أزمة تقاعد في السعودية... وتحذيرات من مخاطر مالية

15 مايو 2017
قلق من تآكل أموال التأمينات(فايز نور الدين/ فرانس برس)
+ الخط -
لأعوامٍ طويلة، ظلت رواتب التقاعد واستثمارات مؤسسات التأمين الاجتماعي في السعودية، تعبّر عن حالة اليُسر المالي في المملكة، غير أن الحال ربما يتبدل في السنوات المقبلة، في ظل تآكل موارد التأمينات وتضخّم أعداد المتقاعدين، ما دعا بعض المسؤولين إلى المطالبة برفع سن المعاش وإلغاء نظام التقاعد المبكر.
وتعمل في السعودية مؤسستان للتأمينات، الأولى باسم المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وهي معنية بالعاملين في القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية، والثانية باسم المؤسسة العامة للتقاعد، ومعنية بالموظفين الحكوميين المدنيين والعسكريين.
وقبل أيام، أكد عبدالله بن محمد العبدالجبار، المتحدث الرسمي باسم المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، أن معدل نمو المعاشات والمنافع الحالية، التي تصرف للمستفيدين أعلى من معدل نمو دخل الاشتراكات، مضيفا أن المؤسسة "لا تواجه أي مخاطر مالية حالية، إلا أنه ينبغي الأخذ في الاعتبار المخاطر المستقبلية، والتي تتمثل في ضمان الوفاء بالالتزامات الخاصة بالأجيال القادمة من العملاء".
ولا يختلف الحال بالنسبة للمؤسسة العامة للتقاعد، المتوقع أن تواجه أزمة أشد قسوة، في ظل وجود ما يهدد قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين.
وباتت الاشتراكات وحدها لا تفي بالتزامات مؤسستي التأمين والتقاعد، ما أثار تساؤلات مجلس الشورى وخبراء ماليين حول استثمارات المؤسستين وتوظيفها.

وبحسب بيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، بلغ إجمالي ما صرفته المؤسسة من معاشات، حتى ديسمبر/كانون الأول 2016، نحو 144 مليار ريال (38.4 مليار دولار)، لأكثر من 2.4 مليون مستفيد، فيما كان إجمالي المعاشات المستحقة للعام الماضي وحده نحو 15.6 مليار ريال (4.2 مليارات دولار)، لنحو 324 ألف مستفيد.
وتوقع تحليل لوكالة ستاندر أند بورز العالمية للتصنيفات الائتمانية، أن يشكل تنامي الشيخوخة السكانية في السعودية ضغطاً على التمويلات العامة والدين الحكومي، خلال العقود الثلاثة المقبلة، في حال عدم إجراء إصلاحات حكومية لاحتواء التكاليف المتصلة بتقدم العمر.
ونتيجةً لذلك، سترتفع نفقات الحكومة، ذات الصلة بتقدم العمر، على المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول العام 2050، مقابل 6% حالياً.

المخاوف من أزمة
وتحاول المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، رفع قيمة الاشتراكات الشهرية، من 9% إلى نحو 14% من إجمالي الراتب الشهري، ووقف التقاعد المبكر، الذي يتيح للموظف الذي أمضى 25 عاما في الوظيفة، التقاعد.
وكشف مساعد محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية للشؤون التأمينية، عبدالعزيز الهبدان، في تصريحات صحافية، عن أن المؤسسة تريد أن تعيد النظر في التقاعد المبكر، كونه يشكل عبئاً مالياً على نظام التأمينات.
وهو أمر يرفضه خبراء ماليون، مؤكدين أن مؤسستي التأمينات والتقاعد، حصلتا على عشرات مليارات الريالات في السنوات الماضية، وعلى دعم كبير من الدولة، ولكنهما أخفقتا في تنمية تلك الأموال، بسبب الاستثمارات غير الجيدة.
ويقول ماجد العمري، الخبير المالي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إنه من غير المقبول تحميل الموظفين مسؤولية إخفاق المؤسسات، لافتا إلى أن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تحصل على واحدة من أعلى نسب الاستقطاع على المشتركين عالمياً، وتصل إلى 20%، منها 9% يتم تحصيلها من الموظف، و11% من الشركة، بجانب 2% لبرنامج ساند (برنامج التأمين ضد التعطل).
ويضيف العمري: "لم نسمع يوماً من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أنها سترفع رواتب التقاعد أو تعطي بدلات غلاء معيشة أو تغطية تأمينية طبية، بل دائماً ما نسمع منها الشكاوى والمخاوف من المستقبل ومن التقاعد المبكر".
ويتابع: "بحسب تقارير المؤسسة يقارب عدد المشتركين فيها 9.9 ملايين فرد، منهم 1.7 مليون تقريباً سعوديون، و8.2 ملايين وافدون، ويبلغ حجم إيراد الاستقطاع السنوي منهم نحو 24 مليار ريال (6.4 مليارات دولار)، منها 4.2 مليارات ريال (1.13 مليار دولار)، من المواطنين، والباقي من الوافدين الذين يستقطع من رواتبهم 2% لأخطار مهنية".
ويشير إلى أن مصروفات المؤسسة تقارب 15.6 مليار ريال سنوياً (4.2 مليارات دولار)، أي أن الاشتراكات تزيد على المصروفات بمقدار 7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار)، في العام الواحد، وهو ما يعني أن الاشتراكات ستبقى كافية لتغطية المصروفات، ولكن المشكلة ليست في الأرقام، بل في إدارة هذه الأرقام.

استثمارات ضخمة
وتملك المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، استثمارات ضخمة بأكثر من 5% في كل من الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" ومصارف الراجحي وسامبا والاستثمار والرياض، وشركتي الاتصالات والأسمدة العربية السعودية "سافكو"، فضلا عن عشرات الاستثمارات الأخرى لا تظهر في قوائم سوق المال "تداول" لكونها أقل من 5%، وتدر عليها هذه الاستثمارات أكثر من 8 مليارات ريال سنوياً (2.13 مليار دولار)، وهو مبلغ كاف لتغطية نفقات المؤسسة لستة أشهر، دون النظر في قيمة الاشتراكات الشهرية التي تفيض أصلا بنحو 7 مليارات ريال (1.86 مليار دولار).
كما لدى المؤسسة استثمارات عقارية وخارجية، لم تفصح عنها، وفق خبراء ماليين، ما يرفع إيراداتها لأكثر من 30 مليار ريال سنوياً (8 مليارات دولار)، وفي حال استثمار الفائض فإن الإيرادات ستزيد بمعدل 700 مليون ريال سنوياً (187 مليون دولار).
ويقول محمد الشمسان، الرئيس التنفيذي لمؤسسة دراية المالية: "مندهشون من حلول القائمين على التأمينات، والتي لا تتجاوز رفع الأقساط الشهرية، أو إلغاء التقاعد المبكر، ورفع سن التقاعد".

ويضيف: "كل ما تريده المؤسسة هو تصدير الأزمة للموظف المشترك في التأمين، وكأنها تعاقبه، لأن المتقاعدين يعيشون طويلاً ولا يموتون، فهي تريد أن يتقاعد الموظف ويموت بعد عام أو عامين، والأفضل أن يموت فوراً، حتى لا تدفع له، وكأنها تدفع له من حسابها الخاص، لا مما دفعه لها طوال 35 عاماً من العمل، بينما السياسة الفاشلة لأموال التأمينات هي ما أدت إلى الوضع الحالي، حيث تمت خسارة المليارات دون محاسبة".
ويتابع: "المؤسسة العامة للتأمينات تحاول أن تبحث عن مخرج لمأزق عدم نجاح استثمارات أموال مئات الآلاف من المتقاعدين لأكثر من 40 عاماً".

مأزق التقاعد المبكر
لا يبدو وضع المؤسسة العامة للتقاعد المعنية بالموظفين الحكوميين المدنيين والعسكريين، أفضل حالاً من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وإنما تواجه هي الأخرى أزمة أكثر وضوحاً وقسوة، تهدد قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين.
ويبلغ عدد المتقاعدين المستفيدين من صندوق التقاعد نحو 889.6 ألف شخص، يحصلون سنوياً على 49 مليار ريال (13 مليار دولار)، في وقت أكدت فيه المؤسسة أن إيراداتها انخفضت بنسبة 65%، من دون أن تفصح عن الأسباب، كما أنها تعاني من زيادة سنوية في عدد المتقاعدين بنحو 7.4%.
وتشتكي المؤسسة من استنزاف التقاعد المبكر لمواردها، بسبب قلة اشتراكات الموظف وطول فترة المنافع التي يحصل عليها بعد التقاعد.
وكشفت المؤسسة، في تقريرها السنوي الأخير الصادر حديثاً، أن نسبة التقاعد المبكر بلغت 26% من المشتركين، وتشكو من أن نظامي التقاعد المدني والعسكري، يمنح للمتقاعدين فرصة استرداد كامل اشتراكاتهم مع عوائد الاستثمار لهم لبلوغ السن التقاعدي لمدة تتراوح بين 11 و12 عاماً، وأن أي منافع تدفع بعد هذه الفترة يتحملها المتقاعد المدني أو العسكري.
ولأجل الحد من هذا الاستنزاف، طلبت المؤسسة من وزارة المالية رفع الاشتراكات الحالية لصاحب العمل بمقدار 5% للموظف المدني و7% للموظف العسكري، مع رفع سن التقاعد ليكون 65 عاماً.
غير أن مجلس الشورى شن هجوما على المؤسسة العامة للتقاعد بسبب هذه الخطط، وطالبها بمراجعة استثماراتها، مؤكدا أن 43% من الأموال تستثمر في الأسهم، وهي نسبة كبيرة من رأس المال، وأن الصندوق العسكري سينفد الاحتياطي منه بعد ست سنوات، وهذا يعتبر إفلاساً، وعلى المؤسسة أن تتدارك هذا الأمر.
كما طالب مجلس الشورى مؤخراً إدارة التقاعد بمراجعة استراتيجياتها الاستثمارية، بهدف رفع معدل العائد على الاستثمارات سنوياً بما يماثل المعدلات الاستثمارية التي تحققها المؤسسات التقاعدية في العالم.
ويقول ماجد الحقيل، الخبير المالي، إن ما يحدث في مؤسستي التأمينات والتقاعد هو نتيجة سلسلة من الخيارات الاستثمارية الخاطئة، خاصة في التقاعد التي دخلت سوق الأسهم بقوة، وهو مجال مرتفع المخاطر.
ويقول الحقيل لـ "العربي الجديد": "مؤسسة التقاعد تحاول أن تصور المستقبل وكأنه مظلم، مع أنه في الحقيقة الموظف لا علاقة لها بإهدارها مليارات الريالات في سوق الأسهم، وعليها أن تحل مشكلتها بعيدا عن جيب الموظف أو مستقبله".
ويضيف: "هناك تجارب وحالات مرت بها بعض الدول، على سبيل المثال كان لدى اليونان مشكلات مالية في صندوق التقاعد على مستوى المنافع، واضطرت في نهاية المطاف إلى إعادة هيكلة المنافع التي لم تكن كافية، حتى اضطروا إلى موازنة الصندوق، وحدث ذلك في إسبانيا وإيطاليا، وفي فرنسا أيضا، ولكن إذا لم تكن البداية لمعالجة المشكلة صحيحة، فستكون النهاية سيئة".
ويتابع الخبير المالي: "كل الإحصائيات التي تعلنها مؤسستا التأمينات والتقاعد لا تعني شيئاً بالنسبة للمواطن البسيط، كما أنه غير معني بخطط الجهات الحكومية والقضايا المتعلقة بالعجز، ولابد من حل هذه المشاكل، فمن سيتضرر من أزمات التقاعد والتأمينات، هم كبار السن الذين لا يستطيعون إيجاد مصدر دخل آخر، وسيكونون هم الضحية".
ويؤكد عادل عرب، الخبير المالي، لـ "العربي الجديد"، أن التقاعد المبكر الذي تحاربه التأمينات أفضل لها على المدى البعيد، ولكن هناك قصور في فهم ذلك. ويقول: "راتب الموظف الذي يبقى حتى سن الستين يرتفع نحو 60% عما كان عليه عند سن الخمسين، كما أنه عندما يتقاعد بالسن الكاملة يحصل على راتبه بالكامل، بينما لا يحصل عندما يتقاعد مبكراً سوى على 62% من الراتب فقط، الحلول يجب أن تكون في طريقة إدارة الأموال لا في زيادتها فقط".
المساهمون