استثمارات الطاقة..التقشف يهدد "دينامو" الاقتصاد الجزائري

الجزائر

حمزة كحال

avata
حمزة كحال
24 اغسطس 2016
83959642-3ABD-4D93-82C3-9FDA52212C13
+ الخط -
ثمة تساؤلات تطرح نفسها بقوة في الجزائر، بشأن مدى قدرة العضو في أوبك على ضخ استثمارات في قطاع الطاقة والحروقات، في ظل تبني الحكومة سياسةً تقشفية صارمة قلصت من خلالها الميزانيات المخصصة لمختلف القطاعات.
ويعيش قطاع الطاقة الذي تمثل عائداته أكثر من 95% من عائدات البلاد من العملة الصعبة و60% من الموازنة العامة للجزائر، أوقات صعبة، ففي الربع الأول من العام الجاري، تراجعت عائداته بنحو 40% مقارنة مع السنة الماضية، حيث بلغت فاتورة بيع النفط الجزائري 5.5 مليارات دولار مقابل 9.1 مليارات دولار في نفس الفترة من السنة الماضية.
وحسب الخبراء، فإن هذه الأرقام تكشف مدى صعوبة معادلة الطاقة في الجزائر، فالدولة باتت بين مطرقة تراجع مداخلها من بيع النفط، وسندان ضخ الأموال في القطاع من أجل رفع الإنتاج والاستثمار في الطاقات الأخرى، مع مراعاة سياسة شد الحزام التي وضعتها الحكومة الجزائرية.
ليست هذه المعادلة الصعبة الوحيدة التي تواجه قطاع الطاقة في الجزائر، فحسب الخبير في مجال الطاقة، شمس الدين شتور، فإن "أكبر إشكالية تواجه البلاد في مجال الطاقة هي غياب رؤية واضحة لمستقبل القطاع، إذ لا يعقل أن يتواصل تسيير القطاع بنفس الطريقة في وقت تُضيع فيه الجزائر سنويا ما يقارب 10 ملايين طن من المكافئ النفطي، ويقال لنا إن الطلب يرتفع سنويا بـ 13%. إذن ليس هناك أية استراتيجية لترشيد الاستهلاك المحلي".
وأضاف شتور لـ "العربي الجديد"، أن قطاع الطاقة لم يكن له ورقة طريق واضحة، فمنذ الاستقلال قبل أكثر من نصف قرن والجزائر تعتمد على مصدر وحيد للطاقة.
وظل هاجس "رفع الإنتاج" يقف عقبة في وجه الحكومات المتعاقبة في الجزائر، التي ضخت حوالى 100 مليار دولار بين عامي 2000 و2015 في شريان القطاع، لكن دون جدوى، مما جعل السجال والجدال يكثر حول طريقة تسيير قطاع المحروقات والطاقة في البلاد، والذي هزته فضائح فساد عديدة، صاحبها تبذير للأموال.

ويتميز قطاع الطاقة في الجزائر، حسب عبد المجيد عطار، المدير العام الأسبق لشركة "سونطراك" النفطية بعدم الاستقرار، "فالقطاع عرف تغييرات في الأسماء والوجوه بالعشرات في السنوات الأخيرة وهذه الأمور لا تساعده على التطور".
وأضاف عطار، لـ "العربي الجديد"، أن العلاقة بين الحكومة والشركات الكبرى في المجال كـ "سونطراك" النفطية و"سونلغاز" لإنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز، كانت دائما مضطربة، في وقت يجب فيه على هذه الأطراف أن تعمل في انسجامٍ وقت الأزمات، وهو ما لم يحدث.
وفي نفس السياق، يرى المستشار الدولي في الطاقة ومدير مكتب "إيمرجي" للدراسات الاستراتيجية في باريس، مراد برور، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن طريقة تسيير قطاع المحروقات والطاقة في الجزائر لا تتلاءم مع التطورات التي يعرفها قطاع النفط والغاز في العالم.
وقال برور: "يجب أن نقر أن اتخاذ القرار في شركة سونطراك النفطية أصبح مركزيا، كما نلاحظ غياب نظام معلومات دقيق يسمح بمتابعة المشاريع ونسب تقدمها في وقتها الحقيقي، فالمعلوم انه إذا تأخر أي مشروع فإنه يتطلب أموالا إضافية ويعطل موارد كثيرة".
ويرى برور ضرورة الإسراع في تبني تسيير استراتيجي جديد للقطاع يعتمد على تكييف المنظومة الحالية مع متطلبات سوق الغاز والنفط، بالإضافة إلى طلب استشارات دولية في السياق، دون إغفال جانب تطوير الموارد البشرية.
ومما يزيد من طين قطاع الطاقة الجزائري بلة، هو هجرة الشركات الأجنبية للبلاد بسبب الخلافات المتكررة مع الشريك الجزائري، أو بفعل التخوفات الأمنية بسبب الأوضاع التي تعيشها المنطقة عموما، حيث قررت مؤخرا شركة "بريتيش بتروليوم" و"شتات أويل" النرويجية، التخلي عن 40% من عمالها الأجانب تمهيدا لمغادرتهما الجزائر.


أيضا انتقل الخلاف بين شركة "توتال" الفرنسية و "سونطراك" الجزائرية إلى التحكيم الدولي، بعد طلب الشركة الفرنسية تعويضاً عن "ضريبة الأرباح الاستثنائية" التي فرضتها الجزائر سنة 2006، تطورات جعلت الخبراء يتخوفون من أن تطرح الحكومة الجزائرية مناقصات لا تجد لها زبائن.
وأمام تقاطع التوقعات حول مستقبل أسعار النفط في البورصات العالمية، ومن أجل تنويع مصادر الطاقة، قررت الحكومة الجزائرية توجيه قطاع الطاقة نحو الطاقات المتجددة، إلا أن نفس المشاكل واجهت هذه الخطوة بداية من نقص الأموال الموجهة لاستغلال الطاقات المتجددة، وصولا إلى نقص تأهيل العنصر البشري.
يقول الخبير المختص في الطاقات المتجددة، عبد النور بلكامل، إن "الصدمة المالية التي تعصف بالبلاد أيقظت بعض الاهتمام لدى الجزائريين بالطاقات المتجددة، إلا أننا لا نزال أمام خطاب عقيم، ففي سنة 2011
كنا نتوقع 540 ميغاواطاً مع حلول 2015 من الطاقات المتجددة و1950 ميغاواطاً بين 2016 و2020، إلا أن الحكومة الجزائرية قالت في شهر مارس/ آذار الماضي، إن الرقم سيستقر عند 380 ميغاواطاً نهاية السنة".
وتابع بلكامل لـ "العربي الجديد"، قائلا: "نحن ننتظر أرقاما أخرى جميلة من طرف الحكومة مع كلمات جميلة فيما يبقى الواقع أمراً آخر".
وتبلغ حصة الجزائر من إنتاج النفط مليون برميل يوميا، إلا أنها لا تستطيع تغطية هذه الكمية.
وفي ما يتعلق بالقدرات التصديرية في مجال الغاز، ارتفعت إلى ما يقارب 90 مليار متر مكعب سنوياً، من بينها 50 مليار متر مكعب سنوياً عن طريق خطوط الأنابيب الثلاثة الموجهة نحو أوروبا، بينما تخص القدرات المتبقية صادرات الغاز الطبيعي المميع.
وقد بلغت قيمة صادرات الغاز الطبيعي بالنسبة إلى الجزائر في 2013 حوالى 12.82 مليار دولار، بحجم صادرات بلغ 32.7 مليار متر مكعب.
ومن حيث الإنتاج، وبالنظر إلى الأرقام المتوفرة للفترة الممتدة من سنة 2005 إلى 2015، فإن كمية الإنتاج قد تراجعت من 232 مليون طن من المكافئ النفطي (وحدة طاقة تعتمد بالتقريب على الطاقة الناتجة من احتراق 1 برميل أو 159 لتراً من النفط الخام) إلى 200 مليون طن من المكافئ النفطي، أي بنسبة بلغت 13%، صاحبها تراجع الكميات المصدرة للخارج من 141 مليون طن من المكافئ النفطي سنة 2005 إلى 100 مليون طن كم المكافئ النفطي أي بنسبة 29%.
ووفق بيانات رسمية حديثة، ارتفع الطلب الداخلي من 17 مليون طن من المكافئ النفطي سنة 2005 إلى 58 مليون طن من المكافئ النفطي السنة الماضية، أي بزيادة لامست 70%، بعدما زاد الطلب على المنتجات النفطية المكررة، خاصة البنزين وزيت الديزل، بنسبة 5.5% إلى 18.3 مليون طن، بينما زاد استهلاك الغاز الطبيعي 5% إلى 39.5 مليار متر مكعب.

ذات صلة

الصورة
الجزائر/جنازة عميد الحركة الحقوقية علي يحيى عبد النور/العربي الجديد

سياسة

تعرّض ممثلون لرئاسة الجمهورية في الجزائر لملاحقة حادة من قبل ناشطين غاضبين، خلال تشييع جنازة عميد الحقوقيين وفقيد الحركة الحقوقية في البلاد علي يحيى عبد النور.
الصورة
الجزائر

سياسة

فوجئت السلطة الجزائرية باندلاع حراك 22 فبراير، ووجدت نفسها مضطرة لتلبية بعض مطالبه. لكن رغم استقالة عبد العزيز بوتفليقة وبدء محاكمة العديد من أركان النظام السابق، الصدام بين السلطة والحراك مستمر إلى اليوم لأسباب عدة.
الصورة
الجزائر/سياسة

سياسة

في الذكرى الأولى لاندلاع الحراك الشعبي في الجزائر في 22 فبراير/ شباط من العام الماضي، يمكن تسجيل إنجازات عدة له، لا سيما على صعيد عودة الزخم للشارع، في الوقت الذي لا تزال فيه الكثير من التحديات ماثلة أمام الحراكيين.
الصورة
الجزائريون يحيون الذكرى الأولى للحراك الشعبي ضد بوتفليقة

سياسة

استعاد الجزائريون، اليوم الجمعة، لحظات تاريخية حدثت قبل عام، عندما اندلعت مظاهرات وحراك شعبي عارم ضد السلطة والرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومنظومة الحكم التي كانت ترافقه، وقد تدفقت سيول بشرية في شوارع العاصمة الجزائرية وأغلب المدن احتفاء بالذكرى.
المساهمون