ابتزاز أميركي وتهديد سعودي

15 سبتمبر 2016
أهالي ضحايا هجمات 11/ سبتمبر (سبنسر بلات/ Getty)
+ الخط -
في منتصف شهر أبريل الماضي هددت السعودية ببيع سندات خزانة وأصول واستثمارات أخرى مملوكة لها بالولايات المتحدة تبلغ قيمتها 750 مليار دولار في حال إقرار مجلس النواب الأميركي (الكونغرس) لمشروع قانون يحمل المملكة مسؤولية اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 ويسمح لضحايا الاعتداءات وعائلاتهم بمقاضاة حكومات أجنبية، خاصة السعودية، يشتبه أنها تدعم أعمالا إرهابية موجهة ضد الولايات المتحدة.

وعقب الكشف عن هذا التهديد بأيام قليلة كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أبلغ مشرعين أمريكيين في مارس/آذار الماضي، أن المملكة ستجد نفسها مضطرة لبيع سندات خزانة وأصول بالولايات المتحدة قيمتها 750 مليار دولار خشية أن تتعرض للتجميد بأوامر قضائية أمريكية في حال إقرار القانون الذي سينال من ثقة المستثمرين حسب تعبير الجبير.

ونقلت الصحيفة وقتها عن مسؤولين بالإدارة الأمريكية ومساعدين بالكونغرس أن التهديدات السعودية كانت محور نقاش محتدم في الأسابيع الأخيرة بين مشرعين ومسؤولين بالخارجية ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون).

الآن، وافق الكونغرس وبالإجماع على القانون المثير للجدل، فهل تنفذ السعودية ودول الخليج المتضامنة معها تهديداتها بسحب استثماراتها من أميركا التي تزيد مجتمعة عن 1224 مليار دولار موزعة ما بين أصول واستثمارات مباشرة في شركات ومشروعات عملاقة بقيمة 612.3 مليار دولار وسيولة وودائع بقيمة 285.2 مليار دولار وسندات دين آجلة بقيمة 264.7 مليار دولار وسندات دين عاجلة بقيمة 62.3 مليار دولار؟

الأمر ليس بهذه السهولة التي يتصورها كثيرون، فدول الخليج، وعلى رأسها السعودية، غير قادرة أصلاً على تسييل أصولها بشل عاجل وخلال فترة زمنية قصيرة أو الخروج بسرعة من الأسواق الأميركية، وحتى في حال وجود هذه الرغبة فإن القوانين الأميركية القائمة وطبيعة هذه الأصول تعرقلان ذلك، إضافة إلى أن السعودية ربما ليس لديها القدرة أو الرغبة على شن حرباً مالية ضد الولايات المتحدة في هذا التوقيت بالذات.

وبعيداً عن الاعتبارات السياسية فإنه من الناحية الاقتصادية فإن الخروج السريع للاستثمارات السعودية من أميركا يعني تكبد هذه الاستثمارات خسائر فادحة خاصة إذا ما تحدثنا عن سحب الودائع والأصول المالية السائلة مثل الأذون والسندات المستثمرة لدي المصارف والخزانة الأميركية.

كما أن القوانين الأميركية نفسها تضع قيوداً شديدة على المستثمرين الأجانب في حال تخارجهم من الأسواق وبيع حصصهم خاصة في المشروعات الاستثمارية ذات الحساسية واعتبارات الأمن القومي مثل الموانئ والمطارات والمصارف، وبالتالي فإن طبيعة الاستثمارات السعودية داخل الولايات المتحدة وصعوبة تسييلها بسرعة تحدان من إمكانية دخول المملكة في حرب مالية مع الادارة المالية.

وعلى سبيل المثال فإن بيع شركة أرامكو السعودية مصفاة بورت آرثر المملوكة لها بولاية تكساس والتي تعد أكبر مصفاة بأمريكا ليس بالأمر السهل خاصة ونحن نتحدث عن صفقة بمليارات الدولارات، وينطبق هذا الأمر على استثمارات أخري منها مثلا سيتي بنك أكبر مصرف أميركي، واستثمارات سعودية في قطاعات التنقيب عن النفط والغاز والمطارات والصناعة والخدمات.

نحن إذن أمام ابتزاز مالي وسياسي تمارسها السلطات الأميركية ضد السعودية، فهذه السلطات تدرك جيدا الصعوبات التي تواجه دول الخليج ومنها السعودية في عملية سحب استثماراتها التي تزيد عن 1.2 تريليون دولار كما قلت، ولذا تراوغ للضغط أكثر على المملكة للحصول على امتيازات مالية وسياسية، صفقات سلاح وطيران مثلا وبمليارات الدولارات، مواقف تجاه بعض قضايا منطقة الشرق الأوسط، مزيد من الابتزاز المالي للمملكة في الحرب على داعش، تنسيق أكبر في القضايا المتعلقة بالنفط في الأسواق العالمية .

وأمام هذا الابتزاز فإن على السعودية التحرك لحماية أموالها بدلأ من أن يتم مصادرتها عبر اصدار أحكاما قضائية لصالح ضحايا.
 
والحل إذن أمام دول الخليج هو السحب التدريجي لهذه الأموال، وهو ما حدث بالفعل منذ هجمات 11 سبتمبر، وزادت حدته عقب انهيار أسعار النفط، ومن المتوقع أن يتصاعد حال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية.

وبالأرقام فإن استثمارات السعودية في السندات الأمريكية كانت تتجاوز 1.3 تريليون ريال (ما يعادل 346 مليار دولار) في عام 2011 تراجعت إلى 116.8 مليار دولار بنهاية مارس/آذار الماضي حسب أرقام وكالة "بلومبرغ"، تليها الإمارات باستثمارات 62.5 مليار دولار.

لكن في حال سحب هذه المليارات التي تقدر بمئات المليارات من الأسواق الأميركية فإن السؤال هنا: أين تتجه هذه الأموال، وما هي الأسواق المرشحة لاستيعابها، وهل لدي الاقتصاديات العربية فرصا يمكن أن تكون أدوات استثمارية جيدة ومربحة لهذه المليارات الهاربة من الولايات المتحدة؟

المساهمون