تنطلق في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود، يوم الأربعاء، أعمال قمة "روسيا - أفريقيا" بمشاركة قادة أكثر من 40 بلدا في القارة السمراء، وبحضور الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وستستمر لمدة يومين.
وأكد يوري أوشاكوف، نائب الرئيس الروسي، عشية المنتدى أن عدد المدعوين إليه يبلغ نحو 10 آلاف يمثلون مختلف قطاعات الاقتصاد والصناعة، بما فيها استكشاف المعادن، والزراعة، والسياحة والفنادق، والتكنولوجيا المتقدمة وغيرها.
وحسب مراقبين، لا تخلو الخطط الروسية في أفريقيا من مخاطر عالية بسبب هشاشة الأنظمة الحاكمة في أغلب دولها، مما ينذر بحالة من عدم الاستقرار السياسي وما قد يترتب عليه من تعليق تحقيق مشاريع استثمارية كبرى، بالإضافة إلى المنافسة الحادة مع كل من الصين وأميركا.
ومن المقرر أن يعقد بوتين على هامش القمة عددا من اللقاءات الثنائية، مع زعماء أفارقة لمناقشة تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري. ويشمل برنامج قمة "روسيا - أفريقيا" أكثر من 30 جلسة أعمال للنظر في فرص الدفع بالعلاقات الاقتصادية بين البلدان الأفريقية وروسيا التي تنظر إلى القارة السمراء، على أنها وجهة واعدة لتعزيز نفوذها في مجال إنتاج النفط والغاز والموارد الطبيعية وسط منافسة حادة للنفوذ الأميركي والصيني بها.
يذكر أن حجم التجارة بين أفريقيا وبكين ارتفع إلى 166 مليار دولار، وتسيطر الشركات الصينية على قطاعات التعدين في أكثر من 5 دول أفريقية، كما تنتج النفط في دول غرب القارة السمراء والسودان، حسب تقارير رسمية. ويقدر حجم الاستثمارات الأميركية في أفريقيا بنحو 56 مليار دولار.
وقبل انعقاد قمة "روسيا - أفريقيا" بثلاثة أيام، أكد بوتين أن روسيا وشركاتها تتوفر لديها إمكانيات هامة لاستثمار مليارات الدولارات في أفريقيا، معربا في حوار مع وكالة "تاس" الروسية عن أمله في أن "يخلق شركاؤنا الظروف المستقرة والقابلة للتنبؤ اللازمة لمزاولة الأعمال، وآليات حماية الاستثمارات، وسيوفرون مناخا استثماريا مواتيا".
وأكد الرئيس الروسي على استعداد بلاده للمنافسة من أجل التعاون مع أفريقيا والدفاع عن المصالح الاقتصادية المشتركة مع الشركاء بالقارة السمراء وحمايتهم من العقوبات أحادية الجانب، بما في ذلك عن طريق خفض حصة الدولار والانتقال إلى عملات أخرى في الحسابات المتبادلة.
وفي هذا الإطار، يؤكد الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، سيرغي بالماسوف، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن التوسع في أفريقيا مكون مهم لتقديم روسيا نفسها على أنها قوة سياسية واقتصادية عالمية تنافس الغرب.
ويقول بالماسوف: "أهم الموارد الطبيعية التي تبحث عنها روسيا في أفريقيا، هي الهيدروكربونات والألومينيوم والبلاتين واليورانيوم والألماس، بالإضافة إلى تقديم خدمات أمنية بأبعاد سياسية بواسطة الشركات العسكرية الخاصة".
وحول المنافسة الروسية الغربية في أفريقيا، يضيف: "تسعى روسيا لاختراق مناطق النفوذ الغربي بشيء من الجرأة، بعد أن كانت جمهورية أفريقيا الوسطى، مثلا، "عزبة" فرنسية. لكن لا بديل عن ذلك في السياسة العالمية، لأن التعامل بذوق لن يؤدي إلى أي نتيجة. إلا أن روسيا تواجه أيضا تحدي تأخرها التكنولوجي عن الغرب في مجال الحفر على أعماق كبيرة وفي قاع البحار، مما يقلل من قدرتها التنافسية ببعض الأسواق الأفريقية".
وفي معرض حديثه عن العقبات التي تحول دون دخول موسكو باستثمارات كبيرة إلى أفريقيا، يوضح بالماسوف أن "روسيا تنظر إلى الأسواق الأفريقية بحذر بالغ، خوفا من تغيير أنظمة سياسية هشة، وما قد يترتب عليه من خسائر ستبلغ مئات الملايين، بل مليارات من الدولارات"، مذكرا بأن الشركات الروسية خسرت عقودا ضخمة في ليبيا، بما فيها عقود مد سكة حديدية، جراء سقوط الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي منذ نحو 8 سنوات. وكانت موسكو قد سمحت في عام 2011 بتمرير مشروع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 والذي أتاح للدول الغربية تنفيذ عملية عسكرية في ليبيا.
ويخلص بالماسوف إلى أنه يمكن لروسيا التعامل مع بعض الأنظمة الأفريقية المستقرة مثل النظام الأنغولي، واصفا أغلب الدول في المقابل، بأنها "ليست كوريا الشمالية التي تعجز واشنطن عن تغيير النظام فيها، إذ يستطيع الغرب إسقاط الحكام في أفريقيا بسهولة".
ويبلغ عدد سكان أفريقيا 1.2 مليار نسمة، ومجموع إجمالي ناتجها الداخلي 2500 مليار دولار، لكن تفاؤل المؤسسات المالية غالبا ما يصطدم بعودة النزاعات المسلحة التي طاولت ثلث دول القارة في السنوات الأخيرة.
ويتوقع صندوق النقد الدولي لعام 2019 نمو إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 3.5% في أفريقيا، مقارنة بـ3% في 2018.
وتقدر قيمة الاستثمارات الروسية في أفريقيا بما بين 8 و10 مليارات دولار، كما سجل حجم التبادل التجاري بين روسيا وبلدان القارة السمراء في العام الماضي نموا بنسبة حوالي 17 في المائة، ليبلغ أكثر من 20 مليار دولار، وفق أرقام هيئة الجمارك الروسية.
ومن أبرز الشركات الروسية الممثلة في القارة الأفريقية، "روس نفط" أكبر شركة نفط حكومية، و"لوك أويل" أكبر شركة نفط خاصة، وعملاق الغاز الروسي "غازبروم"، ومؤسسة "روس آتوم" المتخصصة في إنشاء محطات نووية وإنتاج اليورانيوم، و"ألروسا" لإنتاج الألماس، وغيرها.