إسرائيل تلعب على الحبلين في أفريقيا

24 ديسمبر 2018
تغلغل إسرائيلي في أفريقيا بشكل تدريجي(العربي الجديد)
+ الخط -
فيما لا تتوقَّف الكتابات الأميركية عن مهاجمة الوجود الصيني في أفريقيا، تستمرّ إسرائيل بتوطيد علاقاتها الاقتصادية والسياسية في القارّة السمراء، والغريب في الأمر عدم انتباه تلك الكتابات للتغلغل الإسرائيلي في أفريقيا التدريجي والمُتَّسِم بالنَّفَس الطويل، وهو نفس النَّفَس الذي يتمتَّع به الوحش الكاسر قبل الانقضاض على فريسته.
والأدهى من ذلك، أنّ إسرائيل تلعب على الحبلين في سبيل بسط نفوذها على هذه القارّة، فمن جهة تقوم بتمويل عدّة مشاريع بسخاء غير مفهوم في عدّة دول أفريقية يعوِّل عليها الاحتلال الإسرائيلي للتصويت لصالحه في المحافل الدولية، ومن جهة أخرى تطرد المهاجرين الأفارقة الذين دخلوها بطريقة غير شرعية، كما تمارس ألاعيب شيطانية لحرمان مصر من مياه النيل، بينما تعقد اتفاقيات تصدير الغاز إليها، وهذا ما يوضِّح مدى خطورة الحضور الإسرائيلي في أفريقيا الذي يصعب استئصاله بسلام.
تقوية العلاقات وطرد المهاجرين
بعد فترات من عدم الاهتمام الدبلوماسي، نجد الآن إسرائيل تجدِّد اهتمامها بالقارّة السمراء في السنوات الأخيرة، ففي 2009 زار وزير الشؤون الخارجية أفيغدور ليبرمان إثيوبيا، غانا، كينيا، نيجيريا، أوغندا، كما زار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عدّة دول كأوغندا، رواندا، إثيوبيا، كينيا وأفريقيا الجنوبية، الذي صرَّح سنة 2016 بأنّ "إسرائيل تعود إلى أفريقيا، وأفريقيا تعود إلى إسرائيل"، معلناً بذلك أنّ مبادرته الدبلوماسية الجديدة مع الدول الأفريقية هي واحدة من أهمّ أولوياته، في الوقت الذي يشهد فيه الشمال الأفريقي عدم استقرار وتوترات سياسية.
لدى إسرائيل مصالح جغرافية استراتيجية واضحة في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، بسبب قربها من مدخل البحر الأحمر، حيث خلقت إسرائيل مصالح اقتصادية هناك لأنّها تعتبر القارّة السمراء سوقاً كبيراً لبضائعها وخبراتها ومصدراً أساسياً للماس الذي يعدّ أحد أكبر الصناعات في دولة الاحتلال، ولديها أيضاً مصالح سياسية ودبلوماسية تأتي في طليعة الأجندة الإسرائيلية، ما دامت تستفيد من الأصوات الأفريقية في حصولها على الدعم في المنتديات الدولية والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة.
ورغم أنّ إسرائيل تربطها علاقات مع 42 دولة أفريقية، إلّا أنها تمتلك 11 سفارة فقط في القارّة، فمؤخراً تم افتتاح سفارة إسرائيلية جديدة في رواندا التي برزت اقتصادياً في أفريقيا، حيث تتطلع دولة الاحتلال للحصول على المزيد من الدعم السياسي، وتعتبر ذلك أحد أهمّ بنود استراتيجيتها الطويلة الأجل.

وكل هذا يفسِّر سبب قيام إسرائيل بتمويل مشاريع كبيرة في ميادين التعليم والصحة والبنى التحتية، في عدّة دول أفريقية وتزويدها بالعديد من الخبرات في مجال الزراعة وإدارة المياه والريّ والطاقة الشمسية، ليس هذا فحسب بل تحثّ أيضاً إسرائيل رجال أعمالها حتى المقيمين في الدول المتقدمة على التوسُّع الاقتصادي في القارّة السمراء، لأنّهم بمثابة أداة فعّالة في رفع درجة تبعية واعتماد العديد من الدول الأفريقية على إسرائيل اقتصادياً، وطبعاً التمويل الإسرائيلي لتلك المشاريع لا يقارن بحجم استفادة إسرائيل الكبير من الدعم الأفريقي في المنظمات الدولية لترسيخ الكيان الصهيوني.

وبما أنّ إسرائيل تُكِنُّ كل هذا الودّ لأفريقيا، فلماذا تعتبر مهاجريها كائنات غير مرغوب فيها ينبغي التخلُّص منها بأقصى سرعة، فقد قاد يهود الفلاشا الذين هاجروا من إثيوبيا إلى إسرائيل مسيرات احتجاج بسبب معاناتهم من العنصرية داخل دولة الاحتلال، التي بالرغم من ذلك تستمرّ في تنصيب نفسها راعية ليهود أفريقيا وتتحجَّج بذلك لاختراق هذه القارّة.

كما تظاهر مُؤخَّراً آلاف المهاجرين الأفارقة من المهاجرين غير النظاميين (هربوا من جرّاء الاضطهاد والحروب في إريتريا والسودان) احتجاجاً على تهديد الاحتلال بترحيلهم قسرياً خلال العام الجاري، فقد خيَّرَتهم السلطات ما بين مغادرة إسرائيل أو الزجّ بهم خلف قضبان السجون، إذ تعتبرهم دولة الاحتلال مهاجرين باحثين عن العمل ومُؤَثِّرين على الصبغة اليهودية لكيانها، مُتناسية توغُّلها في أفريقيا الذي يكتسي طابعاً لا يمتّ للإنسانية وللعمل بأيّ صلة. ولا ننسَ طبعاً مساهمة الكيان الصهيوني في انفصال جنوب السودان، ودعمه لحركة بيافرا الانفصالية في نيجيريا طوال فترة الستينيات وبداية السبعينيات.
سدّ النهضة وتصدير الغاز لمصر
يولي الاحتلال الصهيوني اهتماماً كبيراً وخاصّاً بمنطقة القرن الأفريقي، لأنها تحتضن منابع النيل وموانئ ومعابر بحرية مهمة، وفي سبيل سعيه المحموم نحو المنطقة لا يخجل من اللعب على جميع الحبال، إذ يقدِّم الدعم المالي والتقني لإثيوبيا لمساعدتها على بناء سدّ النهضة، ومن جانب آخر يعقد اتفاقية لتصدير الغاز إلى مصر، ولا يخفى على أحد حنكة إسرائيل وإتقانها للعب دور الصديق والعدوّ في آن واحد.

يعتبر نهر النيل أيقونة مصر منذ العصور القديمة، فقد اقترن بها منذ الأزل واستمر في توفير شريان أخضر عبر الأراضي المصرية، أمّا الآن فتخشى القاهرة من تهديد فقدان شريان الحياة هذا، وذلك يرجع للخطط الجهنمية الإسرائيلية التي لن يستقرّ لها حال، ولن يهدأ لها بال حتى يتحقَّق حلم سدّ النهضة على أرض الواقع، وسيلحق هذا السدّ ضرراً كبيراً بمصر من خلال قطع إمدادات المياه عنها، وتدمير أجزاء من أراضيها الزراعية الثمينة، وممارسة مزيد من الضغط على سكانها الذين يواجهون بالفعل نقصاً في المياه.

وتستمرّ إسرائيل بتشجيع إثيوبيا على المسارعة بوضع اللمسات الأخيرة على بناء سدّ النهضة، وتقنعها بأنّه سيكون أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، وذلك بغية تجفيف مصر التي ما زالت تشكِّل عقدة للكيان الصهيوني لحدّ الساعة، فما صدَّقت إسرائيل أنّها وجدت أداة للضغط على صنّاع القرار المصريين وذلك نظراً لحساسية وخطورة ملف المياه في أجندة مصر.

ومن جهة أخرى، تقوم إسرائيل بتوقيع اتفاقيات عملاقة وتاريخية لتصدير الغاز إلى مصر، وسط انتقادات مصرية شعبية واسعة ورافضة للتطبيع مع دولة الاحتلال، التي تسعى بدورها لخدمة مصالحها فوق كل شيء وتلهث وراء غرس جذورها في المنطقة، وهذا ما يعكس بشكل جليّ نياتها السيئة، وكأنّ هذه الاتفاقيات تصوِّر أنّ إسرائيل ذلك الملاك الحارس الذي جاء لحلّ أزمة الغاز في مصر، وما يَحُزّ في النفس أنّ هناك بدائل أخرى لمصر كالغاز الجزائري، القطري، الإيراني وحتى الروسي. 

يمكن القول كذلك، بأنّ الأيادي الصهيونية ستبقى تحت دائرة الاتهام ما دامت الاضطرابات السياسية والأمنية التي عانت منها مصر عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، سبباً رئيسياً في قلب الموازين وتحويل مصر من مُصدِّر للغاز إلى مستورد له.

خلاصة القول أنّه ينبغي على الدول الأفريقية كافة توخِّي الحذر من إسرائيل، لأنها عدوّ يسعى وراء تحقيق غاياته على حساب دماء وحياة وثروات الآخرين، وتعتبر إسرائيل القارّة الأفريقية ككل، مُجرَّد مخزن للموادّ الخام والماس ينبغي استنزافه بأقصى سرعة ممكنة، ونيل أكبر حصة منه قبل أن تتولَّى ذلك دول أخرى، وللأسف تراها أيضاً مُجرَّد أيدٍ جاهزة للتصويت في المنظمات والمحافل الدولية. لذلك يجدر بالدول الأفريقية التوصُّل إلى سُبُل تطوُّرها وتنميتها من باطنها، والتعاون في ما بينها، فيكفي أن نتذكر أنّ أوروبا الغربية لم تكن لتصل إلى ما هي عليه الآن لولا استنزافها لثروات قارّتنا السمراء.

دلالات
المساهمون