الاقتصادات العربية تتزاحم على الاقتراض من صندوق النقد

31 يوليو 2016
المصريون قلقون من زيادة المعاناة (فرانس برس)
+ الخط -


على مدار الشهور الماضية من العام الحالي 2016، توصلت عدة دول عربية إلى اتفاقيات للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، ومن لم يحصل على تسهيلات اتجه لتنفيذ توصيات بعثات الصندوق بتنفيذ برامج للإصلاح الاقتصادي.
آخر الدول التي أعلنت عن لجوئها للتفاوض مع صندوق النقد الدولي قبل أيام، هي مصر التي تحتاج إلى دعم مالي قدره نحو 21 مليار دولار على مدار 3 سنوات، منها 12 ملياراً تسهيلات من صندوق النقد، وتخطط للحصول على باقي المبلغ من خلال مؤسسات دولية وإقليمية أخرى، بموجب إتمام اتفاقها مع صندوق النقد.

أما المغرب والعراق، فأنهى كل منهما اتفاقاً مع صندوق النقد للحصول على تسهيلات ائتمانية بنحو 3.4 مليارات دولار للرباط، و5.3 مليارات دولار لبغداد، وذلك خلال يوليو/تموز الجاري، فيما سبقتهما تونس في يونيو/حزيران الماضي بتوقيع اتفاق مع الصندوق يتيح لها تسهيلاً ائتمانياً بنحو 2.9 مليار دولار خلال أربع سنوات، وفي نفس الشهر حصل الأردن على تمديد اتفاقه مع الصندوق أيضاً بنحو ملياري دولار على مدار ثلاث سنوات.

كما احتلت بلدان الخليج واجهة أخبار صندوق النقد منذ مطلع العام الماضي، حيث يجري نشر التقارير الخاصة بالبعثات الفنية الخاصة بمشاورات المادة الرابعة لصندوق النقد، والمعنية بالمراجعة الفنية وتقديم المشاورة المالية للدول الأعضاء.
وانخرطت دول الخليج بتنفيذ ما خلصت إليه توصيات تقارير خبراء صندوق النقد، من تخفيض لفاتورة الدعم، والتوقف عن تمويل العديد من المشروعات العامة، وأعلنت بعض البلدان كالمملكة العربية السعودية عن تبني برنامج للخصخصة بدأت فيه بالإعلان عن قائمة مشروعات يجري العمل لاتخاذ خطوات بشأن طرحها للاكتتاب العام.




ويضاف لبلدان الخليج الجزائر أيضاً، التي أشارت تقارير خبراء صندوق النقد إلى تدهور أوضاعه الاقتصادية في ظل أزمة انهيار أسعار النفط بالسوق الدولية والتي بدأت منتصف 2014.
لم يبق من الدول العربية للتواصل مع صندوق النقد الدولي، إلا الدول التي تشهد حروباً أهلية كسورية واليمن، أما السودان فمباحثاته مستمرة مع الصندوق والتي كان آخرها في يونيو/حزيران 2015، ولم يتوصلا بعد لاتفاق جديد يتيح للخرطوم تسهيلاً ائتمانياً جديداً.

الأزمة تحيط بالجميع

عادة لا يتوحد العرب في الشؤون الاقتصادية أو السياسية، ولكن على ما يبدو فإن أزمتهم الاقتصادية والمالية جمعتهم على غير رغبتهم في اللجوء لصندوق النقد الدولي، والتعاطي مع أجندته التي ستكبد المواطنين المزيد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية.
وهو ما ظهرت آثاره بالفعل في بلدان الخليج عبر تراجع نشاطها الاقتصادي وتسريح جزء غير قليل من العمالة الأجنبية، كما أن الدول العربية غير الخليجية تعاني من العديد من المشكلات مثل ارتفاع معدلات المديونية، وتضخم الأسعار، والبطالة والفقر، وكذلك زيادة وتيرة الهجرة غير الشرعية.

كما اتخذت دول عربية كتونس ومصر خطوات فعلية بشأن تخفيض الدعم وفرض ضرائب جديدة، وتقليص الوظائف الحكومية، وتخفيض قيمة العملة المحلية، والاستعداد لمزيد من شروط صندوق النقد الدولي.
وهذا التزاحم العربي على صندوق النقد، يطرح سؤالاً مهماً، حول جدوى صندوق النقد العربي، الذي أُنشئ منذ عقود؟ إذا كان هذا الصندوق عاجزاً عن استقبال دولة عربية واحدة ليقدم لها برنامجاً تمويلياً للتخلص من مشكلاتها المالية، فما هي جدوى بقائه.

إن قيام صندوق النقد العربي بتقديم التمويل في اتفاقيات لا تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات، يمثل تقديم مسكنات للدول العربية الأعضاء في هذا الصندوق، ولا يمثل حلاً جذرياً لمشكلات الدول المتلقية للتمويل. فضلًا عن أن الصندوق لا يمتلك أجندة أو برامج للإصلاح الاقتصادي تختلف في شيء عما يقدمه صندوق النقد الدولي.

ومما يزيد من بروز غياب دور مؤسسات العمل العربي المشترك في حياة الاقتصاديات العربية، أن الشأن الاقتصادي رغم ضرورته لم يشغل بال القمة العربية التي شهدتها موريتانيا منذ أيام. ومن باب أولى فإن القمة الاقتصادية العربية يتوقع لها ألا تنعقد في ظل المناخ السائد بالمنطقة من صراع بيني، من شأنه أن يجعل الأجندة الاقتصادية في آخر الاهتمامات.




وحتى لو عقدت هذه القمة الاقتصادية، فماذا يمكنها أن تقدم؟ فالحديث عن مشروعات استثمارية في القمم الاقتصادية العربية الماضية والتي شهد عام 2009 أولها، هي عبارة عن حبر على ورق. والحديث عن تقديم أموال عربية بينية تنقصه قدرة دول الفائض النفطية عن القيام بهذا الدور، بعد ظهور العجز بموازناتها العامة، وإقدام بعضها على الاستدانة المحلية، والتخطيط للحصول على قروض خارجية.

مخاطر سيطرة الصندوق

لا تسمح الأوضاع السياسية والأمنية بالمنطقة العربية بتحقيق استقرار اقتصادي يمكن في إطاره اعتبار لجوء الدول العربية لصندوق النقد الدولي أمراً طارئاً، وستعيد ترتيب أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية بعده بشكل يمكنها من الذاتية.
ولكن إضافة للأوضاع السياسية والأمنية المضطربة، أتت أزمة انهيار أسعار النفط، لتزيد من شدة وطأة المشكلات الاقتصادية، وبالتالي ستظل المشكلات الاقتصادية ممتدة لفترة طويلة، ويطرح هذا الأمر مجموعة من المخاطر الاقتصادية على الدول العربية، في حالة تطبيقها لأجندة صندوق النقد الدولي.

وقد أجرى صندوق النقد الدولي مراجعات على الصعيد الأكاديمي والنظري لأجندته، وهذه المراجعات منشورة على صفحات مجلة التمويل والتنمية التي تصدر عن الصندوق، حيث خلصت هذه المراجعات إلى أن السياسات التي فرضها الصندوق خلال المرحلة الماضية لم تحقق تحفيز النمو، ولم تضمن تحقيق توزيع عادل للعائد من ارتفاع معدلات النمو، وأن سياسات التقشف لم تكن دوماً إيجابية.
ومع ذلك فإن الاطلاع على تقرير البعثات الفنية من صندوق النقد للدول العربية، تتضمن نفس المعالجات السابقة من استهداف العجز الرقمي بالموازنات العامة وموازين المدفوعات، دون الاكتراث بما تؤدي إليه هذه الإجراءات من تداعيات سلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

كما أن ضعف الموقف المالي والاقتصادي في الدول العربية، سينعكس على موقفها التفاوضي مع بعثات الصندوق، وسيكون تركيزها على اجتياز العقبات التمويلية، بغض النظر عن التبعات المتعلقة بالجوانب التنموية، وهو ما يعني اتباع سياسة المسكنات، وليس تبني استراتيجيات لحلول جذرية.
وتفتقد الدول العربية التي توصلت لاتفاق مع صندوق النقد أو تلك التي في طريقها للوصول إلى اتفاق، إلى وجود هيئات رقابية حقيقية، مما يطلق يد الحكومة في التصرف في التسهيلات الائتمانية أو شروط الحصول عليها، دون مشاركة مجتمعية، حتى تتوفر لها عمليات الدعم على المستوى المجتمعي، أو محاسبة الحكومة على آليات النجاح أو الإخفاق.

والمثير للقلق أن الدول وخبراء صندوق النقد لن يعتنوا ببرامج الحماية الاجتماعية للمتضررين من المواطنين، جراء تطبيق أجندة صندوق النقد، وإن تمت فستكون شكلية، بسبب عدم توافر إحصاءات دقيقة لتغطية شرائح المواطنين الذين يجب أن تشملهم برامج الحماية الاجتماعية.



المساهمون