وتعتبر خطوة فتح الحدود البرية بين البلدين بمثابة الخطوة الأهم في مسلسل الانفتاح السعودي على العراق، حيث بدت الخطوات السعودية لتحقيق ذلك متسارعة خلال الأشهر الماضية.
وجرت مباحثات مشتركة بين الرياض وبغداد نهاية عام 2014 لفتح المنفذ أمام حركة التجارة، لكن المسؤولين حينها قالوا إن إعادة فتح المنفذ تتطلب أولاً بنى تحتية ومخازن للبضائع وأجهزة لتفتيش الشاحنات.
لكن سلسلة زيارات بادر بها مسؤولون سعوديون إلى العراق قابلتها بغداد بالمثل، عجلت بالاتفاق على جملة من الملفات من بينها فتح المعبرين الحدوديين "عرعر" و"جميمة"، واستئناف الخطوط الجوية لكلا البلدين بتسيير رحلات منتظمة وفتح قنصلية في النجف (جنوب غرب بغداد) وتعيين سفير مقيم في العاصمة العراقية، ومنح الرياض مساعدات مالية لمصلحة النازحين في العراق، إضافة إلى رفع حصة العراقيين في الحج.
وبدت خطوة فتح المعبر البري لأغراض التبادل التجاري من خلال عودة البضائع السعودية للسوق العراقية، وكسر حالة الاحتكار المفروضة من قبل السلع الإيرانية والتركية، لكن العامل الاقتصادي ليس الوحيد في هذا التقارب وفق محللين، وإنما يرافقه حضور سياسي في العراق.
ويرى محللون أن الانفتاح السعودي السياسي والاقتصادي على العراق، جانب من مشروع أميركي تنفذه دول عربية بالمنطقة يقضي بانفتاح الدول العربية على العراق ومنافسة النفوذ الإيراني.
غير أن المؤشرات الاقتصادية على الأرض تشير إلى تمدد النفوذ الإيراني وسيطرتها بالكامل على قطاعات سلعية وخدمية، فضلا عن أن تجارتها وعدد المعابر التي فتحتها مع العراق يفوق عدة مرات أعداد معابر الدول العربية مجتمعة مع هذا البلد.
وكان محمد الوكيل، الخبير في الشؤون السياسية العراقية قد قال في وقت سابق لـ"العربي الجديد" إن "المشروع الأميركي الذي تتبنى الرياض ريادته في المنطقة حالياً هو الدخول بقوة للعراق اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً أيضا".
لكن وسائل إعلام سعودية نقلت عن وزير التجارة والاستثمار السعودي ماجد القصبي، قوله إن هناك رغبة سعودية جادة على "فتح جميع مجالات التعاون مع العراق"، معتبرا أن "المرحلة المقبلة من العلاقات الاقتصادية والتجارية بين السعودية والعراق ستشهد تعاونا كبيرا يسهم في زيادة التبادل التجاري ويوفر فرصاً استثمارية في المجالات كافة".
كما نقلت وسائل إعلام عراقية عن السفير العراقي في الرياض رشدي العاني، قوله إنه سيتبع افتتاح منفذ عرعر، منفذ الجميمة من جهة محافظة المثنى جنوب العراق بعد عيد الأضحى (يحل مطلع سبتمبر/أيلول المقبل)، وذلك لأغراض التبادل التجاري والاقتصادي.
وقالت مصادر رفيعة في وزارة التجارة العراقية لـ "العربي الجديد" إنه يجري حالياً إنشاء ساحات للتبادل داخل كلا البلدين وعلى مسافة قريبة من المنفذ البري، حيث تقوم بتسلم حمولة البضائع العراقية والسعودية دون حاجة الشاحنات للدخول والتسليم إلى الجهة المستوردة للبضاعة.
وبحسب فالح العيساوي، نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار، فإن "افتتاح المنفذ البري بين البلدين سيكون تجارياً فقط في الوقت الحالي، ونأمل أن تبدأ أولى القوافل التجارية بالعبور خلال أيام قليلة".
وأضاف العيساوي لـ"العربي الجديد" أن الأنبار ستكون بمثابة سوق جملة، حيث ترد البضائع من السعودية بشكل مباشر إلى المحافظة قبل أن تتجه إلى باقي مدن العراق، لافتا إلى أن قرب افتتاح معبر طريبيل مع الأردن سيخلق أيضا حالة تنافس وبالتالي رخص الأسعار وتنوعها ومزيد من الأيدي العاملة.
وفي هذا السياق، قال طالب العامري، المستشار الاقتصادي في مكتب رئيس الوزراء العراقي لـ"العربي الجديد" إن "العراق بحاجة إلى تنوع داخل السوق ودخول دولة جديدة سيكون له أثر إيجابي".
وأشار إلى أن التبادل التجاري سيرتفع بشكل تدريجي، ولن يبدأ بقوة بسبب تهالك بنى المنفذ التحتية، والحاجة إلى تعبيد الطرق وإنشاء ساحات وقوف فضلا عن أمور تقنية تتعلق بإدارة المنفذ نفسه لكن المتوقع أن تستمر بالارتفاع.
ويحمل إعادة فتح معبر عرعر في الأنبار أهمية للجانبين السعودي والعراقي، فالأنبار خارجة لتوها من أتون حرب طاحنة، أسفرت عن دمار كبير فيها، بينما تفرض القوات العراقية قيوداً كبيرة على حركة الدخول والخروج من المحافظة، ليرى مسؤولون ومحللون عراقيون، أن هذه الظروف أكثر ملائمة لدخول السعودية عبر بوابة التجارة كما يستفيد العراقيون من رواج تجاري متوقع.
وتحتل محافظة الأنبار نحو 33% من إجمالي مساحة العراق، ما يعطيها ثقلاً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً. واعتبر محمد ياسين، عضو مجلس الأنبار في تصريح صحافي أن" فتح المنفذ سينعش اقتصاد المحافظة ويوفر فرص عمل عند مرور الشاحنات المحملة بمختلف البضائع نحو البلاد".
كما قال عبد الباقي الجميلي، الخبير الاقتصادي العراقي، إن افتتاح منفذ عرعر خطوة كبيرة في طريق إنعاش اقتصاد الأنبار المدمر والمنهار بسبب الحرب التي أنهكت البنية التحتية، فضلاً عن عدم وجود منافذ أخرى آمنة تماماً للمحافظة لتوفير موارد اقتصادية، فمنفذ طريبيل مع الأردن والتنف والوليد مع سورية غير آمنين تماماً بسبب الوضع الأمني المتدهور غرب الأنبار.
وأضاف الجميلي لـ"العربي الجديد": "أتوقع أن تكون حركة التبادل التجاري كبيرة جداً عبر المنفذ ومن المؤمل أن تشمل مرور مشتقات النفط والمواد الغذائية والأدوية والأجهزة الطبية ومواد البناء والتجهيزات الإنشائية فضلاً عن رفد المصانع والمنشآت المعطلة في مدن الأنبار بما يلزمها من مواد أولية لإعادة تأهيلها".
وبخلاف النفوذ الاقتصادي الذي تطمح السعودية إليه، لا تخلو خطوة فتح المعابر مع العراق من منفعة للشركات السعودية التي باتت تئن من تداعيات الحصار الذي تفرضه المملكة بجانب الإمارات والبحرين ومصر على قطر منذ الخامس من يونيو/حزيران.
وقال فلاح النقيب، الخبير بالشأن الاقتصادي العراقي، إن "الشركات السعودية تتكبد خسائر مالية كبيرة، نتيجة الحصار المفروض على قطر من قبل السعودية، ما أدى إلى حالة من التذمر والاعتراض على تلك السياسة، ما دفع السلطات إلى محاولة تعويضها بفتح منفذ تسويقي جديد لها، وقد تكون هذه أحد أهم أسباب الخطوة إلى جانب السبب السياسي المعروف، في إشارة إلى تمدد النفوذ الإيراني بالعراق.
وأضاف النقيب لـ"العربي الجديد" أنه "رغم المساعي السعودية، فإن الشركات المتضررة لن تجد ضالتها البديلة عن قطر في العراق، فالسوق العراقية تبقى متواضعة، وفيها منافسون مقارنة بما كان الحال عليه في السوق القطرية".
واعتمد العراق طيلة السنوات الماضية في تبادلاته التجارية على المنافذ الإيرانية والتركية بشكل رئيسي، بسبب اشتعال المعارك فيما يقرب من نصف مساحة البلاد (غرب ووسط وشمال) بعد سيطرة تنظيم "داعش" على تلك المناطق بما فيها من منافذ حدودية، خاصة في الأنبار والموصل.
وتزيد المعابر المتعددة لإيران مع العراق من صعوبة الاختراق التجاري السعودي، وفق محللين اقتصاديين. ويمتلك العراق وإيران 9 منافذ برية وبحرية للتبادل التجاري، أهمها معبر "الشلامجة" في محافظة البصرة (جنوب) و "زرباطية" في محافظة الكوت (جنوب شرق بغداد) و"المنذرية" و"برويز خان" في ديالى (وسط العراق) و"جومان" في محافظة أربيل (شمال) فضلا عن ميناء البصرة وميناء أم قصر على الخليج العربي، فيما يعتبر منفذ سومار آخر منفذ بري افتتح بين البلدين نهاية العام الماضي يربط محافظة ديالى العراقية مع محافظة كرمنشاه الإيرانية.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران العام الماضي 2016 وفقا لبيان أصدره الملحق التجاري الإيراني في بغداد رضا زادة أكثر من 13 مليار دولار من ضمنه 6.2 مليارات دولار صادرات غير نفطية.
ويستورد العراق الغاز ووقود السيارات من إيران أيضا بسبب توقف اغلب المصافي، إثر الدمار الكبير الذي ضرب البنى التحتية النفطية العراقية.
وتتركز السلع وفقا للملحق التجاري بالمواد الإنشائية والغذائية والألبان واللحوم والسيارات والأخشاب والحديد والأجهزة الكهربائية والسجاد والقماش وسلع أخرى.
وقال عبد الغني سالم العبيدي، المدير التنفيذي لشركة السندباد للاستيراد والتصدير في بغداد لـ"العربي الجديد"، إنه "من المبكر جداً القول إن البضائع السعودية ستنافس أو تضايق الإيرانية لعدة اعتبارات أهمها أن التجارة مع إيران قديمة منذ 13 عاماً ومباشرة بعد الاحتلال الأميركي".
وأضاف العبيدي: "هناك أيضا تجار كبار لهم ارتباطات سياسية يمسكون بزمام ذلك، كما أن هناك معابر كثيرة وطرق وصول آمنة جنوب العراق للبضائع أفضل من الأنبار الساخنة وطرقها غير الآمنة، وبالتأكيد التاجر يضع هذا بالحسبان".
وتابع: "ستكون البضائع السعودية موجودة، لكن دورها ثانوي ونفوذ إيران السياسي يستخدم في مجال التجارة، وله تأثير كبير فهناك سلع تركية أرخص يمكن جلبها للعراق، لكن مسؤولون في وزارة التجارة ما زالوا مصرين على جلب الإيرانية الأقل جودة والأعلى سعرا".
وبلغت الصادرات السعودية للعراق خلال العام الماضي 2016 الماضي نحو 900 مليون دولار، وفق محمد الحسني المسؤول في دائرة المنافذ الحدودية العراقية بوزارة التجارة، مشيرا إلى أن هذه الصادرات جاءت عبر الكويت وأغلبها منتجات غذائية.
وقال الحسني: "السوق العراقية قابلة لاستيعاب كل شيء، لكن يبقى الأمر رهينة مدى قدرة السعودية على منافسة البضائع الإيرانية والتركية من حيث الجودة".
وتابع: "نتوقع أن يرتفع حجم التبادل بعد فتح منفذ عرعر كمرحلة أولى إلى نحو ملياري دولار خلال الأشهر الستة الأولى بعد الافتتاح"، مشيرا إلى أن إمكانية تصدير السعودية حديد التسليح والإسمنت وكابلات الكهرباء، فضلا عن المواد الغذائية وغيرها، كما أن العراق سيصدر للسعودية المنتجات الزراعية والمواد الكيماوية ومواد أولية تدخل في الصناعات السعودية كانت تستوردها من العراق قبل اندلاع حرب الخليج، وحاليا هي تشتريها من دول آسيوية مختلفة بأسعار مكلفة.