إخفاقات حكومة روحاني والضائقة المعيشية وراء احتجاجات إيران

31 ديسمبر 2017
سيتم حذف 30مليون شخص تقريبا من الدعم الحكومي(فرانس برس)
+ الخط -
لم ينفك منتقدو سياسات الرئيس الإيراني حسن روحاني عن الحديث عن إخفاقاته الاقتصادية وعدم قدرته على تحقيق الوعود التي قطعها للناخبين، وهو ما تحول لاحتجاجات شعبية، كانت في فترات سابقة متفرقة وذات طابع تجمعات ضئيلة لمواطنين اعترضوا على عدم تحصيل حقوقهم من مؤسسات مالية، إلا أن عددها زاد خلال الأيام الأخيرة وارتفعت حدتها، بعد تقديم روحاني موازنته للعام الجديد إلى البرلمان.
وكانت الحكومة قد أعلنت في الميزانية الجديدة عن رفع أسعار المحروقات، وعلى رأسها البنزين، وهو ما ترافق مع ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية، ما أثار امتعاض كثيرين.

وكانت المؤسسات المالية السبب في الشعلة الأولى للاحتجاجات الحالية، إذ راهنت على فتح باب الاستثمارات، وهو ما جعل عدداً من المواطنين الإيرانيين يضعون أموالهم في صناديقها للاستثمار في مشاريع صغيرة، إلا أن العراقيل التي كانت وما زالت تواجه تطبيق الاتفاق النووي لم تحقق هذا الحلم البسيط لبعضهم، ومنهم من خسر أموالاً طائلة، فطالبوا الحكومة بمحاسبة المؤسسات التي يشرف عليها البنك المركزي، ودفع ما أودعوه في صناديقها.

وقد أكد رجل الدين المحافظ، إمام صلاة الجمعة في طهران أحمد خاتمي، بعد اليوم الأول من الاحتجاجات الواسعة التي خرجت في مشهد ونيشابور شمال شرق البلاد، أن 80% من المحتجين هم من أصحاب تلك الأموال، وبعد ذلك أكّد وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي، في تصريحات صادرة عنه اليوم الأحد، أن المطالبات المعيشية في الشارع ليست جديدة، فقد كانت الحكومة والسلطة القضائية والبرلمان على علم بوجود تجمعات متفرقة، اعتراضاً على ما حدث مع تلك المؤسسات وكان الكل قلقين من أن تنجرّ لاعتراضات أكبر، وهو ما حدث على أرض الواقع.

وألقى فضلي باللائمة على الحكومة السابقة، قائلاً إن حكومة روحاني الحالية ورثت نظاماً مالياً بمشاكل متعددة، ووثق بها الشارع، وذكر كذلك أن أكثر من 95% من المشكلات المالية المرتبطة بقضية المؤسسات قد حلت، وتم دفع بعض المستحقات للمواطنين، وما تبقى أقل بكثير من المبالغ الكلية، ووعد بإزالة العراقيل التي تقف بوجه زيادة مستوى الإنتاج وتحقيق نمو اقتصادي لافت، فضلاً عن حل مشاكل البطالة ورواتب المتقاعدين.
وتكرّرت هذه الوعود النظرية على لسان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية محمد باقر نوبخت، الذي قال أكثر من مرة إن "الحكومة أخذت بعين الاعتبار برامج لزيادة عدد فرص العمل ورفع مستوى الإنتاج". لكن الشارع الإيراني لم يشهد نتائج لذلك، على الرغم من الحديث عن حصد مكتسبات الاتفاق النووي، وهو ما كان من المفترض أن يؤدي إلى تراجع مشكلة البطالة، وهي المعضلة المعيشية الأبرز.

وباعتراف مسؤولين من مؤسسات رسمية فإن عدد العاطلين عن العمل في البلاد يتجاوز الأربعة ملايين نسمة، وهناك تقارير تؤكد أن العدد الحقيقي أكبر من هذا، باحتساب من يعملون في وظائف يومية غير ثابتة.
وكانت الموازنة الجديدة قد قررت تخفيض عدد المواطنين الذين يحصلون على رواتب الدعم الحكومي، وشددت شروطها وأبقتها لعدد بسيط، ما أضاف أبعاداً أخرى للاحتجاجات القائمة.
ويلاحظ أن خطة رفع الدعم عن السلع الاستراتيجية التي طبقت في زمن الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، ترافقت مع دفع رواتب بديلة تقدر بخمسة وأربعين ألف تومان إيراني، التي كانت تساوي حينها 45 دولاراً، لكنها الآن تبلغ عشرة دولارات تقريباً.

وتسعى الحكومة الحالية إلى توفير هذه المبالغ التي تدفع لكل الإيرانيين لوضعها في صناديق برامج السلامة التابعة لوزارة الصحة وسيتم حذف أسماء ما يقارب 30 مليون شخص من خطة الدعم الحكومي، فضلاً عن مسألة خفض موازنة المشاريع العمرانية، وهو ما يقلل من فرص العمل والنمو الاقتصادي بطبيعة الحال بحسب الخبراء.
ولتعديل قيمة البنزين حكاية أخرى، إذ قالت مصادر حكومية إن سعر الليتر سيصبح 1500 تومان بعد رفع الدعم، وتشير لائحة الموازنة إلى رفع أسعار المحروقات بنسبة 50%، وهو ما لاقى اعتراض كثيرين، وقد يعدل السعر جذرياً عقب وقوع الاحتجاجات الأخيرة.

وكتبت صحيفة كيهان المحافظة تقريراً في وقت سابق ذكرت فيه أن حكومة الاعتدال تدّعي أنها ستستخدم هذه الأموال في إيجاد فرص عمل، لكن تجربة مماثلة طبّقت في عام 2010 تسببت بصدمة اقتصادية انعكست على المصانع والمشاريع، ما أدى لإغلاق بعضها وخسارة مليون و400 ألف شخص وظائفهم، وإن طبّق الأمر ذاته فهذا يعني فقدان ما يقارب من 400 ألف آخرين أشغالهم.
وبعد ارتفاع حدة الجدل حول مسألة سعر البنزين، ذكر عضو لجنة الموازنة البرلمانية هادي بهادري، وهي اللجنة المكلفة دراسة التفاصيل قبل عرضها على التصويت، أن قيمة البنزين المقترحة ستعدل، وسيتم تخفيضها، مؤكداً أن البرلمان الإيراني يخالف البنود التي ستزيد الضغط المعيشي، وسيتم عرض التفاصيل في وقت لاحق، بحسب تعبيره.

أما النائب أحمد أمير أبادي فذكر في تصريحات لوكالة "فارس" أن من أبرز المآخذ هو عدم اعتماد الحكومة على نظرية "الاقتصاد الممانع"، التي يدور الحديث عنها في البلاد منذ فترة ويؤيدها الطيف المحافظ، وتعتمد على القدرات المحلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتطالب بالابتعاد عن الصادرات النفطية والاستثمارات الأجنبية.
وعلّق هذا النائب على الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، قائلاً إن بعض المواطنين تجمعوا بالفعل أكثر من مرة أمام البرلمان خلال الأشهر الماضية، بسبب قضية المؤسسات المالية، لكن البنك المركزي تذرع بحجج كثيرة، ما أطال حل هذا الموضوع، واعتبر أن الاحتجاجات الحالية سيتم استخدامها لتحقيق مآرب سياسية أخرى قد تضرّ بالبلاد، بسبب تطور الشعارات، داعياً إلى الحذر والتعامل معها بوعي ودراية، كما انتقد أمير أبادي ارتفاع أسعار بعض السلع، متوقعاً أن يتسبب هذا بزيادة نسبة التضخم.

وارتفعت أسعار بعض المواد الغذائية في الأسواق خلال العام الماضي، وزادت النسب مؤخراً، فرفعت الحكومة سعر الخبز بنسبة 18% قبل شهرين تقريباً، وتراجعت عن القرار، لكن بعض المخابز استفادت من الأمر ورفعت الأسعار بنفسها.
وبحسب البنك المركزي، ففي شهر ديسمبر/ كانون الثاني ارتفعت أسعار الألبان بنسبة 4.3%، والبيض 53.7%، والأرز 2.2%، والحبوب 3.2%، والفواكه 24.3%، واللحم والدجاج 7.5%، فضلاً عن مواد أخرى.

وتعليقاً على رفع أسعار البيض بالذات، وهو ما أثار انتقادات واسعة، قال المتحدث باسم الحكومة محمد باقر نوبخت إن السبب لا يرتبط بقرار حكومي، لكن انفلونزا الطيور أثرت على الإنتاج المحلي وعلى إنتاج دول أخرى، وقد أعدمت أعداد تراوح نسبتها بين 14 إلى 20% من الدجاج الذي كان يؤمن البيض في البلاد، مضيفاً أن الحكومة أخذت ترخيصاً باستيراد 19 ألف طن من البيض وقد تستورد 22 ألف طن أخرى.
من ناحيتها رأت صحيفة وطن امروز المحافظة، تعليقاً على ارتفاع الأسعار، أن عدم وجود رقابة من قبل الحكومة المعتدلة هو ما تسبب بزيادات تراوح نسبها بين 2 إلى 67%، محذّرة من مزيد من التضييق على الوضع المعيشي للمواطنين.

وفي حديث مع "العربي الجديد" حول ظاهرة ارتفاع الأسعار قال الخبير الاقتصادي شريف خسروي إن زيادة الطلب على السلع الغذائية مؤخراً ساهمت في رفع الأسعار، فاحتياجات السوق في ازدياد، قائلاً إن الأعوام الماضية لم تشهد انخفاضاً في الأسعار رغم التحكم بنسبة التضخم.


المساهمون