لم تؤسس دول مجلس التعاون الخليجي الست علاقات تكاملية خلال العقود الماضية، بل بقيت، في معظمها، دولاً استهلاكية تعتمد على كل ما هو مستورد، ليبقى الاعتماد على الخارج أهم ملامح الاقتصاد الخليجي الريعي، والذي يتغذّى في جلّه على النفط والغاز، ما يعني بداية أن لا ثمن كبيراً ستدفعه قطر، جرّاء الخطوة التصعيدية التي قامت بها السعودية والإمارات والبحرين اليوم، وتبعتها مصر، وربما الحبل على الجرار، كما يقال.
وقلة التأثير السلبي على قطر، جرّاء قرار قطع علاقات "التحالف الجديد" الدبلوماسية، أو إغلاق حدودها ومجالها الجوي مع قطر، تأتي من أمرين وهما:
الأول أن قطر أسّست خلال السنوات الأخيرة علاقات اقتصادية مع دول كبرى، ويمكن أن تؤمن جميع البدائل لسوقها ومستهلكيها، كذلك وقّعت اتفاقات مع خطوط ملاحية كبرى، ما يؤمن احتياجات سوقها المحلية غير الشرهة، نظراً إلى محدودية الاستهلاك.
وأما الأمر الأهم، فهو أن قطر عملت على تنمية اقتصادها وتعدّد موارده، مستفيدة من كونها الدولة الأولى عالمياً بتصدير الغاز المسال، نحو 77 مليون طن سنوياً.
كذلك تشير الأرقام إلى أن قطر هي الدولة الأولى في العالم في إنتاج وتصدير غاز الهيليوم بملياري قدم مكعب سنوياً، وهي الأولى عالمياً أيضاً في إنتاج المكثفات بـ800 ألف برميل يومياً، والأولى عالمياً من حيث حجم أسطول نقل الغاز المسال بـ62 ناقلة.
واللافت أن عائدات قطر من الغاز والصناعات البتروكيماوية انعكست على مواطنيها، ليبلغ متوسط دخل الفرد السنوي 129 ألف دولار، ولتكون أيضاً، الأولى عالمياً، لجهة الدخل والإنفاق الحكومي.
وربما ما يزيد من مناعة قطر، أو التقليل من آثار الحصار الذي يمكن أن يتوسّع تباعاً، ويؤثر على اقتصادات مجلس التعاون جميعها، وليس على قطر فحسب، بحسب ما أظهرت أسواق المال اليوم، أن لدى قطر صندوق ثروة سيادياً بأصول تفوق 335 مليار دولار.
كذلك أسّست قطر صناعة مصرفية متطورة، إذ يعتبر بنك قطر الوطني من بين أكبر 100 بنك في العالم من حيث الأصول البالغة 220 مليار دولار، كما يبلغ إجمالي أصول القطاع المصرفي القطري 1.3 تريليون ريال قطري.
نهاية القول، لا شك أن التوتر المرشح للتصعيد، والذي استهدف قطر منذ نهاية زيارة الرئيس الأميركي للمملكة السعودية، ومنذ اختراق وكالة "قنا" وتقويل الأمير القطري ما لم يقل، سيؤثر على دول مجلس التعاون اقتصادياً، إثر محاولات الحصار البحري والجوي، لكنه على الأرجح، لن يخنق قطر أو يدفعها إلى التنازل عن استقلالية قرارها وسياستها الخارجية.
كذلك سيساهم تصعيد الخلاف في تأخير الملفات الأكثر سخونة بالمنطقة، سواء ما يتعلق منها بالتمدد الإيراني أو ثورات الربيع العربي، ما يدفع بعقلاء المنطقة للدفع نحو التهدئة، على الرغم من الاستغراب من التساهل مع "أعداء الأمة" والتكتل العربي ضد قطر، في خطوة غير مبرّرة، كما خلص إليه مجلس الوزراء القطري اليوم.