هكذا تأثرت اقتصادات العالم بحروب ترامب التجارية

20 أكتوبر 2019
تداعيات رسوم ترامب امتدت لكل القطاعات الاقتصادية (فرانس برس)
+ الخط -
اتسع نطاق الأضرار الجانبية الناجمة عن حروب الولايات المتحدة التجارية لتمتد آثارها من خلجان أيسلندا إلى مصانع السيارات في اليابان.
فقد تبادل محافظو البنوك المركزية ووزراء المالية حكايات كئيبة عن المعاناة الاقتصادية في اجتماعات فصل الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن هذا الأسبوع.

كما أشار البعض إلى مدى تغير السياسة الأميركية عنها في أربعينيات القرن العشرين عندما شاركت واشنطن نفسها في تأسيس الصندوق، وقال ديفيد مالباس رئيس البنك الدولي للحضور في إحدى الجلسات إن الاقتصاد العالمي في ذلك الوقت "كان قد تعرض لأزمات حادة على مدى عقد من الزمان جراء الحواجز الجمركية العالية والركود والحرب"، ما دفع وزير الخزانة الأميركي آنذاك هنري مورجينثو للدعوة إلى نظام اقتصادي عالمي.

وأضاف أن الرسالة الأميركية في ذلك الوقت كانت "أولا، لا حدود للازدهار. وثانيا، الازدهار المشترك بصفة عامة يفيد الجميع".
وقالت كريستالينا جورجيفا العضو المنتدب للصندوق إن "الآثار السلبية غير المقصودة للحروب التجارية بدأت تتضح، فالكل خاسر".

وقبل 15 شهرا بدأت الولايات المتحدة، أكبر مستورد في العالم، حربا مريرة بفرض رسوم على منتجات مستوردة من الصين أكبر دولة مصدرة في العالم، كما عمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إعادة التفاوض على علاقات تجارية مع أطراف كثيرة من كبار شركاء واشنطن التجاريين بل وقلب بعض الاتفاقات رأسا على عقب.
وقدر صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع أن تداعيات هذا النهج ستبطئ وتيرة النمو العالمي في 2019 إلى ثلاثة في المائة ليسجل أقل معدلاته منذ عشر سنوات.
هذه المعاناة ليست موزعة بالتساوي، فلا تزال الولايات المتحدة هي الأقل عرضة بين الاقتصادات العشرين الأكبر في العالم لانخفاض الصادرات لأسباب منها قاعدة الإنفاق الاستهلاكي الهائلة في السوق المحلية.

معاناة أوروبية
قال بيير موسكوفيتشي مفوض الشؤون الاقتصادية والمالية في الاتحاد الأوروبي إن الجوانب السلبية محسوسة على وجه الخصوص في الدول الأوروبية التي "تعتمد على الصادرات والمفتوحة أمام حركة التجارة".
كان أكثر من 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مستمدا من الصادرات في 2018 وهو أعلى معدل في أي من القوى الاقتصادية الكبرى في العالم.

وقال أولاف شولتس وزير المالية الألماني للصحافيين إن عدم وضوح الرؤية في مجتمع الأعمال أمر واسع الانتشار، مشيرا إلى أنه من الواضح أن المخاوف من خروج بريطانيا الوشيك من الاتحاد الأوروبي والنزاع التجاري بين الاتحاد والولايات المتحدة لها آثارها السلبية على النمو الاقتصادي العالمي.
وأضاف "لا تزال أهم مشكلة هي العوامل التي لا نستطيع قياسها، وبالتحديد العزوف عن الاستثمار".

كذلك وصلت المعاناة إلى دول لا تعتمد على الصادرات أيضا مثل أيسلندا، حيث قال أسجير جونسون محافظ البنك المركزي الأيسلندي "أصبحنا معتمدين على السياحة"، إذ ارتفع عدد الزائرين السنوي لخمسة أمثاله ليصل إلى 2.5 مليون زائر منذ الأزمة. غير أن عدد الزائرين الأجانب انخفض بشدة منذ بدأت الحروب التجارية إذ تراجع بنسبة 15.6 في المائة هذا الصيف عن السنة السابقة.
وأضاف محافظ البنك المركزي أن أيسلندا التي يبلغ عدد سكانها نحو 300 ألف كوّنت احتياطيات من النقد الأجنبي بفضل زيادة الزائرين غير أن هذه الاحتياطيات بدأت تتناقص.

وقال جونسون إن الروابط التجارية بين الدول نشرت السلم في العالم بدرجة أكبر في العقود الأخيرة لكن التجارب الأخيرة تبين "أنه لا يمكنك أن تأخذ التجارة العالمية على أنها أمر مسلم به".

وفي اليابان، خفضت هيئة مجلس الوزراء الياباني التي تساعد في تنسيق السياسة الحكومية تقديرها لإنتاج المصانع في أكتوبر/ تشرين الأول، وقال مسؤول حكومي في إفادة إن ضعف الإنتاج يرجع إلى حد كبير إلى تراجع صادرات السيارات للولايات المتحدة بعد نمو مطرد حتى فصل الربيع.
وأكد هاروهيكو كورودا محافظ بنك اليابان المركزي إن "انتعاش النمو العالمي يتأخر، الاقتصاد الياباني يشهد ضعف الصادرات بدرجة كبيرة وهذا يؤثر على إنتاج المصانع".

لا حصانة أميركية
ولم تكن الولايات المتحدة بمنأى عن تداعيات الحروب التجارية، فقد تضرر المزارعون الأميركيون بصفة خاصة من جراء الرسوم التي فرضتها الصين على المنتجات الزراعية الأميركية، مما دفع إدارة ترامب إلى توزيع المليارات في شكل مساعدات للمزارعين.
كما تعثرت التنمية الاقتصادية المحلية بسبب فرض واشنطن رسوما على تجارة الصلب والألومنيوم وبسبب الغموض الذي اكتنف إقرار اتفاق جديد للتجارة الحرة في أميركا الشمالية يجمع الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.

وقال كريستوفر كبالدون رئيس بلدية وست ساكرامنتو بولاية كاليفورنيا إن العروض في مناقصة لمشروع خاص بالبنية التحتية في المدينة تبلغ كلفته 100 مليون دولار جاءت أعلى بنسبة 80 في المائة من المتوقع لأسباب منها حاجة شركات البناء إلى حساب أثر التكاليف الأعلى ومخاطر فرض رسوم إضافية في المستقبل.
وقال كبالدون لوكالة "رويترز" قبل اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين: "حتى في مدن صغيرة مثل مدينتنا نشهد آثار التجارة. لقد أصبحنا ندرك الاندماج الشديد لاقتصاداتنا المحلية في النظام العالمي".

وأضاف أن "أغلب خططي للتنمية الاقتصادية تتطور على ساحة عالمية ولا تمر سهلة دون عوائق".

انفصال الأسواق الناشئة
تساهم التوترات التجارية في دفع دول أفريقية باتجاه زيادة الاعتماد على النفس على مستوى القارة، وقال أوكور ياتاني كاناتشو، القائم بأعمال وزير التجارة الكيني، "يجب أن نأخذ على عاتقنا أن ننمي التجارة فيما بيننا".
وقال عبد الله داود ديالو وزير المالية السنغالي للصحافيين إن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين ستؤثر على الدول الأفريقية في قطاع الطاقة وتخفض الأموال المتاحة في الأسواق المالية، مضيفا أن النزاع يبرز أهمية اتفاق التجارة الحرة للقارة الأفريقية.

وتتعرض أسواق ناشئة أخرى للضغوط أيضا، فقد قالت كاترينا روجكوفا نائبة محافظ البنك المركزي الأوكراني إن "المصدرين الأوكرانيين يواجهون ظروفا متدهورة في أسواق السلع الأولية العالمية"، ما أدى إلى انخفاض أسعار الصلب.
وأضافت أنه مما يزيد الأمور سوءا أن "اشتداد حدة الصراعات الجيوسياسية أدى إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي في العالم".

وقال الشيخ سلمان بن خليفه آل خليفة وزير المالية البحريني إن منطقة الخليج تأثرت أيضا بالتوترات التجارية وما نجم عنها من تباطؤ في الاستثمار وإن كانت المخاوف الجيوسياسية، فيما يتعلق بإيران على سبيل المثال، تشكل عنصرا رئيسيا آخر، مضيفا أن "التوترات التجارية تخلق غموضا ولا أحد بمعزل عن الغموض".

وخفضت بيرو تقديرها للنمو الاقتصادي في 2019 إلى ثلاثة في المائة في أغسطس/ آب الماضي من 4.2 في المائة استنادا لعوامل تجارية، كما تتجه المكسيك إلى ركود اقتصادي يقول المسؤولون فيها إن تغيير اتجاهه قد يكون أصعب من الركود الأخير الذي شهدته البلاد قبل أكثر من عشر سنوات.
وقال ارتورو هيريرا وزير المالية المكسيكي "الكساد الكبير أخذ الجميع على حين غرة في الأساس، لكن القوى الاقتصادية كانت على استعداد للتعاون والعمل معا للخروج منه. أما هذا الركود فلم يفاجئ أحدا لكن لا يوجد استعداد يذكر للتعاون".

(رويترز)
المساهمون