"توتال" و"سوناطراك"..الخلاف بين الجزائر وفرنسا يتجاوز ساحات التحكيم الدولي

08 اغسطس 2016
محطة غاز في عين أميناس بولاية إليزي الجزائرية (Getty)
+ الخط -
لا تزال حرب التصريحات والبيانات متواصلة بين شركة "توتوتال" النفطية ونظيرتها الجزائرية "سوناطراك"، بعد أن قررت الشركة الفرنسية في يوليو/تموز الماضي، طلب تحكيم دولي بحق الجزائر؛ بسبب تغيير شروط تقاسم الربح في عقود النفط والغاز منتصف العقد الماضي.
ويرى مراقبون في الجزائر، أن توجه توتال إلى التحكيم الدولي بعد أكثر من 10 سنوات من الصمت، يحمل الكثير من الخلفيات والمناورات من طرف العملاق النفطي الفرنسي، فاختياره لهذا التوقيت الذي تمر فيه الجزائر بظروف عسيرة جاء لحاجة في نفس مسؤوليها.
ويعتبر المدير العام الأسبق لشركة "سوناطراك" النفطية عبد المجيد عطار أن صمت "توتال" لعشر سنوات كان بسبب ضخامة المشاريع التي مُنحت لها في الجزائر على غرار صفقة استغلال حقول "تين فوي- تبنكورت" و"حمراء"، واليوم لا تجد ما تخسره بعد انكماش تواجدها في الجزائر لـ 35% من حقل الغاز "تين فوي - تبنكورت" جنوب شرقي الجزائر الذي ينتج 14 مليون متر مكعب يومياً.
ويكشف الرجل الأول سابقا على رأس أكبر شركة في الجزائر بحكم تجربته لـ "العربي الجديد" أن تحرك "توتال" جاء كخطوة استباقية منها، بعد ورود أخبار تفيد بتوجه "سوناطراك" نحو طلب تعويضات من "توتال" جراء انسحابها من مشروع استغلال حقل الغاز "أهنات" جنوب الجزائر.
ودافع عبد المجيد عطار عن "الضريبة عن الأرباح الاستثنائية "التي أقرتها الجزائر قبل 10 سنوات، حيث اعتبره قرارا سياديا وعملت به العديد من الدول في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية بعد تجاوز سعر برميل النفط عتبة 100 دولار، حتى تدعم الخزينة العمومية بأموال أخرى.
وأشار المتحدث ذاته إلى ضعف قدرات الجزائر في قضايا التحيكم الدولي، قائلا: "الجزائر لا تزال تلميذا غير موفق فيما يتعلق بقضايا التحكيم الدولي، وبالتالي، وبالرغم من قانونية الضريبة التي فرضتها الحكومة على الشركات الأجنبية، إلا أنها لا تحسن التفاوض دوليا لضعف الإمكانيات في مجال التحكيم الدولي".

قانون 2006

واستندت "توتال" في شكواها إلى عدم قانونية المادة 101 من قانون المحروقات الصادر سنة 2006 والتي تلزم بتطبيق رسم غير قابل للحسم على الأرباح الاستثنائية التي يحققها الشركاء الأجانب على حصة الإنتاج الخاصة بهم عندما يكون متوسط أسعار البرنت يتجاوز 30 دولارا للبرميل، وذلك فيما يخص عقود الشراكة المبرمة بين "سوناطراك" وشريك اجنبي أو أكثر.
وقد بدأ تطبيق هذا الرسم منذ أغسطس/آب 2006، وتبلغ نسبة الرسم حسب نفس المادة 5% كحد أدني و50% كحد أقصى.

تقوم "سوناطراك" من أجل سداد هذا الرسم لدى الخزينة العمومية، بخصم كمية المحروقات الموافقة لمبلغ هذا الرسم من حصة إنتاج الشركاء الأجانب المعنيين، وهي القاعدة التي ظلت شركة "توتال" تمتثل لأحكامها طيلة العقد الأخير، فيما عارضت شركة "أناداركو" الأميركية هذه المادة وتوجهت قبل 5 سنوات إلى التحكيم الدولي، إلا أن الجزائر فضلت التفاوض المباشر عام 2012 الذي أدى بالجزائر إلى دفع 4.4 مليارات دولار لـ "أناداركو بتروليوم" الأميركية.
وتقدر شركة "توتال" الفرنسية فاتورة الضرائب على "الأرباح الاستثنائية" التي دفعتها للجزائر في الفترة الممتدة من 2006 إلى 2016 بحوالي 305 ملايين دولار، ما جعلها تطالب الحكومة الجزائرية بغرامة 500 مليون دولار.

توقيت مريب

ويعتبر الخبير النفطي سعيد بغول أن اختيار توتال لهذا التوقيت "غير بريء"، فالشركة الفرنسية دفعت الرسم على الأرباح الاستثنائية أو ما يُعرف بـ"TPE" طيلة العقد الأخير.
ويرى بغول في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن الشركة الفرنسية تحركت لهدفين، إما لتوسيع تواجدها في الجزائر من خلال الضغط ولي ذراع الجزائر حتى تمنحها مشاريع للتنقيب واستغلال النفط والغاز، وبالتالي منافسة شركة "ايني" الإيطالية و"هاليبرتون" الأميركية وغيرها من الشركات النفطية العالمية، أو أنها تسعى للخروج من الجزائر بعد أن تأكدت أن المعاملة التفضيلية التي كانت تخصصها الحكومة للشركات الفرنسية قد انتهت مدتها.
وتراجعت كمية إنتاج "توتال" في الجزائر من 41 ألف برميل يوميا إلى 23 ألف برميل، ما يعادل 2% من الإنتاج الإجمالي في الجزائر.
وتزامن خروج "توتال" مع سحب الجزائر لملف استغلال "الغاز الصخري" الذي حازت على أغلب صفقات استغلاله الشركة الفرنسية بالإضافة إلى دخول عقود الغاز المبرمة بين الجزائر والعمالقة النفطيين العالميين مرحلة الوقت بدل الضائع، تجعل حسب بعض القراءات خطوات "توتال" ضد الجزائر تحمل خلفيات وأسرارا تجعلها ليست بالضرورة ما تظهر، أي مجرد نزاع بين شركة تبحث عن مصالحها ودولة تدافع عن ثرواتها، بل تتعداها لتصبح حرب بقاء في سوق يعاني الركود وتهاوي الأسعار.

ويتساءل أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة الجزائر عبد الرحمان عية، حول التوقيت بالقول: "لماذا يرتفع الضغط اليوم على الجزائر لتتخلى عن هذا المورد المالي الإضافي (يقصد الرسم على الأرباح الاستثنائية) في وقت هي في حاجة ماسة إليه".
وتابع: "ربما لأن الجزائر رفضت مراجعة عقود الغاز والتي تقتضي حتما تخفيض الأسعار على اعتبار أن سعر الغاز مربوط بسعر النفط ".
ويرى عية، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أنه لا يمكن إغفال عامل أخر وهو تخفيض الجزائر لوارداته خاصة القادمة من القارة الأوروبية التي تعاني من أزمة مالية، ما يجعل الشركات النفطية ورقة في يد حكوماتها للضغط على الجزائر".
وبنفس السياق وفي أول تعليق له على الموضوع، لمح وزير الطاقة إبان إقرار الجزائر لـ "الرسم على الأرباح الاستثنائية" شكيب خليل، إلى أن "توتال" الفرنسية كانت تتجنب التصريح بالأرباح الاستثنائية على عكس باقي المستثمرين الأجانب في القطاع.
واستدل خليل بشركتي "إيني" الإيطالية و"مرسك" النرويجية اللتين كانتا تعلنان عن هذه الأرباح، في إشارة إلى تحايل الشركة الفرنسية عن التصريح بالأرباح الاستثنائية.
وأوضح خليل أن الرسم على الأرباح الاستثنائية الذي تم فرضه في عهده على الشركات النفطية، مكن الجزائر من الاستفادة من إيرادات إضافية بنحو 1.5 مليار دولار سنويا، بعد سنة 2005.
وقامت الجزائر بعدة استثمارات كبرى في مجال المحروقات، بلغت قيمتها الإجمالية، بين عامي 2000 و2015، حوالى 100 مليار دولار.
وفيما يتعلق بالقدرات التصديرية للجزائر في مجال الغاز، فقد ارتفعت إلى ما يقارب 90 مليار متر مكعب سنوياً، من بينها 50 مليار متر مكعب سنوياً عن طريق خطوط الأنابيب الثلاثة الموجهة نحو أوروبا.

المساهمون