انتهت أشغال مسجد الجزائر الأعظم في العاصمة الجزائرية بكلفة قُدِّرت بـ2 مليار دولار، علماً أنّ هذا المسجد هو ثالث أكبر مسجد في العالم بمساحة 400 ألف متر مربع، كما يُعد أكبر مسجد في أفريقيا بعد احتلال مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء بالمغرب الصدارة لعدّة سنوات.
ويحتوي المسجد الأعظم على أعلى مئذنة في العالم بارتفاع 265 متراً، واكتملت عملية إنجاز المشروع الضخم رغم قوة الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد الجزائري منذ منتصف 2014 نتيجة انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة على بساط الحراك الشعبي الذي يهزّ الشوارع: هل الاقتصاد والمواطن بحاجة ماسة لهذا النوع من المشاريع العملاقة؟ أم تبقى مجرّد مظاهر للاستعراض وتحف معمارية؟
الحراك وتبديد المال العام
دخل الحراك الشعبي بالجزائر هذا الأسبوع شهره الثالث مع علو الأصوات المنادية بالتغيير الشامل وضرورة إزالة كل الوجوه القديمة التي نسجت خيوط النظام القديم المشبع بالفساد والذي لعب دوراً كبيراً في تبديد المال العام.
اقــرأ أيضاً
ومسجد الجزائر الأعظم ما هو إلّا غيض من فيض من أمثلة كثيرة عن المشاريع العملاقة كالملاعب والمسارح التي تمّ إنجازها واعتبرت غطاء ممتازاً للمال المنهوب من الشعب المغلوب الذي يحتاج لسياسات تحافظ على استقرار أسعار السلع والخدمات، وتكبح موجات التضخم العنيفة، وتخلق فرص عمل حقيقية للشباب العاطل من العمل.
وكشف الحراك الذي بدأ منذ 22 فبراير/ شباط 2019، ومكَّن الجزائريين من استنشاق نسائم الحرية، عن قائمة المطالب الحقيقية للمواطنين والتي لم تتضمَّن إنشاء مشاريع معمارية عملاقة.
فالتباهي بامتلاك أكبر مئذنة في العالم يتناقض تماماً مع وجود حراك قد يتحوَّل في أي لحظة إلى ثورة شعبية عارمة خارجة عن السيطرة، فقد أصبح نهب المال العام وتضخيم الفواتير خلف ستار المشاريع العملاقة واضحاً للعيان.
وتبقى الفائدة من تشييد أعظم مسجد في أفريقيا مبهمة، فلن يحج الناس إليه من كل صوب، ولماذا لم تركِّز الحكومة على بناء أكبر مستشفى بتلك الكلفة الباهظة ليحلّ مشاكل المواطنين، ولماذا لم تر الحكومة مثلاً حاجة سكان الجنوب المهمَّش للطرقات المعبدة والمدارس والمستشفيات؟
واقع البطالة المرير
استلمت الشركة الصينية العامة للهندسة الإنشائية (CSCEC) عملية بناء المسجد وخصَّصت نحو 2300 مهندس ومسؤول بناء وعامل معظمهم من الصينيين المعروفين بتفانيهم في العمل، وهكذا نتيقَّن بأنّ المشروع الضخم لم يوفِّر فرص عمل حقيقية للشباب العاطلين من العمل في العاصمة الجزائرية على الأقلّ، فمن أهمّ التوصيات التي خرجت بها تقارير البنك الدولي عن البطالة في البلاد هي خلق فرص عمل للبطالين من خلال إنجاز مشاريع البنية التحتية.
اقــرأ أيضاً
لكن كيف سيعمل الاعتماد على السواعد الصينية في مشاريع البنية التحتية على تخفيض حدّة البطالة المتفشية بين الشباب، وبناءً على ذلك يتَّضح أنّ الغاية الأساسية من إنجاز المشاريع الضخمة لم تكن يوماً حلّ مشاكل المواطنين، بل كانت للأسف التواطؤ لنهب المال العام بصمت.
ويمكن التأكيد على أنّ إنشاء التحف المعمارية العقيمة وغير القادرة على خلق فرص عمل يتناقض تماماً مع الوضع الراهن للشباب، حيث تشير إحصائيات منظمة العمل الدولية إلى تزايد عدد الشباب العاطلين من العمل، حيث وصلت نسبة البطالة بين هؤلاء إلى 10% في العام 2017، وأكَّد صندوق النقد الدولي على أنّ معدل البطالة سيتفاقم في الجزائر وسيرتفع من 11.16% في العام 2018 إلى 12.91% في العام 2020.
وحتى النمو الاقتصادي الهزيل، الذي سيتدهور حسب بيانات صندوق النقد من 1.98% في العام 2017 إلى 1.84% في العام 2020 وصولاً إلى 0.66% في العام 2022، لن يتمكَّن من انتشال الشباب من مخالب البطالة وهوة الفقر وجحيم الفراغ القاتل.
ويبدو أنّ مشكلة بطالة الشباب الجزائري لن يتمّ حلّها إن استمرَّت الحكومة بتجاهلها مع مرور العديد من الفرص، خصوصاً خلال فترات ارتفاع أسعار النفط التي تسمح بتكديس مليارات الدولارات في خزينة الدولة، فأثناء التخمة المالية لن يسع الفاسدين إلّا تذكُّر تشييد التحف المعمارية بالاعتماد على العمالة الصينية، وهذا ما يفرض على العاطلين عن العمل إيجاد طرق أخرى لخلق فرص العمل دون الاعتماد على حكومتهم التي تخذلهم كل مرة في الوقت الذي يصارع فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتوفير ملايين فرص العمل لشعبه بأجور جيّدة، لذلك تكمن المفارقة وبالدرجة الأولى في الحكام الذين يقرِّرون مصائر شعوبهم.
مشاريع ضخمة وغياب المساءلة
كما هو معتاد دائماً فإن فاتورة ملياري دولار لبناء مسجد الجزائر الأعظم غير محصَّنة من ألاعيب الفساد، فقد اقترنت شبهات الفساد بالمشاريع الضخمة منذ فضيحة نهب المال العام وتضخيم الفواتير في مشروع الطريق السيار شرق - غرب والمسمى بمشروع القرن والذي كلَّف ميزانية الدولة 19 مليار دولار بعدما كانت قد رصدت له ميزانية أولية لا تتجاوز 7 مليارات دولار.
اقــرأ أيضاً
والأسوأ من ذلك، استمرار ظهور مهازل اهترائه وهشاشته، علما أنّ تلك الكلفة كانت تكفي لبناء عدة طرق سيارة في الجزائر وكانت لتحلّ مشكل المدن المعزولة لا سيَّما في الجنوب.
والأمر الذي سمح بتحوُّل مثل هذه المشاريع الضخمة إلى فرص لنهب المال العام وتضخيم الفواتير هو غياب المساءلة في البلاد وضعف مراقبة الفساد فيها، فقد تدهورت المساءلة من -0.86 في 2016 الى -0.90 في العام 2017، كما تدهورت مراقبة الفساد من -0.66 في 2015 إلى -0.69 في العام 2016، وذلك حسب مؤشرات اﻟﺣوﻛﻣﺔ اﻟﻌﺎلمية الصادرة عن اﻟﺑﻧك اﻟدولي.
ووفقاً لمؤشر مدركات الفساد لعام 2018 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، احتلَّت الجزائر المرتبة 105 من أصل 180 دولة.
كل هذا يؤكِّد على توطُّن الفساد، ولمَ لا؟ فقد وجد البيئة التي تساعد على استفحاله، لذلك يمكن الجزم بأنّ الحراك الشعبي كان متوقعاً، فالمرحلة التي تلي تغوُّل الفساد تتَّسم حتماً باندلاع الثورات والاحتجاجات الشعبية.
خلاصة القول إنّ حاجة الشعب لأسعار معقولة أكثر، وفرص عمل أكبر، وتعليم وصحة أفضل، تفوق بكثير حاجته لمسجد أعظم، ألم يكن من الأجدر للحكومة صرف الأموال على بناء المستشفيات والمصانع وإنجاز الطرق السيارة التي تفكّ عزلة المدن بدلاً من صرفها على بناء أكبر مسجد في أفريقيا؟
آن الأوان لهذه الحكومة أن تغيِّر سلوكها واستراتيجياتها لأنّ الحراك الشعبي الذي دخل أسبوعه الحادي عشر ينمّ عن وعي المواطن بالفساد الكبير الذي يحوم حول المشاريع العملاقة.
ويحتوي المسجد الأعظم على أعلى مئذنة في العالم بارتفاع 265 متراً، واكتملت عملية إنجاز المشروع الضخم رغم قوة الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد الجزائري منذ منتصف 2014 نتيجة انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة على بساط الحراك الشعبي الذي يهزّ الشوارع: هل الاقتصاد والمواطن بحاجة ماسة لهذا النوع من المشاريع العملاقة؟ أم تبقى مجرّد مظاهر للاستعراض وتحف معمارية؟
الحراك وتبديد المال العام
دخل الحراك الشعبي بالجزائر هذا الأسبوع شهره الثالث مع علو الأصوات المنادية بالتغيير الشامل وضرورة إزالة كل الوجوه القديمة التي نسجت خيوط النظام القديم المشبع بالفساد والذي لعب دوراً كبيراً في تبديد المال العام.
وكشف الحراك الذي بدأ منذ 22 فبراير/ شباط 2019، ومكَّن الجزائريين من استنشاق نسائم الحرية، عن قائمة المطالب الحقيقية للمواطنين والتي لم تتضمَّن إنشاء مشاريع معمارية عملاقة.
فالتباهي بامتلاك أكبر مئذنة في العالم يتناقض تماماً مع وجود حراك قد يتحوَّل في أي لحظة إلى ثورة شعبية عارمة خارجة عن السيطرة، فقد أصبح نهب المال العام وتضخيم الفواتير خلف ستار المشاريع العملاقة واضحاً للعيان.
وتبقى الفائدة من تشييد أعظم مسجد في أفريقيا مبهمة، فلن يحج الناس إليه من كل صوب، ولماذا لم تركِّز الحكومة على بناء أكبر مستشفى بتلك الكلفة الباهظة ليحلّ مشاكل المواطنين، ولماذا لم تر الحكومة مثلاً حاجة سكان الجنوب المهمَّش للطرقات المعبدة والمدارس والمستشفيات؟
واقع البطالة المرير
استلمت الشركة الصينية العامة للهندسة الإنشائية (CSCEC) عملية بناء المسجد وخصَّصت نحو 2300 مهندس ومسؤول بناء وعامل معظمهم من الصينيين المعروفين بتفانيهم في العمل، وهكذا نتيقَّن بأنّ المشروع الضخم لم يوفِّر فرص عمل حقيقية للشباب العاطلين من العمل في العاصمة الجزائرية على الأقلّ، فمن أهمّ التوصيات التي خرجت بها تقارير البنك الدولي عن البطالة في البلاد هي خلق فرص عمل للبطالين من خلال إنجاز مشاريع البنية التحتية.
ويمكن التأكيد على أنّ إنشاء التحف المعمارية العقيمة وغير القادرة على خلق فرص عمل يتناقض تماماً مع الوضع الراهن للشباب، حيث تشير إحصائيات منظمة العمل الدولية إلى تزايد عدد الشباب العاطلين من العمل، حيث وصلت نسبة البطالة بين هؤلاء إلى 10% في العام 2017، وأكَّد صندوق النقد الدولي على أنّ معدل البطالة سيتفاقم في الجزائر وسيرتفع من 11.16% في العام 2018 إلى 12.91% في العام 2020.
وحتى النمو الاقتصادي الهزيل، الذي سيتدهور حسب بيانات صندوق النقد من 1.98% في العام 2017 إلى 1.84% في العام 2020 وصولاً إلى 0.66% في العام 2022، لن يتمكَّن من انتشال الشباب من مخالب البطالة وهوة الفقر وجحيم الفراغ القاتل.
ويبدو أنّ مشكلة بطالة الشباب الجزائري لن يتمّ حلّها إن استمرَّت الحكومة بتجاهلها مع مرور العديد من الفرص، خصوصاً خلال فترات ارتفاع أسعار النفط التي تسمح بتكديس مليارات الدولارات في خزينة الدولة، فأثناء التخمة المالية لن يسع الفاسدين إلّا تذكُّر تشييد التحف المعمارية بالاعتماد على العمالة الصينية، وهذا ما يفرض على العاطلين عن العمل إيجاد طرق أخرى لخلق فرص العمل دون الاعتماد على حكومتهم التي تخذلهم كل مرة في الوقت الذي يصارع فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتوفير ملايين فرص العمل لشعبه بأجور جيّدة، لذلك تكمن المفارقة وبالدرجة الأولى في الحكام الذين يقرِّرون مصائر شعوبهم.
مشاريع ضخمة وغياب المساءلة
كما هو معتاد دائماً فإن فاتورة ملياري دولار لبناء مسجد الجزائر الأعظم غير محصَّنة من ألاعيب الفساد، فقد اقترنت شبهات الفساد بالمشاريع الضخمة منذ فضيحة نهب المال العام وتضخيم الفواتير في مشروع الطريق السيار شرق - غرب والمسمى بمشروع القرن والذي كلَّف ميزانية الدولة 19 مليار دولار بعدما كانت قد رصدت له ميزانية أولية لا تتجاوز 7 مليارات دولار.
والأمر الذي سمح بتحوُّل مثل هذه المشاريع الضخمة إلى فرص لنهب المال العام وتضخيم الفواتير هو غياب المساءلة في البلاد وضعف مراقبة الفساد فيها، فقد تدهورت المساءلة من -0.86 في 2016 الى -0.90 في العام 2017، كما تدهورت مراقبة الفساد من -0.66 في 2015 إلى -0.69 في العام 2016، وذلك حسب مؤشرات اﻟﺣوﻛﻣﺔ اﻟﻌﺎلمية الصادرة عن اﻟﺑﻧك اﻟدولي.
ووفقاً لمؤشر مدركات الفساد لعام 2018 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، احتلَّت الجزائر المرتبة 105 من أصل 180 دولة.
كل هذا يؤكِّد على توطُّن الفساد، ولمَ لا؟ فقد وجد البيئة التي تساعد على استفحاله، لذلك يمكن الجزم بأنّ الحراك الشعبي كان متوقعاً، فالمرحلة التي تلي تغوُّل الفساد تتَّسم حتماً باندلاع الثورات والاحتجاجات الشعبية.
خلاصة القول إنّ حاجة الشعب لأسعار معقولة أكثر، وفرص عمل أكبر، وتعليم وصحة أفضل، تفوق بكثير حاجته لمسجد أعظم، ألم يكن من الأجدر للحكومة صرف الأموال على بناء المستشفيات والمصانع وإنجاز الطرق السيارة التي تفكّ عزلة المدن بدلاً من صرفها على بناء أكبر مسجد في أفريقيا؟
آن الأوان لهذه الحكومة أن تغيِّر سلوكها واستراتيجياتها لأنّ الحراك الشعبي الذي دخل أسبوعه الحادي عشر ينمّ عن وعي المواطن بالفساد الكبير الذي يحوم حول المشاريع العملاقة.