ديون المرضى تتسبب بأزمة بين مستشفيات تونس والحكومة الليبية

23 أكتوبر 2017
المستشفيات التونسية تتخوّف من تضرر أعمالها (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
أثارت الديون المتراكمة لمصلحة المصحات والمستشفيات الخاصة التونسية، لدى الحكومة الليبية، أزمة بين الجانبين، لا سيما بعد أن كشف مختصون تونسيون عن مطالب ليبية بخفض المستحقات إلى نحو النصف، حتى يتم سدادها، فيما قال مسؤولون ليبيون إن الديون المقدرة مبالغ فيها من الجانب التونسي وتحتاج إلى مراجعات.
وتنفق ليبيا على علاج المرضى في الخارج، في إطار الدعم المعمول به منذ سنوات طويلة في الدولة، لكن السنوات الست الأخيرة شهدت تراكماً في سداد قيمة العلاج بالخارج، في ظل الأزمة الاقتصادية، والتي تعاني منها الدولة بسبب الصراعات السياسية والمسلحة وتهاوي مواردها النفطية.

وباتت المصحات (المستشفيات) الخاصة في تونس قلقة من عدم القدرة على تحصيل مستحقاتها، كما أن الإقدام على خطوات من شأنها إيقاف التعامل مع الجانب الليبي يعرض أعمالها للتراجع بشكل كبير، لا سيما أن الوافدين من الجارة الجنوبية يمثلون نحو 40% من عملاء المصحات في عموم تونس، فيما ترتفع هذه النسبة إلى 70% في المحافظات الجنوبية القريبة من الحدود.
وتقدر غرفة المصحات الخاصة في تونس الديون المتراكمة على الجانب الليبي منذ بداية عام 2011 بنحو 200 مليون دينار تونسي (83.3 مليون دولار)، بينما قالت وزارة المالية الليبية إنها تبلغ نحو 50 مليون دولار فقط.

وقال بوبكر زخامة، رئيس غرفة المصحات الخاصة، إنه جرى التوصل نهاية العام الماضي 2016 إلى اتفاق مع الجانب الليبي للحصول على 50% من الديون المستحقة، وعمل تدقيق معمق للنسبة المتبقية، يتم على إثرها صرف الديون المتراكمة بعد ضمان حقوق الطرفين، لكن "السلطات الليبية نقضت الاتفاق ودعت المصحات إلى تخفيض 50% من الديون أو عدم الدفع"، مضيفاً أن "القطاع يخضع لعملية ابتزاز".
وأشار زخامة، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى أن بعض المصحات التي تعاني من وضع مالي صعب قبلت الشروط الليبية بخفض مستحقاتها بنسب تراوح بين 20% و50%، بينما رفضت نحو 12 مصحة من جملة 55 معنية بهذه الديون تقديم أي تنازلات.

ولفت إلى أن قيمة معاملات كل مصحة من السوق الليبية تراوح بين 6 و8 ملايين دينار سنوياً (2.5 و3.3 ملايين دولار)، معرباً عن قلقه من تأثير ارتفاع الديون الليبية على الاستثمارات الصحية في بلاده.
وبحسب بيانات رسمية فإن نحو 380 ألف مريض أجنبي يعالجون سنوياً في تونس، منهم 320 ألف مريض ليبي، وتبلغ معاملات القطاع نحو 500 مليون دينار (208 ملايين دولار).

وبالإضافة إلى التحركات التي تجريها غرفة المصحات الخاصة، تعمل وزارة الصحة التونسية على إيجاد تسويات، بهدف استخلاص أكبر قدر ممكن من الديون، ومنع الضائقة المالية التي تتخبّط فيها بعض المصحات، في ظل ارتفاع كلفة الاستثمارات الصحية في السنوات الأخيرة بفعل تراجع قيمة الدينار التونسي أمام الدولار واليورو.

وقالت نبيهة البرصالي، المديرة العامة للصحة، إن وزارة الصحة التونسية توصلت إلى شبه اتفاق في أغسطس/ آب الماضي مع السفارة الليبية في تونس، على سداد أقساط ديون المصحات، بعد تكوين لجنة مشتركة لمراجعة الفواتير، مشيرة إلى أن هذا الإجراء يضمن إيجاد إطار شفاف للتعامل بين الجانبين.

وأضافت نبيهة، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن القطاع الصحي في تونس يجد منافسة كبيرة من عدد من بلدان المتوسط، مشيرة إلى أن الحفاظ على ثقة دول الجوار في الخدمات التونسية مهم جداً لتطوير الخدمات الصحية وتنمية هذا القطاع الاقتصادي الواعد.
وبحسب دراسة متخصصة في تونس فإن 27% من المرضى الأجانب يأتون إلى تونس للكفاءات والمهارات الطبية و26% لعامل القرب الجغرافي من بلدانهم، و15% لجودة العلاج، و8% للتخاطب بنفس اللغة و7% لحسن الاستقبال، مع إعراب 94% من المستجوبين عن إمكانية العودة إلى تونس للاستشفاء أو السياحة.

ويعتبر قطاع الصحة من أفضل القطاعات الناشطة، والتي تنمو بنسق سريع وتخلق العديد من الاستثمارات، كذلك لعب القطاع الخاص دوراً فاعلاً في استقطاب العديد من المرضى الأجانب للعلاج، وهو ما ساهم في تعزيز إيرادات النقد الأجنبي للدولة وخلق فرص العمل.
على الجانب الآخر، قال مراجع غيث، وكيل وزارة المالية الليبية، إن الديون المتراكمة للمصحات التونسية تبلغ نحو 50 مليون دولار فقط، مضيفاً أن "هناك من يبالغ بالأرقام".
وأوضح غيث، في تصريح خاص، أن التأخر في سداد الديون وراء ارتفاع قيمتها، إذ تطلب المصحات مبالغ إضافية، مشيراً إلى أنه في حالة الدفع نقداً مع المراجعة المالية الدقيقة سينخفض المبلغ.

وقال محمد علي، المستشار في وزارة المالية، إن الديون المطالب بها تحتاج إلى تدقيق، من حيث مقارنة الفواتير بالأسعار المعمول بها في تونس، وقانونية التعاقد مع المصحات والعيادات والمراكز الطبية بالخارج.
واضطرت الحكومة الليبية مؤخراً إلى خفض المبالغ المخصصة للعلاج في الخارج، في ظل الصعوبات المالية التي تواجهها، إذ تعتمد الدولة في نحو 95% من إيراداتها على النفط، حسب البيانات الرسمية.

وقال الصديق القحماصي، رئيس لجنة العلاج بالخارج في وزارة الصحة بحكومة الوفاق الوطني، إن العلاج يقتصر حالياً على أمراض الأورام والقلب فقط.
وأضاف القحماصي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن الديون المستحقة على الحكومة نظير علاج الليبيين في تونس غير معلومة بشكل دقيق، ولكن هناك لجنة مشكلة من وزارة المالية ووزارة الصحة وديوان المحاسبة لمتابعة الإجراءات القانونية والمالية في صحة تلك الديون ووضع برنامج لسدادها تباعاً .

ووفق بيانات صادرة عن ديوان المحاسبة في التقرير السنوي للعام الماضي، فإن الديون المتراكمة على العلاج في الخارج بلغت 1.4 مليار دينار (مليار دولار)، لم يتم اتخاد إجراءات للحد من تزايدها وتخفيضها وهي ديون متراكمة مند عام 2011.
وقال الرماح محمد صالح، الملحق الصحي في سفارة ليبيا بتونس، إن بعض المصحات التونسية أغلقت أبوابها أمام المرضى الليبيين المعالجين على حساب الدولة الليبية لتراكم المستحقات المالية.

وأشار صالح، في تصريح خاص، إلى أن وزارة الصحة الليبية اتفقت مع ثلاثة مصحات تونسية على ألا يتجاوز متوسط تكاليف علاج المرضى الليبيين فيها ثلاثة آلاف دولار، حفاظاً على المال العام، لا سيما في ظل تراكم الديون.
ووفق ديوان المحاسبة الليبي، فإن الفساد المالي طاول ملف العلاج بالخارج، لافتاً إلى وجود أعداد كبيرة غير معروفة من المواطنين موزعين على 41 دولة، وقد أنتج ذلك التزامات مالية كبيرة وهدراً للمال العام مع عدم الرضا على مستوى الخدمات الطبية المقدمة للمرضى.


المساهمون