يعيش مزارعو قطاع غزة ظروفاً صعبة، في ظل تراكم الديون عليهم، بفعل الخسائر التي خلّفتها الحروب الإسرائيلية على القطاع، والحصار المُطبق منذ أكثر من اثني عشر عاماً.
ويعد القطاع الزراعي الأكثر استيعابا للأيدي العاملة في القطاع، والأكثر تضرراً، حيث كانت الأراضي الزراعية عرضة لعمليات القصف والتجريف الإسرائيلية، عدا عمليات وقف التصدير للخارج.
ويعمل أبو خالد إصليح (53 عاماً)، في مجال الزراعة منذ نحو ثلاثة عقود ونصف، ويمتلك نحو 20 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع)، في حي المنارة شرقي مدينة خان يونس جنوبي القطاع، وبداخلها ثلاث دفيئات من أصل عشر تقلصت بسبب الظروف الصعبة والخسائر الفادحة والديون المتراكمة، والبقية تعتمد على الزراعات المكشوفة.
ويُقدر إصليح، في حديث لـ"العربي الجديد"، خسائره بنحو 60 ألف شيكل (نحو 17 ألف دولار)، منها 52 ألفاً خلال عدوان 2014 على القطاع، ويعمل لديه حوالي 15 عاملاً، على مدار العام، وهؤلاء باتوا مهددين بفقدان مصدر رزقهم الوحيد، نتيجة للأوضاع، وعدم تقدم الوضع المادي لديه كمزارع.
ويُفكر المزارع الفلسطيني كثيراً في بيع حصة من أرضه، في محاولة لتخفيف أعباء الديون المتراكمة عليه، وإلا سيكون أمام تهديد الحبس، مشيراً إلى أن هذا الحال لا يقتصر عليه بل على معظم مزارعي القطاع، الذين باتو من الطبقة الكادحة.
وشهد العام الماضي ارتفاعاً غير مسبوق في عدد المتعطلين عن العمل في قطاع غزة، حسب بيانات رسمية، حيث بلغت نحو 54.9 في المائة من عام 2018، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل 280 ألف شخص، وهي النسبة الأعلى عالمياً، في الوقت الذي تتجاوز فيه بين فئة الشباب والخريجين في الفئة العمرية من 20 إلى 29 سنة الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط أو بكالوريوس في قطاع غزة لتتجاوز 73 في المائة.
الشاب فادي ماضي (30 عاماً)، الذي يعمل مع والده الستيني في قطعة أرض مساحتها (12 دونماً)، نصفها ملك والنصف الآخر مُستأجر، وتقع في المنطقة الحدودية لبلدة الفخاري شرقي خان يونس، فهو الآخر يُفكر مليا في البحث عن عمل بديل عن الزراعة، لأن تلك المهنة جعلته غير قادر على تغطية حتى نفقات العمل، بل استدان ليسد العجز.
يقول ماضي، لـ"العربي الجديد"، إن عملية التصدير عندما يُسمح لها، تتم وفق معايير تضعها السلطات الإسرائيلية، مشيرا إلى أنه رغم امتلاكه شركة تصدير لم يتمكن من التصدير وترميم خسائره.
ولا يخفي الشاب الفلسطيني حجم الخسائر التي بلغت نحو 500 ألف دينار أردني (نحو 700 ألف دولار)، نصفها بسبب الحروب والعدوان الإسرائيلي المتكرر، والنصف الآخر بسبب الحصار وعوامل الطبيعة وارتفاع التكلفة وانخفاض ثمن البيع وعرقلة عملية التصدير لفترات طويلة.
ويعمل لدى ماضي نحو 80 عاملاً على مدار العام، غير أنه لم يعد قادراً على سداد أجورهم بالكامل، ويفكر في تقليص العدد، إن بقيت الظروف على حالها من دون أي تحسن، منتقدًا غياب دور وزارة الزراعة في توجيه ودعم المزارعين والوقوف معهم، ومحاولة تقليل وتفادي الخسائر التي يتعرضون لها.
لكن مدير دائرة الخضار في وزارة الزراعة في غزة، حسام أبو سعدة، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن الوزارة تعمل وفق صلاحيات محددة، وتتواصل مع المؤسسات الدولية لتعويض المزارعين، من بينها توفير دفيئات بديلة عن التي تم تجريفها ومشاريع طاقة شمسية، كون الطاقة الشمسية تخفف من أزمة الطاقة المتفاقمة في القطاع.
وبشأن عملية التصدير، يبين أبو سعدة أن عملية التصدير توقفت منذ عام 2007 حتى 2013، وكان يسمح لفترات محددة وبكميات معينة، مشيرا إلى أن التصدير له موسم سنوي، من شهر نوفمبر/تشرين الثاني حتى إبريل/نيسان، ويعود ذلك إلى طلب السوق الخارجي، سواء في الضفة أو خارج فلسطين.
ويوضح أنه بجانب ممارسات الاحتلال، هناك أسباب تحد من التصدير تتعلق بالطلب في سوق الخضار العالمي، خاصة السوق الأوروبية والعربية كالكويت والسعودية والأردن، والضفة الغربية، منوها إلى أن وزارة الزراعة تسعى جاهدة لدعم المزارع بشكلٍ غير مباشر، من خلال وقف استيراد أصناف تُنتج محليا.
وحول تحديد الأسعار، يقول أبو سعدة إنه يصعب تحديد الأسعار، لأنه سيجبر الوزارة على تحمّل تكاليف الخسائر التي قد يتعرض لها المزارع، موضحاً أن الوزارة فتحت قنوات التصدير عبر معبر كرم أبو سالم الذي تتحكم فيه السلطات الإسرائيلية، لكنها تراعي الكميات التي يتم تصديرها كي توازن بين تحقيق الفائدة للمزارع والحفاظ على سعر المنتجات في السوق المحلية بما يتلاءم مع وضع الناس المعيشي والمادي.
والعقبة الأكبر أمام الوزارة هي عدم تحكم الفلسطينيين في المعابر، خاصة كرم أبو سالم، وفق أبو سعدة الذي يوضح أننا "جاهزون لاستمرار فتح باب التصدير إن سمح المجال بذلك".
ويلفت إلى أن أكثر الأصناف تصديراً في الآونة الأخيرة، هو محصول "الطماطم"، حيث بلغت كمية الإنتاج السنوي نحو 80 ألف طن، مضيفا أن إجمالي مساحات محاصيل الخضار في القطاع يبلغ حوالي 80 ألف دونم.