مخاوف من "الأليكا"... 500 ألف تونسي مهددون بالفقر

09 مايو 2019
الاتفاق مع أوروبا يهدّد القطاع الزراعي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

 

وسّعت منظمات مجتمع مدني وأحزاب معارضة تونسية دائرة احتجاجاتها ضد اتفاق التبادل التجاري الحر والشامل مع الاتحاد الأوروبي "أليكا"، وسط تصاعد المخاوف من تداعياته السلبية ومخاطره على العديد من القطاعات.

ويسعى الرافضون لاتفاق التبادل التجاري الحر إلى منع ما وصفوه باتفاق "معاهدة الاستعمار الجديدة"، محذرين من وقوع نحو نصف مليون تونسي في القطاعات الفلاحية تحت خط الفقر.

والأحد الماضي، أكّد المجلس المركزي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة المزارعين) رفضه بشكل قطعي التوقيع على اتفاقية التبادل الحر الشامل مع الاتحاد الأوروبي في صيغتها الحالية، معتبرا تأهيل القطاع الفلاحي أولوية وطنية لا يمكن ربطها بملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

كما كثفت أحزاب ومنظمات مجتمع مدني رافضة للاتفاق حملاتها داخل المحافظات التونسية من أجل إشعار التونسيين بالخطر المحدق بهم، فيما رفع نشطاء سياسيون من المعارضة اليسارية شعارات الرفض للاتفاق داخل قاعة المفاوضات بين الوفد التونسي ووفد الاتحاد الأوروبي داخل البرلمان الأوروبي ببروكسل.

وانطلقت الجولة الرابعة من المفاوضات يوم 29 إبريل/ نسيان الماضي، وبحسب نسخة من مشروع اتفاق "الأليكا" يضم المشروع 14 بندا.


وفي ما يخص تحرير المبادلات التجارية في القطاع الزراعي ينص مشروع الاتفاق على إجبارية التقيد بالمعايير الأوروبية في كل مراحل الإنتاج الفلاحي وجودة المنتج سواء كانت موجهة للسوق المحلية أو الأوروبية وذلك عن طريق استنساخ المنظومة القانونية الأوروبية المتعلقة بالسلامة والجودة الحيوانية أو النباتية والمنتجات الغذائية.

البنود ذاتها المتعقلة بتحرير الأنشطة الزراعية تنص أيضا على إدماج مكتسبات الاتحاد الأوروبي (التشريعات والقواعد) ضمن التشريع التونسي، وإجراء الإصلاحات الإدارية والمؤسساتية الضرورية لدخول هذا الاتفاق حيز النفاذ والنقل التدريجي لمجموع المواصفات الأوروبية مع إلغاء كل المواصفات المحلية المخالفة لتلك المعتمدة في القارة العجوز.

وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال عضو المكتب التنفيذي لمنظمة المزارعين محمد رجايبية، إن السلطات التونسية لا تزال تحجب عن المنظمات والمجتمع المدني مشروع الاتفاق الذي تتفاوض بشأنه مع الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن المنظمات لم تشارك في مفاوضات بروكسل الأخيرة.

ولم يخف رجايبية مخاوفه من أن تقع حكومة الشاهد تحت ضغط المانحين وتوقع على اتفاق التبادل التجاري الحر والشامل هذا العام، دون مراعاة القطاعات التي سيلحقها الضرر من فتح الأبواب نحو تدفق السلع من الفضاء الأوروبي.

وأفاد بأن نصف مليون تونسي، يعملون في القطاعات الفلاحية المختلفة، مهّددون بالفقر، في حال توقيع الاتفاق.

واعتبرأن تحرير المبادلات الزراعية وفتح السوق المحلية يضعان المنتجين المحليين وأغلبهم من أصحاب المساحات الزراعية الصغرى في منافسة مباشرة مع الفلاحين الأوروبيين والشركات الغذائية الكبرى.

وأضاف رجايبية أن الأنشطة الرئيسية من زراعة الحبوب وتربية الماشية مهددة بالاندثار، إذا وجدت نفسها في مواجهة فوائض الإنتاج الأوروبي الذي تسعى دول الاتحاد إلى تسويقه في تونس تحت اتفاق "الأليكا"، معتبرا أن تفكيك القطاع سيدفع نحو توسع دائرة الفقر والبطالة والتهميش في المحافظات الزراعية وتضخيم النزوح نحو المدن وما يصاحبه من مشاكل اقتصادية واجتماعية.

وأكد رجايبية أن منظمة المزارعين لن تحتفل هذا العام بذكرى الجلاء الزراعي الذي يوافق يوم 12 مايو/ أيار الجاري بسبب اقتراب تونس من استعمار زراعي جديد بفعل اتفاق "الأليكا"، بحسب تعبيره.

تداعيات الاتفاق الذي تسعى منظمات المجتمع المدني في تونس إلى صده لن تقف عند الزراعة، حيث تكشف وثيقة المشروع أن قطاع الطاقة والكهرباء سيكون مشمولا بتحرير المبادلات التجارية.

ومن وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، يتعيّن على تونس إلغاء احتكار الدولة لإنتاج أو توريد المواد الطاقية، فضلا عن عدم تحديد أسعار محلية للمواد الطاقية تكون أقل من أسعار بيعها لدول الاتحاد الأوروبي.

ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي أحمد بن مصطفى لـ"العربي الجديد" إنه من الصعب الحديث عن مفاوضات حقيقية بين تونس والاتحاد الأوروبي لأن ميزان القوى غير متوازن، مشيرا إلى أن ما يجري حاليا هو مناقشات حول تجزئة الاتفاقية في محاور منفصلة بالتوازي مع إدراجها التدريجي في التشريعات التونسية، معتبرا هذا الصنف من التفاوض فرضاً لسياسة الأمر الواقع.

ويرى مصطفى أن التفاهمات بين الحكومة والاتحاد الأوروبي ستتم عبر صفقات سياسية وانتخابية غير معلنة، مع الجانب الأوروبي الذي يعمل على إيهام الرأي العام التونسي بتواصل المفاوضات، مدعيا أنها تراعي مصلحة تونس وفي الحقيقة هي مجرد غطاء لسياسة الأمر الواقع.

ومقابل استنفار الرافضين للاتفاق من الجانب التونسي، يسعى مسؤولون أوروبيون إلى إبراز الجوانب "المضيئة "في هذا الاتفاق ومنها فتح آفاق تصديرية لتونس وفسح المجال لسلعها أمام سوق قوامها 500 ألف مستهلك.

وفي إبريل/ نيسان الماضي، أشار سفير الاتحاد الأوروبي بتونس، باتريس بيرغاميني، إلى دور "الأليكا" في تغيير اقتصادات البلدان الديمقراطية، خاصة أن هذا الاتفاق يتطلب إرساء الشفافية في الصفقات العمومية ودعم الفاعلين الاقتصاديين المحليين والباعثين الشبان.

المساهمون