر شركة لإنتاج النفط في العالم والبيضة التي تبيض ذهبا للمملكة، حيث بلغت أرباحها الصافية 111 مليار دولار في عام 2018، أي ما يعادل أرباح شركات آبل وغوغل وإكسون موبيل الأميركية مجتمعة.
وفي الوقت الذي انشغلت فيه الحكومة السعودية بخطة طرح حصة من أسهم شركة أرامكو للبيع في الأسواق المحلية والعالمية وإجبار كبار رجال الأعمال السعوديين على الاكتتاب في أكبر طرح من نوعه في العالم، كانت الاستثمارات تهرب من المملكة بسبب زيادة المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، سواء التي خلفتها هجمات الحوثيين المتواصلة على المنشآت النفطية، وقبلها على الحدود والمطارات وشركات الكهرباء والبنية التحتية السعودية، أو التي تسببت فيها عمليات استهداف شاحنات وسفن وموانئ نفطية في مياه الخليج من قبل أطراف لم تكشف عن نفسها بعد، أو بسبب تداعيات الحرب المفتوحة بين إدارة ترامب والحكومة الإيرانية وما صاحبها من فرض عقوبات أميركية علي النفط الإيراني ومنع أي دولة من استيراده.
الواقع يقول إن السعودية فشلت في حماية قطاعها النفطي، رغم صفقات السلاح الضخمة التي أبرمتها المملكة خلال السنوات الماضية، وأن هذا الواقع يمثل كابوسا لصانع القرار بالمملكة، خاصة أن النفط يمثل عصب الاقتصاد السعودي، فالسعودية تعد أكبر منتج للنفط في العالم، ومع كل طلعة شمس يدخل الخزانة العامة نحو 500 مليون دولار من صادرات النفط فقط بأسعار اليوم الاثنين التي قفزت بنسبة تقترب من 20% لتصل إلى 72 دولارا للبرميل.
والإيرادات النفطية تمثل نحو ثلثي الإيرادات العامة للمملكة. وحسب الأرقام الرسمية، فإن إيرادات السعودية من صادراتها النفطية تقدر بنحو 800 مليار ريال سنويا في المتوسط، "أي ما يعادل 213 مليار دولار"، وربما أكثر من هذا الرقم في حال تحسّن أسعار النفط في الأسواق العالمية كما جرى قبل العام 2013.
كما أن إيرادات السعودية من صادراتها النفطية ارتفعت خلال العام الماضي 2018، بنسبة 36 في المائة، بما يعادل نحو 230 مليار ريال، لتبلغ 868.4 مليار ريال، مقابل 638.4 مليار ريال في الفترة ذاتها من عام 2017. كما شكلت الصادرات النفطية نحو 77.9% من إجمالي صادرات السعودية خلال شهر يونيو/حزيران 2019.
وبالتالي، فإن قطاع النفط يمثل رئة الاقتصاد السعودي، وكان من المفروض أن يحظى بأولوية شديدة لدى صانع القرار، خاصة من ناحية التأمين والحماية وصد هجمات الحوثيين الإرهابية الحالية، أو صد أي هجمات مستقبلية من قبل إيران أو غيرها.
لكن ما وجدناه على الأرض يقول عكس ذلك، فقد تعرض القطاع الحيوي لضربات قاصمة أفقدته أكثر من نصف إنتاجه يوم السبت الماضي، ودفعت الضربة الأخيرة إلى أن تتحول السعودية من أكبر مصدّر للنفط في العالم إلى مستورد له.
الهجوم الأخير على المنشآت النفطية السعودية لم يكشف فقط الضعف السعودي أمام هجمات الحوثي، لكنه يظهر كيف يمكن ضرب منشآت الاقتصاد السعودي بسهولة وبكلفة رخيصة، حيث لا تكلف الطائرة المسيرة أكثر 150 ألف دولار، وذلك وفقاً لتعليقات نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الإثنين، عن كبير الباحثين في مؤسسة "باكس" الهولندية، زويجن بيرغ.
هذه الضربة الموجعة من قبل الحوثيين لقطاع النفط السعودي لها تأثيرات في منتهى الخطورة على اقتصاد المملكة، ظهرت بشكل سريع في الانخفاض الكبير الذي حدث في البورصة السعودية أمس الأحد، ولولا مساندة جهات وصناديق حكومية لانهارت البورصة كما انهار إنتاج المملكة من النفط.
والأيام المقبلة قد تكون حبلى بالمفاجآت غير السارة، فحسب مصادر حكومية فإن عودة شركة أرامكو بالكامل إلى إنتاج النفط بكميات طبيعية "ربما تستغرق أشهرا"، وهذا يعني تراجع الصادرات النفطية السعودية بشكل حاد خلال الفترة المقبلة، وهو ما سيؤثر على الإيرادات العامة، وبالتالي يعمق عجز الموازنة العامة البالغ 131 مليار ريال "ما يعادل 35 مليار دولار" عن العام المالي الجاري.
الهجوم الأخير على أرامكو له تبعات خطيرة على المملكة، فهو يظهر للمستثمرين المحليين والأجانب أن المملكة غير قادرة على حماية أبرز قطاع اقتصادي فيها والرئة الأساسية لموارد النقد الأجنبي.
كما أن الهجمات ستدفع الحكومة إلى السحب بشكل أسرع، سواء من الاحتياطي العام للدولة أو من احتياطي النقد الأجنبي، لتمويل احتياجات الدولة وحرب اليمن المفتوحة.