الأردن يقر بفشل إلغاء دعم الخبز: لا وفر مالياً

12 اغسطس 2019
تراجع استهلاك الخبز بسبب ارتفاع أسعاره (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
بعد مرور أقل من عامين على رفع الدعم عن الخبز وتحرير أسعاره، أقرت الحكومة الأردنية ضمنا بإخفاقها في ضبط النفقات وتحقيق وفر مالي من وراء هذا القرار الذي جاء بعد سنوات من الدراسات والتردد الحكومي في اتخاذه.
وقد جاء هذا الإقرار الحكومي على لسان نائب رئيس الوزراء الأردني رجائي المعشر، الذي قال في تصريحات أخيرا إن الحكومة تقدم 241 مليون دولار سنويا دعما للمواطنين لقاء رفع الدعم عن الخبز إضافة إلى تحمل الخزينة 141 مليون دولار فروقات ارتفاع كلف إنتاج الخبز وأسعار الطحين عالميا.

واعتبر المعشر هذا العبء خللا واضحا يشير إلى عدم دقة التقديرات المالية عند إعداد الموازنة العامة للدولة، إذ إن الإنفاق الفعلي على بعض البنود يفوق بكثير المقدر، ومن ذلك أيضا كلفة المعالجات الطبية المجانية التي يخصص لها كل عام 141 مليون دولار فيما تبلغ فعليا أكثر من 280 مليون دولار.
وكانت الحكومة قد قررت منذ يناير/ كانون الثاني 2018، رفع الدعم عن الخبز وصرف دعم نقدي مباشر للفئات الفقيرة ومتدنية الدخل، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة تجاوزت 100% لبعض الأصناف.

غلاء الخبز
وارتفعت أسعار الخبز العربي المعروف باسم "الكماج" من 16 قرشا إلى 32 قرشا للكيلوغرام، أي بزيادة الضعف. كما رُفعت أسعار الخبز "المشروح" من 18 قرشا إلى 35، بنسبة 94.5%، والخبز الصغير من 24 قرشا إلى 40، بنسبة زيادة 66.7%.
وجاء إلغاء الدعم عن الخبز أيضا استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي الذي طالب الحكومة أكثر من مرة بتحرير أسعار الخبز في إطار برامج الإصلاح الاقتصادي التي طبقها الأردن على مدى العقدين الماضيين.

وقالت الحكومة إن تحرير أسعار الخبز وإعادة توجيه الدعم إلى مستحقيه من الفئات الفقيرة جاء بهدف تخفيض نسبة الهدر في استخدام الطحين المدعوم والتي كانت تقدر بحوالي 65%. 
وقال مسؤول في وزارة الصناعة والتجارة والتموين لـ"العربي الجديد"، إن "هدف الحكومة من وراء تحرير أسعار الطحين المباع للمخابز في ما يخص القضاء على السوق السوداء، قد تحقق، إذ لم تعد هنالك متاجرة غير مشروعة بالطحين".

وأشار المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن "الحكومة كانت تبيع طن الطحين للمخابز بما بين 80 إلى 90 دولارا، فيما كلفته تتجاوز 300 دولار، وكانت تزيد عن ذلك في بعض الأحيان، وبسبب هذا الفارق ظهرت سوق سوداء للمتاجرة بالطحين المدعوم والاستفادة من انخفاض سعره بشكل غير مشروع".
وأضاف المسؤول: "لكن الحكومة حتى هذه اللحظة لم تحقق الهدف المتمثل بتخفيض فاتورة الدعم الذي كان موجهاً للطحين، وذلك بسبب قيمة الدعم المباشر للفئات المستهدفة وكذلك ارتفاع أسعار وكلف إنتاج الخبز".

وتابع أن كلفة إنتاج الخبز ارتفعت منذ تحرير الأسعار في يناير من العام الماضي من حيث الزيادة على أسعار القمح عالميا وارتفاع المحروقات ومستلزمات الإنتاج الأخرى.
وأشار المسؤول إلى أن الحكومة وبالتنسيق مع نقابة أصحاب المخابز، قامت بتثبيت أسعار الخبز لهذا العام، 2019، وتحمل الأعباء الإضافية من خلال تخفيض أسعار الطحين المباع للمخابز وصرف دعم مباشر للمخابز، وخاصة الحجرية منها.

وبموجب الأسس التي اعتمدتها الحكومة، فقد تم صرف حوالي 39 دولاراً في السنة للفرد و47 دولاراً للفرد ضمن العائلة التي تتلقى معونات مالية شهرية من قبل الحكومة.
وبلغ عدد المتقدمين للحصول على الدعم من القطاع الخاص، العام الحالي، 650 ألف أسرة، تضاف إليهم أسر العاملين في الجهاز الحكومي والمتقاعدين والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية. واستبعد المسؤول أن تتراجع الحكومة عن إلغاء الدعم عن الخبز.

وتستفيد من الدعم الأسر التي لا يزيد دخلها السنوي عن 17 ألف دولار، والأفراد الذين لا يزيد دخل الواحد منهم عن 8500 دولار سنوياً.
وبلغ عدد متلقي البدل النقدي المخصص لعام 2018 بعد إلغاء دعم الخبز نحو 5.8 ملايين شخص، حسبما أعلنت دائرة ضريبة الدخل والمبيعات سابقا. كما ضمت الحكومة وللعام الثاني على التوالي أبناء قطاع غزة المقيمين في الأردن إلى قائمة المستفيدين من دعم الخبز لتخفيف الأعباء عنهم.

فشل الهدف المالي
الخبير الاقتصادي حسام عايش، قال لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة على ما يبدو لم تحقق الهدف المالي من إلغاء الدعم عن الخبز بسبب ارتفاع قيمة الدعم واستفادة أكبر عدد من الأسر منه. وأضاف أن الحكومة مضطرة لاستيعاب أي فروقات تطرأ على كلف إنتاج الخبز بعيدا عن رفع أسعار الخبز بسبب حالة الاحتقان في الشارع الأردني من غلاء الأسعار. وكانت الحكومة السابقة برئاسة هاني الملقي قد استقالت على وقع الاحتجاجات الشعبية الرافضة لرفع الأسعار وزيادة الضرائب.

ولا يستبعد عايش أن تخفض الحكومة قيمة الدعم الحكومي الموجه إلى الفئات المستهدفة العام المقبل كتخفيض مقدار الدعم لكل فرد وتقليص أعداد الأردنيين المستفيدين منه. 
واتخذت الحكومة خلال عامي 2018 و2019 قرارات اقتصادية تقشفية للحد من العجز وتخفيف الأزمة المالية التي تواجهها، تمثلت بزيادة الضرائب والأسعار وإلغاء الدعم عن الخبز، الأمر الذي فاقم من معيشة الأردنيين. ورغم ذلك أكدت وزارة المالية إن العجز المالي في الموازنة العامة ارتفع إلى 682 مليون دولار حتى نهاية مايو/ أيار من العام الحالي مقارنة مع عجز قدره 614 مليون دولار للفترة ذاتها لعام 2018.

وسبق لرئيس نقابة أصحاب المخابز، عبد الإله الحموي، أن قال لـ"العربي الجديد"، إن تحرير أسعار الخبز وإلغاء دعم الطحين المستخدم في إنتاجه أثّر كثيرا على قطاع المخابز، إذ إن حوالي 300 مخبز أغلقت أبوابها من فبراير/ شباط الماضي وحتى الآن.
وأضاف أن نسبة المخابز المغلقة بلغت 15% من إجمالي المخابز العاملة في الأردن، وعددها 2000 مخبز، ما يشكل خسارة كبيرة للاقتصاد من حيث تسريح أفواج من العمّال.

وأشار إلى انخفاض الاستهلاك المحلي من الخبز بحوالي 30% بعد رفع الأسعار، إذ كانت المخابز تنتج ما بين 1600 و2000 طن يوميا لتغطية حاجات السوق المحلي.
وحذرت نقابة أصحاب المخابز التي تشرف على عمل حوالي 1800 مخبز في الأردن من توقف كثير من المخابز عن العمل وإغلاق أبوابها بسبب خسائر محتملة ستتعرض لها نتيجة لإلغاء الدعم عن الخبز وتحديد أسعار ترى المخابز أنها لا تغطي الكلفة ولم تترك هوامش ربح معقولة لأصحابها.

وتوقع الحموي أن تغلق مخابز أخرى أبوابها، وخصوصاً المخابز الحجرية (غير الآلية)، بعد تطبيق القرار، كونها لا تستطيع تحمل الخسائر أو عدم تحقيق هوامش ربح معقولة.


المساهمون