تونس: تصاعد معركة مشروع قانون الصرف

22 مايو 2019
الحكومة تسعى إلى تقليص حجم الاقتصاد الموازي (Getty)
+ الخط -
يسعى البنك المركزي التونسي إلى تكثيف الضغط على البرلمان، من أجل التصديق على قانون جديد للصرف يمنح العفو في بعض الحالات عن جرائم العملة، والذي تقدمت به الحكومة وسط تحذيرات اقتصاديين من تداعيات تأخر تطوير تشريعات صرف العملة على مخزونات النقد الأجنبي ووضع الدينار.
ومنذ ما يزيد عن السنة، أودعت الحكومة لدى البرلمان مشروع قانون يستهدف العفو عن جرائم الصرف في بعض الحالات وتطوير تشريعات حركة الأموال بهدف استعادة جزء من الأموال المتداولة في السوق السوداء وإعادة ضخها في الاقتصاد الرسمي، غير أن تأخر البرلمان في مناقشة القانون دفع إلى استنفار الدوائر الاقتصادية التي حذرت من تآكل مزيد من مخزونات العملة الصعبة وزيادة العجز التجاري وتراجع قيمة الدينار التونسي.

وقدّر محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، قيمة رصيد العملة الصعبة المتداول في السوق الموازية (السوداء) بنحو 4 مليارات دينار (1.3 مليار دولار)، فيما تقدّر الموجودات الصافية من النقد الأجنبي بما يعادل 14.48 مليار دينار.
وأشار محافظ البنك المركزي إلى أن السوق السوداء تبتلع جزءاً مهماً من عائدات القطاع السياحي.

وأعرب المصرف المركزي عن قلقه من توسع السوق السوداء في مجال العملة، ما أدى إلى اختلال التوازنات المالية في القطاع المصرفي بمختلف مؤسساته، التي تعاني من صعوبات كبيرة، منذ سنوات.
ويهدف مشروع قانون العفو عن جرائم الصرف إلى تجفیف منابع الاقتصاد الموازي عبر التشجيع على إيداع الأموال المتداولة من العملة الصعبة في حسابات بالعملات الأجنبیة، ما يمكن من زيادة مخزونات النقد الأجنبي دون تعريض المودعين إلى عقوبات جزائية يفرضها قانون الصرف الحالي.
ويرى الخبير في الشأن المالي حبيب الكراولي أن قانون الصرف التونسي "متخلف"، ولم يعد يلائم النظام الاقتصادي المنفتح الذي تؤسس له تونس، مشيراً إلى أن مجلة الاستثمارات التي أقرها البرلمان عام 2018 تفرض مزيداً من المرونة في سياسات الصرف وحركة الأموال.

وقال الكراولي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن قانون الصرف الحالي يدفع إلى مزيد من هجرة الأموال نحو الاقتصاد الموازي وأنشطة التبييض، داعياً إلى بناء مناخ ثقة يساعد البنك المركزي على زيادة احتياطيات النقد الأجنبي وتحسين الميزان التجاري للحد من انزلاق الدينار.
وأضاف أن "تونس في حالة "حرب اقتصادية وتحتاج إلى سيولة وصرف أجنبي. وهي موجودة الآن، ولكن لا يمكن لمسها لأن التشريع الحالي لسعر الصرف لا يسمح بذلك".

وأكد الخبير المالي أن العفو عن جرائم الصرف يعيد العملات إلى الدائرة الرسمية، معتبراً أن تباطؤ البرلمان في التصديق على القانون أو ترحيله إلى ما بعد المدة النيابية الحالية يزيد من صعوبات الاقتصاد التونسي ويؤدي إلى عدم استقرار سعر صرف الدينار.
وحذر الاقتصادي بدر الدين والي، من تداعيات تأخر التصديق على القانون الجديد، معتبرا هذا التأخير تهديدا للدينار. وقال والي لـ"العربي الجديد" إن مخاطر حقيقية تهدد العملة التونسية وقد يصل الدينار إلى مرحلة لا يمكن الدفاع عنه لاحقا إذا واصل انزلاقه، معتبرا أن تونس لديها أسوأ قانون صرف في المنطقة.

وأضاف أن احتياطي العملة الصعبة سوف يستمر في النزول وسيجر معه الدينار إلى الانخفاض أكثر من أي وقت مضى، مقترحا التمديد في فترة العفو عن الجرائم إلى سنتين بدلاً من الستة أشهر التي وردت في مشروع القانون.
ومقابل دعوات البنك المركزي للتصديق على مشروع قانون الصرف الجديد، لا تزال المعارضة البرلمانية التي تترأس لجنة المالية تبدي توجسا من المقترح الحكومي، معتبرة أن مشروع القانون "بوابة " لتبييض أموال التهريب والأنشطة غير القانونية.

ويرى رئيس لجنة المالية منجي الرحوي أن مناخ المال والأعمال في تونس يحتاج إلى أن تسوده الثقة والشفافية بين أصحاب القرار من جهة ومختلف المتعاملين الاقتصاديين.
وقال إن البرلمان لا يعطل قانون الصرف الجديد ولكنه يحتاج إلى ضمانات وتعمق في دراسة القانون لحماية الاقتصاد من التدفقات المالية المشبوهة وفتح الطريق أمام المهربين لمزيد من تحقيق منافع مالية تحت غطاء قانوني بحسب تصريحه لـ"العربي الجديد".

وأضاف أن البرلمان لم يتلق تفاصيل عن الدخول التي يمكن أن تجنيها الدولة من قانون العفو على جرائم الصرف، ما يجعل البرلمانيين في حال توجس من هذا القانون وأكثر دقة في مناقشته.
وتمثل المخالفات موضوع التسوية التي يقترحها مشروع قانون الصرف الجديد في عدم التصريح بالمكاسب الموجودة في الخارج أو عدم إعادة مداخيل وحصيلة المكاسب من العملات إلى البلاد.

كذلك ينتفع العفو وفق مشروع القانون المقترح من مسك عملات في شكل أوراق نقدية أجنبية داخل تونس، وعدم إيداعها لدى وسيط مقبول أو عدم إحالتها مقابل الدينار حسب القواعد المتفق عليها.
ولا يزال احتواء السوق السوداء لصرف العملات الأجنبية متعثراً في تونس، رغم الجهود التي تبذلها الحكومة والبنك المركزي من أجل الحد من نشاط هذه السوق، التي أضحت تستحوذ على نسبة كبيرة من التعاملات، وفق البيانات الرسمية.

وفي يناير/ كانون الثاني 2018، سمحت تونس لأول مرة في تاريخها بممارسة نشاط صرافة العملة خارج الإطار المصرفي، وذلك عقب إقرار نص قانوني لشروط ممارسة الصرف اليدوي من قبل أشخاص طبيعيين.
وتقود الحكومة خطةً لاستيعاب سوق الصرف السوداء في إطار برنامج للحد من الاقتصاد الموازي والنزول به من 54% من إجمالي اقتصاد الدولة حالياً إلى 20% بحلول عام 2020.

دلالات
المساهمون