سوم النفط والمنح والصراع... ثلاثية قهر تحاصر جنوب السودان

27 نوفمبر 2016
تعطلت موارد الدولة وبلغ التضخم مستويات قياسية (سبنسر بلات/Getty)
+ الخط -
تعجز حكومة دولة جنوب السودان منذ أشهر عن سداد رواتب مئات الآلاف من العاملين في الخدمة المدنية والشرطة والجيش، وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة بسبب النزاعات التي تعيش على وقعها الدولة الوليدة، عقب الخلاف الكبير بين رئيس الدولة سلفاكير ميارديت ونائبه الأول رياك مشار. 

نقص المساعدات

وقال وزير المالية بدولة جنوب السودان استيفن دياو في تصريحات صحافية قبل يومين، إن حكومته عجزت عن دفع الرواتب بسبب توقف القروض الخارجية التي تعتبرها الدولة أحد أهم موارد تمويل الموازنة البالغة قرابة 22 مليار دولار خلال العام الجاري، والتي غالباً ما تأتي من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وصندوق النقد والبنك الدولي.
وتشترط الدول المانحة تنفيذ إصلاحات اقتصادية تتعلق بالسياسة النقدية والمالية العامة ومكافحة الفساد قبل الشروع في تقديم مساعدات جديدة، لكن الأوضاع السياسية والأمنية لا تساعد جوبا على هكذا إجراءات في الوقت الراهن.
وقال دبلوماسي جنوب سوداني، فضل حجب هويته: "الدول المانحة لن تفي بتعهداتها المالية لدولة لا تلبي احتياجات شعبها، وعليه لا بد من إصلاحات في النظام المالي للدولة بما يسمح بمحاسبة المفسدين".

عبور باهظ

واقترح أعضاء المجلس التشريعي بدولة الجنوب قبل يومين، إيقاف إنتاج النفط كليا في حال كانت الدولة ملزمة بالاستمرار في دفع ما أسموه بـ "المساعدات المالية غير المنطقية للسودان".
وقالت لجنة الاقتصاد بالبرلمان في جلسة مناقشة ميزانية العام المالي 2016-2017 الجمعة الماضي، إن الخرطوم تأخذ 34% من أرباح النفط وعلى جوبا مراجعة قرار الاستمرار في ضخ النفط.
وانخفض الإنتاج النفطي -الذي يعد المورد الرئيسي لدولة جنوب السودان-إلى أقل من 40%، إذ كانت البلاد تنتج قبل المعارك 240 ألف برميل يوميا. ومن دون حقول النفط تخسر جوبا مصدر الدخل الرئيسي لتمويل الحرب.

وتقول الحكومة إن الإنتاج بلغ 164 ألف برميل يوميا، بينما يعتقد محللون أنه قد يصل إلى أقل من 130 ألفا رغم أنه لا يزال المصدر الرئيسي للدخل من الخارج، أي سواء كان عبر عائدات مباشرة أو استدانات تعتمد على إنتاج مستقبلي.
وقال رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الجنوب سوداني، قوك ماكوك، إن البيانات المتاحة للبرلمان تشير إلى أن الخرطوم تحصل على 33.80% من عائدات النفط وفق اتفاقية وُقعت بين البلدين في سبتمبر/أيلول 2012، والتي بموجبها يحصل السودان على 15 دولارا كرسم عبور عن كل برميل نفط تصدره جوبا عبر الأراضي السودانية. لكن انخفاض أسعار النفط لمستويات عند 44 دولارا للبرميل في المتوسط حاليا، دفعت اللجنة الاقتصادية البرلمانية للتهديد بمطالبة الحكومة وقف تصدير الخام تماما.
ولا تمتلك دولة جنوب السودان التي انفصلت عن السودان في 2011، أية حدود بحرية تمكنها من تصدير النفط الذي تستخرج، ما يدفعها للتصدير عبر الأراضي السودانية.
ووفقاً لموقع "سودان تربيون"، فقد برر قوك احتجاج اللجنة بالضغوط الاقتصادية التي تعاني منها دولة الجنوب والعجز الكبير في الميزانية، قائلا: "جنوب السودان يواجه الآن عجز في موارد الميزانية يصل إلى 47% وبالرغم من ذلك عليه أن يقدم مساعدات مالية للسودان"، مشددا على ألا تزيد حصة السودان عن 30% من عائدات النفط كشرط لاستمرار جوبا في ضخه إلى الأسواق العالمية عبر السودان.
إلا أن مصدراً رفيعاً في الحكومة السودانية قال لـ "العربي الجديد" إن حكومة الجنوب لا يمكن أن توقف إنتاج النفط في ظل وضع البلاد الراهن، باعتبار أنه مصدر الدخل الوحيد الذي تعتمد عليه في الوقت الحالي بعد توقف المساعدات والقروض الخارجية. ويري أنها مسألة مناورة سياسية لا أكثر.



ويرى خبير الاقتصاد السوداني، الفاتح عثمان في حديثه إلى "العربي الجديد"، أن قرار البرلمان الجنوبي لا معنى له في ظل وجود الرئيس سلفاكير، مشيراً إلى أن ظروف دولة الجنوب الاقتصادية الحالية تتطلب استمرار إنتاج وضخ النفط.
وقال عثمان إن المقترح سوف يُقابل باستنكار من الدول المانحة التي ترى أنه لا يمكن لجوبا أن تعطل ما تملك من مصادر دخل ثم تطلب من الأخرين مساعدات مالية.
وقال عثمان: "يبدو أن دولة الجنوب تسعى إلى الحصول على شروط جديدة في ما يتعلق بملف النفط والاتفاقيات التي أُبرمت بين الطرفين خاصة بعد تدني أسعار النفط عالميا، لكن سبق أن عبرت الحكومة السودانية عن نيتها التفاوض حول الأمر". ويرى أن إيقاف ضخ النفط فيه ضرر للآبار والأنابيب ويؤثر سلبا على حكومة دولة الجنوب ومواطنيها.
وأوقفت حكومة جنوب السودان إنتاج النفط لأول مرة في عام 2012 على خلفية اتهام الخرطوم بـ "سرقة" النفط الخام، لكن حكومة الخرطوم قالت وقتها إنها صادرت كميات من النفط تعادل الرسوم الجمركية على استخدام خطوط الأنابيب.

تكلفة الصراع

ويرى الباحث في الاقتصاد الجنوب سوداني، إليكس قرنق، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن التأخر في الإفراج عن المساعدات الغربية لدولة الجنوب سيفاقم الوضع الأمني المتوتر بالبلاد ويعمق الانشقاقات وسط المواطنين الذين يتحاربون الآن على أسس عرقية.
وقال: "بدون رواتب لموظفي الخدمة المدنية والشرطة والجيش، فإن مخاطر عدم الاستقرار والعنف تصبح عالية، خاصة أن المواطنين يحملون السلاح ولن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يعانون المجاعة الطاحنة".
ولم يصمد اتفاق سلام جرى توقيعه في 2015. واستمرت الاشتباكات المتقطعة بين الأطراف المتحاربة مما ترك الكثير من السكان البالغ عددهم 11 مليونا، يعانون لإيجاد ما يكفيهم من الطعام.
واستقالت إخلاص طمبرة -معلمة بمدارس جوبا العاصمة للأساس-من وظيفتها مؤخراً بسبب عدم تلقي الراتب منذ أشهر.
وقالت طمبرة لمراسل "العربي الجديد": "لم يُصرف راتبي منذ ثلاثة أشهر. أولادي يتضورون جوعاً فتركت التدريس وأبحث عن عمل آخر يوفر لي أي مصدر دخل لإعالة أسرتي".
وارتفع معدل التضخم في جنوب السودان على أساس سنوي أكثر من 150% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبهذا يبلغ معدل التضخم 835% في 12 شهرا، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية.
وترى الخبيرة في شؤون الجنوب، إنصاف العوض، أن الفشل المالي الحالي سببه الانهيار الاقتصادي الذي يؤكد عجز جوبا عن السيطرة على مقاليد الحكم، خاصة بعد اتساع رقعة الصراع وتحويل الإنفاق إلى مسارات لا تصب في مصلحة المواطن.
وقال الخبير الجنوبي استيفن لوال، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن التسليح أخذ كل الأموال، ما انعكس سلباً على المعالجات المالية التي تخص المواطنين.

المساهمون