لا شك في أن الإيرانيين اكتسبوا باعاً طويلاً في احتواء العقوبات الأميركية على مدى عقود، واستطاعوا أن يمضوا قُدُماً في تحقيق تقدّم اقتصادي وصناعي وعلميً لافت. لكن يبدو هذه المرة أن الأمور بلغت حداً أكثر تعقيداً من أي وقت مضى بالنسبة للساسة في طهران، بعدما بدأت الأساطيل الغربية تنسلّ إلى سواحلها لضمان أمن إمدادات النفط في مضيق هُرمز مع اندلاع "حرب الناقلات".
في السياق المواجهة التي لا تزال حتى الساعة تتخذ طابع الضغط الاقتصادي الشديد بعيداً من الخيارات العسكرية المباشرة، تعمد ناقلات النفط إلى تفريغ ملايين البراميل الإيرانية في صهاريج تخزين في الموانئ الصينية، في ظاهرة تكديس متواصلة للخام عند أعتاب أكبر مشتر للبترول في العالم. وبعد مرور شهرين ونصف الشهر على حظر البيت الأبيض شراء النفط الإيراني، تواصل طهران إرسال نفطها إلى الصين، حيث يتم وضعه في ما يُعرف باسم "التخزين المضمون بسندات"، حسبما نقلت شبكة "بلومبيرغ" الأميركية عن أشخاص مطلعين على العمليات في عدة موانئ صينية.
واللافت أن هذه الإمدادات النفطية لا تعبر نقاط الجمارك المحلية وفق النظام المعتاد المتعارف عليه، كما أنها لا تظهر في بيانات الاستيراد الصينية، وبالتالي لا تشكل بالضرورة انتهاكاً صريحاً للعقوبات الأميركية. لكن في حين أن هذه البراميل لا تزال خارج التداول حالياً، إلا أن ظهورها يلوح في الأفق قريباً بالنسبة إلى السوق العالمية.
اقــرأ أيضاً
وإثر إعلان وسائل إعلام بريطانية أن لندن تعتزم فرض عقوبات على إيران وتجميد أرصدتها، قللت طهران من أهمية الخطوة، معلنة أنها "لا تؤثر كثيراً" على مبادلاتها التجارية الخارجية.
وجاء ذلك على لسان رئيس الغرفة التجارية المشتركة مع بريطانيا، علي نقي سيد خاموشي، عندما قال يوم الأحد إن العقوبات البريطانية المحتملة ضد بلاده "ليست من دون أي تأثير على الصادرات والواردات الإيرانية"، لكن هذا التأثير "ليس كبيراً". وحول احتمال تجميد أصول إيرانية في المملكة المتحدة، قال خاموشي لوكالة "تسنيم": "بحسب معلوماتي، إيران ليست لديها أموال وأصول في بريطانيا ليتم تجميدها".
بكين تدفع الثمن أيضاً
وفي الوقت الذي لا تألو إيران جهداً للالتفاف على العقوبات المشدّدة مستعينةً أساساً بزبائن آسيا، تحدياً لهدف واشنطن "تصفير" صادراتها، تعمد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في المقابل، إلى الضغط على المشترين، لا سيما الصين التي تخوض معها الولايات المتحدة حرباً تجارية لا يزال حلها مستعصياً في سياق من الجولات المتقطعة منذ أكثر من سنة.
وفي السياق، أتى موقف وزارة الخارجية الصينية يوم الثلاثاء، والمعارض بقوة لفرض عقوبات أميركية على شركة الطاقة "تشوهاي تشنرونغ" التابعة لمجموعة "نام كونغ" التي تسيطر عليها الدولة وتتخذ ماكاو مقراً، وذلك بسبب ما تزعم واشنطن أنه "انخراطها عن علم في تعاملات كبيرة لشراء أو الحصول على نفط خام من إيران"، ما يعني تالياً، انتهاكها العقوبات المفروضة على قطاع النفط الإيراني، وفقاً لزعم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يوم الإثنين، علماً أن الشركة متخصصة أساساً في شراء النفط الإيراني ومقرها بكين، وسبق أن فرضت عليها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عقوبات عام 2012 بسبب تعاملاتها مع إيران.
تراجع الريال الإيراني
ونظراً للارتباط القوي بين قوّة العملة وقوّة الاقتصاد، يظهر جلياً أن الريال له حصّته من أثمان الأزمة. فقد أبدت العملة الإيرانية بعضاً من المقاومة بعد إجراءات صارمة انتهجتها السلطات الإيرانية في أسواق الصرف والأسواق التجارية لمحاربة المضاربة ولجم جموح الأسعار.
غير أن التوترات المستجدة في الخليج، والتصعيد في آن معاً مع الولايات المتحدة وبريطانيا على وقع "حرب الناقلات"، بدأ يظهر تأثيرها في سوق العملة. فبعدما ارتفع الريال الخميس الماضي إلى 118 ألفاً مقابل الدولار الأميركي، مخالفاً التوقعات، عاد ليهبط يوم الثلاثاء إلى 123 ألفاً، ما يعني أنه فقد من قيمته أكثر من 4% خلال 3 أيام.
اقــرأ أيضاً
ويأتي هذا التراجع بعدما تعافى سعر صرف الريال في الشهرين الماضيين بنسبة 21%، إثر انتهاج البنك المركزي سياسات وبرامج نقدية ومالية، حيث قال محافظ "المركزي"، عبدالناصر همّتي، الأسبوع الماضي، إن العملة الوطنية أمتصّت الصدمة، وإن جميع المؤشرات الاقتصادية تتجه نحو التعافي، كما أكد تخصيص 12 مليار دولار من العملة الأجنبية لتغطية الواردات منذ 21 مارس/ آذار الفائت، مشدداً على أن البنك لا يتدخل بسعر الصرف من منطلق الاعتقاد بأن السوق والمؤشرات الاقتصادية تُحدّد السعر أوتوماتيكياً.
لكنه، مع ذلك، أقر في الوقت نفسه، بشحّ السيولة الذي يعترض نشاط الوحدات الإنتاجية في البلاد بسبب ارتفاع سعر صرف النقد الأجنبي عموماً، وهذا ما يستدعي من البنك المركزي بذل جهد حثيث للتحكم بالسيولة، آملاً عدم مواجهة آثار التضخم وتذبذب سعر الصرف.
وإلى جانب وجود عدة أسواق للعملات الصعبة في إيران، منها "الموازية" و"السوداء"، يسعى البنك المركزي إلى تأسيس سوق جديد تحت عنوان "السوق المتشكّل للعملات".
وبحسب البنك المركزي، يفترض أن تحدد تفاعلات هذا السوق، الأسعار الحقيقية للعملات بناء على العرض والطلب وخاصة الدولار، إذ تأمل السلطات بأن يقترب سعر صرف الدولار إلى قيمته الحقيقية في هذا السوق.
ووفقاً للبنك المركزي، لا يعتزم هذا السوق تحديد الأسعار وإنما تنظيمها نتيجة المعاملات بين المضاربين الحقيقيين على العملات، مثل البنوك ومحلات الصرافة، لتظهر خلالها تلك الأسعار بشكل طبيعي.
نمو سلبي و"مرحلة الموت"
خلصت أحدث بيانات "مركز الإحصاء الإيراني"، الشهر الماضي، إلى أن اقتصاد إيران سجّل نمواً سلبياً (أي أنه انكمش) بنسبة 4.9% خلال عامها الشمسي المُنتهي في 21 مارس/ آذار الماضي، بعدما تراجع ناتجها المحلي الإجمالي إلى 7130225 مليار ريال مع احتساب الصادرات النفطية، بينما كان الرقم في العام السابق 7496064 ملياراً.
ويتوقع "البنك الدولي" انكماش الاقتصاد الإيراني 3.6% عام 2019، بعدما انكمش، وفقاً لأرقامه، 1.5% سنة 2018، على أن يعاود النمو بنسبة 1.1% في العامين المقبلين. وفي إبريل/ نيسان الماضي، ذهب "صندوق النقد الدولي" إلى توقعات أسوأ، مرتقباً انكماش الاقتصاد 6% عام 2019 مقابل 3.9% عام 2018.
ومع ذلك تقول إيران إنها تجاوزت المرحلة الأصعب من الحرب الاقتصادية الأميركية العام الماضي، إذ أعلن الرئيس، حسن روحاني، في الآونة الأخيرة، أن العقوبات التي وصفها بأنها غير مسبوقة في التاريخ، بدأت تفقد فاعليتها، وأن ظروف البلاد الاقتصادية أصبحت تتحسن.
لكن يبقى للرئيس الأميركي "المُعاقِب"، دونالد ترامب، رأي آخر، إذ اعتبر في تغريدة مساء الإثنين، أن الاقتصاد الإيراني وصل إلى مرحلة الموت، مضيفاً أن "أوضاع الاقتصاد الإيراني تزداد سوءاً،" وأن "إيران تعيش فوضى شاملة".
وكان ترامب قد انسحب من الاتفاق النووي الموقع مع إيران، في مايو/أيار 2018، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية قاسية اعتباراً من أغسطس/ آب الماضي، وهدّد الدول التي تتعامل معها تجارياً بالعقاب الاقتصادي أيضاً. واستهدفت حزمة ثانية من العقوبات الأميركية ضد إيران، اعتباراً من 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، صناعة النفط والطاقة والغاز ومنتجاتهما.
اقــرأ أيضاً
أسعار السلع لا تزال مرتفعة
وفيما تشهد العملة الإيرانية تقلبات كبيرة على وقع التطورات في الخليج وتشديد خناق العقوبات الأميركية، لا تزال الأسواق التجارية تتسم بارتفاع الأسعار عموماً، باستثناء سوق السيارات، بينما زادت الأسعار أكثر في بعض السلع الأُخرى، الأمر الذي أثار تساؤلات لا سيما أن تراجع سعر صرف العملة الإيرانية يُفقد المواطنين جزءاً كبيراً من قدرتهم الشرائية لتصبح الأسعار فوق طاقة غالبيتهم العظمى.
واللافت أن هذه الإمدادات النفطية لا تعبر نقاط الجمارك المحلية وفق النظام المعتاد المتعارف عليه، كما أنها لا تظهر في بيانات الاستيراد الصينية، وبالتالي لا تشكل بالضرورة انتهاكاً صريحاً للعقوبات الأميركية. لكن في حين أن هذه البراميل لا تزال خارج التداول حالياً، إلا أن ظهورها يلوح في الأفق قريباً بالنسبة إلى السوق العالمية.
وجاء ذلك على لسان رئيس الغرفة التجارية المشتركة مع بريطانيا، علي نقي سيد خاموشي، عندما قال يوم الأحد إن العقوبات البريطانية المحتملة ضد بلاده "ليست من دون أي تأثير على الصادرات والواردات الإيرانية"، لكن هذا التأثير "ليس كبيراً". وحول احتمال تجميد أصول إيرانية في المملكة المتحدة، قال خاموشي لوكالة "تسنيم": "بحسب معلوماتي، إيران ليست لديها أموال وأصول في بريطانيا ليتم تجميدها".
بكين تدفع الثمن أيضاً
وفي الوقت الذي لا تألو إيران جهداً للالتفاف على العقوبات المشدّدة مستعينةً أساساً بزبائن آسيا، تحدياً لهدف واشنطن "تصفير" صادراتها، تعمد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في المقابل، إلى الضغط على المشترين، لا سيما الصين التي تخوض معها الولايات المتحدة حرباً تجارية لا يزال حلها مستعصياً في سياق من الجولات المتقطعة منذ أكثر من سنة.
وفي السياق، أتى موقف وزارة الخارجية الصينية يوم الثلاثاء، والمعارض بقوة لفرض عقوبات أميركية على شركة الطاقة "تشوهاي تشنرونغ" التابعة لمجموعة "نام كونغ" التي تسيطر عليها الدولة وتتخذ ماكاو مقراً، وذلك بسبب ما تزعم واشنطن أنه "انخراطها عن علم في تعاملات كبيرة لشراء أو الحصول على نفط خام من إيران"، ما يعني تالياً، انتهاكها العقوبات المفروضة على قطاع النفط الإيراني، وفقاً لزعم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يوم الإثنين، علماً أن الشركة متخصصة أساساً في شراء النفط الإيراني ومقرها بكين، وسبق أن فرضت عليها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عقوبات عام 2012 بسبب تعاملاتها مع إيران.
تراجع الريال الإيراني
ونظراً للارتباط القوي بين قوّة العملة وقوّة الاقتصاد، يظهر جلياً أن الريال له حصّته من أثمان الأزمة. فقد أبدت العملة الإيرانية بعضاً من المقاومة بعد إجراءات صارمة انتهجتها السلطات الإيرانية في أسواق الصرف والأسواق التجارية لمحاربة المضاربة ولجم جموح الأسعار.
غير أن التوترات المستجدة في الخليج، والتصعيد في آن معاً مع الولايات المتحدة وبريطانيا على وقع "حرب الناقلات"، بدأ يظهر تأثيرها في سوق العملة. فبعدما ارتفع الريال الخميس الماضي إلى 118 ألفاً مقابل الدولار الأميركي، مخالفاً التوقعات، عاد ليهبط يوم الثلاثاء إلى 123 ألفاً، ما يعني أنه فقد من قيمته أكثر من 4% خلال 3 أيام.
لكنه، مع ذلك، أقر في الوقت نفسه، بشحّ السيولة الذي يعترض نشاط الوحدات الإنتاجية في البلاد بسبب ارتفاع سعر صرف النقد الأجنبي عموماً، وهذا ما يستدعي من البنك المركزي بذل جهد حثيث للتحكم بالسيولة، آملاً عدم مواجهة آثار التضخم وتذبذب سعر الصرف.
وإلى جانب وجود عدة أسواق للعملات الصعبة في إيران، منها "الموازية" و"السوداء"، يسعى البنك المركزي إلى تأسيس سوق جديد تحت عنوان "السوق المتشكّل للعملات".
وبحسب البنك المركزي، يفترض أن تحدد تفاعلات هذا السوق، الأسعار الحقيقية للعملات بناء على العرض والطلب وخاصة الدولار، إذ تأمل السلطات بأن يقترب سعر صرف الدولار إلى قيمته الحقيقية في هذا السوق.
ووفقاً للبنك المركزي، لا يعتزم هذا السوق تحديد الأسعار وإنما تنظيمها نتيجة المعاملات بين المضاربين الحقيقيين على العملات، مثل البنوك ومحلات الصرافة، لتظهر خلالها تلك الأسعار بشكل طبيعي.
نمو سلبي و"مرحلة الموت"
خلصت أحدث بيانات "مركز الإحصاء الإيراني"، الشهر الماضي، إلى أن اقتصاد إيران سجّل نمواً سلبياً (أي أنه انكمش) بنسبة 4.9% خلال عامها الشمسي المُنتهي في 21 مارس/ آذار الماضي، بعدما تراجع ناتجها المحلي الإجمالي إلى 7130225 مليار ريال مع احتساب الصادرات النفطية، بينما كان الرقم في العام السابق 7496064 ملياراً.
ويتوقع "البنك الدولي" انكماش الاقتصاد الإيراني 3.6% عام 2019، بعدما انكمش، وفقاً لأرقامه، 1.5% سنة 2018، على أن يعاود النمو بنسبة 1.1% في العامين المقبلين. وفي إبريل/ نيسان الماضي، ذهب "صندوق النقد الدولي" إلى توقعات أسوأ، مرتقباً انكماش الاقتصاد 6% عام 2019 مقابل 3.9% عام 2018.
ومع ذلك تقول إيران إنها تجاوزت المرحلة الأصعب من الحرب الاقتصادية الأميركية العام الماضي، إذ أعلن الرئيس، حسن روحاني، في الآونة الأخيرة، أن العقوبات التي وصفها بأنها غير مسبوقة في التاريخ، بدأت تفقد فاعليتها، وأن ظروف البلاد الاقتصادية أصبحت تتحسن.
لكن يبقى للرئيس الأميركي "المُعاقِب"، دونالد ترامب، رأي آخر، إذ اعتبر في تغريدة مساء الإثنين، أن الاقتصاد الإيراني وصل إلى مرحلة الموت، مضيفاً أن "أوضاع الاقتصاد الإيراني تزداد سوءاً،" وأن "إيران تعيش فوضى شاملة".
وكان ترامب قد انسحب من الاتفاق النووي الموقع مع إيران، في مايو/أيار 2018، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية قاسية اعتباراً من أغسطس/ آب الماضي، وهدّد الدول التي تتعامل معها تجارياً بالعقاب الاقتصادي أيضاً. واستهدفت حزمة ثانية من العقوبات الأميركية ضد إيران، اعتباراً من 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، صناعة النفط والطاقة والغاز ومنتجاتهما.
وفيما تشهد العملة الإيرانية تقلبات كبيرة على وقع التطورات في الخليج وتشديد خناق العقوبات الأميركية، لا تزال الأسواق التجارية تتسم بارتفاع الأسعار عموماً، باستثناء سوق السيارات، بينما زادت الأسعار أكثر في بعض السلع الأُخرى، الأمر الذي أثار تساؤلات لا سيما أن تراجع سعر صرف العملة الإيرانية يُفقد المواطنين جزءاً كبيراً من قدرتهم الشرائية لتصبح الأسعار فوق طاقة غالبيتهم العظمى.