روسيا وتركيا... المصالح أولاً

21 ديسمبر 2016
تركيا وروسيا تدركان حاجة كل طرف الشديدة للآخر
+ الخط -



بعد أقل من 15 ساعة عن حادث اغتيال السفير الروسي، أندريه كارلوف، بالعاصمة أنقرة، افتتح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مشروع نفق السيارات العملاق المعروف باسم "أوراسيا"، والذي يربط الشطرين الأوروبي والآسيوي لمدينة إسطنبول، ويعد أول نفق بحري لعبور السيارات تحت قاع مضيق البوسفور، وتتجاوز تكلفته 1.246 مليار دولار.

وبعد هبوط دام لساعات أمام الدولار عقب حادث الاغتيال عاودت الليرة التركية تحسنها أمام الدولار، خاصة بعد اطمأنت أسواق المال والصرف والمستثمرين المحليين والأجانب أن حادث مقتل السفير الروسي لن يؤثر بدرجة كبيرة على العلاقات الاقتصادية والسياسية الروسية التركية.

وبعد ساعات من حادث الاغتيال كان البنك المركزي التركي يعقد اجتماعاً دورياً لا ليقرر إجراءات استثنائية للتعامل مع الاضطرابات المالية المتوقعة في الأسواق جراء الحادث، خاصة سوق الصرف، لكن اجتمع ليقرر الإبقاء على سعر الفائدة وليس رفعها كما توقع كثيرون بهدف تشجيع الاستثمار وعدم رفع تكلفة الأموال داخل المجتمع.

أردوغان وبوتين تصرفا كرجلي دولة في الأزمة الأخيرة وفوتا الفرصة على الساعين لتخريب العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، فعقب الحادث مباشرة اتفق أردوغان مع بوتين، على إرسال وفد روسي من 18 محققاً، إلى أنقرة، للتعاون في كشف ملابسات الحادث.

وعقب حادث الاغتيال أيضاً لم يسارع بوتين للإعلان عن قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية كما جرى عقب إسقاط القوات التركية مدمرة روسية على الحدود السورية التركية، لأنه يعرف الحصاد المر الذي يمكن أن يتعرض له اقتصاد بلاده جراء مثل هذه القرارات العنيفة والمتسرعة، بل كانت تصريحاته هادئة ومتزنة، خاصة حينما قال إن حادثة اغتيال السفير استفزاز يستهدف علاقاتنا الطيبة مع تركيا.

كثيرون راهنوا على توتر العلاقات الاقتصادية الروسية التركية عقب مقتل السفير، وكثيرون توقعوا صدور رد فعل روسي عنيف تجاه أنقرة، وكثيرون توقعوا انهياراً للعملتين التركية والروسية على خلفية هذا الحادث وغيره من الحوادث الإرهابية الأخيرة، لكن البلدين تجاوزا الحادث ووضعاه في سياقة الطبيعي، على الرغم من تلميح بعضهم أن منفّذ اغتيال السفير الروسي خدم في فريق أردوغان الأمنى.

تركيا وروسيا تدركان حاجة كل طرف الشديدة للآخر، فالبلدان لديهما هدف واحد هو تقوية العلاقات الاقتصادية وزيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار مقابل 40 مليار، وأن تكون أنقرة منفذاً لصادرات روسيا من الغاز نحو أوروبا، والبلدان تركيا يتجهان للتخلي عن الدولار والتعامل بالليرة والروبل في المبادلات التجارية.

روسيا بحاجة شديدة لتركيا، خاصة مع معاناة الاقتصاد الروسي منذ فرض العقوبات الغربية، وتهاوي أسعار النفط، وحظر استيراد المواد الغذائية من بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وارتفاع معدلات التضخم وتهاوي الروبل وهروب الاستثمارات الخارجية، كما أنها بحاجة إلى السلع والمنتجات التركية لخفض حرارة الأسعار.

وروسيا أيضا بحاجة إلى تنفيذ مشروع خط أنابيب "السيل التركي"، وبناء محطة "أكويو" الكهروذرية في تركيا، والبالغ تكلفتها الإجمالية 25 مليار دولار.

وتركيا في حاجة لروسيا، خاصة مع الهزات الأخيرة التي تتعرض لها عملتها المحلية منذ انقلاب يوليو الفاشل، وتراجع السياح الأجانب بسبب العمليات الإرهابية المتواصلة، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي بسبب انخفاض موارد النقد الأجنبي.

المساهمون