فوضى الأسعار تثير القلق من تحرير الدقيق بالسودان

11 أكتوبر 2016
مواطنو الخرطوم يشكون أسعار الخبز(أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

 

أثار عزم الحكومة السودانية رفع الدعم عن القمح والدقيق فى موازنة العام المقبل 2017 ، قلقا متزايداً في الشارع السوداني، الذي يعاني بالأساس من الارتفاع المضطرد لأسعار السلع الأساسية، لا سيما في ظل توقعات خبراء الاقتصاد بتزايد معدلات التضخم بنسبة كبيرة خلال الفترة المقبلة وحدوث فوضى بالأسعار، بينما تشير الحكومة إلى أن تحرير السلع من شأنه إزالة التشوهات في الموازنة الجديدة.

وأعلن وزير المالية، بدر الدين محمود، أن الدولة ستخرج نهائياً من سوق القمح والدقيق، وتفتح باب الاستيراد الحر دون إلزام الجهات الموردة بمواصفات، مشيرا إلى عدم تدخل الدولة في صناعة وتجارة الخبز.

ويقول محمد الناير، الأستاذ المشارك في جامعة المغتربين بالعاصمة الخرطوم، إن الاقتصاد غير مستقر وليس مستعداً لرفع الدعم، مشيراً إلى أن سياسة السوق الحر لا تتوافق مع الاقتصاد السوداني، الذي يتبنى النهج الإسلامي حيث لا توجد حرية مطلقة، بل مقيدة من خلال منع الغش والتدليس.

ويضيف الناير لـ "العربي الجديد"، "لا يمكن أن تُحمّل الحكومة فشلها للمواطن، ويجب على القائمين تحمل مسؤوليتهم، وألا يتم ربط رفع الدعم بزيادة الأجور لأن حوالى 90% من السودانيين فى قطاع غير رسمى".

ويأتي قرار رفع الدعم عن القمح والدقيق مترافقا بتعهد الحكومة بزيادة الأجور، حيث قال وزير المالية إن الحكومة ملتزمة بمراجعة سياسات الأجور ومعالجة الفجوة بينها وبين الأسعار، مشيرا إلى اعتزام الدولة تنظيم السوق ومحاربة الاحتكار والإغراق بضوابط قانونية وليست إدارية.

لكن الناير يقول إن الشركات في السودان دائما ما تستثمر في قرارات الدولة، في ظل غياب الرقابة والفجوة الكبيرة في الميزان التجاري وتراجع قيمة الجنيه السوداني.

ويبلغ سعر جوال الدقيق (50 كيلوغراما) رسميا نحو 158 جنيها ( 24.5 دولارا)، بينما يتراوح بين 210 و240 جنيها ( 32.5 و37 دولارا) في السوق السوداء. وتشير تقارير "غير رسمية " إلى أن الحكومة تدعم القمح بنحو 1.5 مليار جنيه (230 مليون دولار) سنويا.

ويقول أحمد مالك، الخبير الاقتصادي، إن الدقيق والخبز سلعتان استراتيجيتان، وكثير من الدول تدعمها، لأنها تمثل قوت المواطنين، وتدخل في العديد من الصناعات الغذائية، وارتفاع الأسعار بتحرير هذه السلع يؤدي إلى ارتفاع التضخم ويؤثر سلباً على الميزان التجاري وميزان المدفوعات.

ويبدو أن وزير المالية بدر الدين محمود، تجاهل ما حدث في ديسمبر/كانون الأول 2013، عندما اندلعت مظاهرات في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، ضد قرار وزير المالية السابق علي محمود رفع الدعم عن المنتجات البترولية، سقط خلالها أكثر من 200 شخص وفق منظمة العفو الدولية، في حين تؤكد الحكومة السودانية أن عدد القتلى لم يتجاوز 85 شخصاً.

ويبرر وزير المالية الحالي رفع الدعم عن القمح والدقيق، بارتفاع الاستهلاك، قائلا إن "الشعب السوداني يستهلك أكثر مما ينتج ويستورد أكثر مما يصدر".

لكن نواباً في البرلمان، حذروا الحكومة من رفع الدعم، وحملوا وزراء القطاع الاقتصادي مسؤولية تدهور الاقتصاد، مقترحين في المقابل خفض الإنفاق الإداري وإلغاء بعض الوزارات لتقليل الأعباء المالية على موازنة الدولة.

ويرى فاعلون في صناعة الخبز، أن تحرير سلعة القمح والدقيق لن يجدي نفعا، خاصة أن كل عام تحدث فيه ندرة في الدقيق وتلاعب في الأوزان.

ويقول أحد أصحاب المخابز في الخرطوم لـ "العربي الجديد"، إن التحرير يؤدي إلى سيطرة أصحاب الشركات على السوق بحجج واهية، مضيفا "نفضل الوضع القديم بتحكم الدولة في أسعار القمح والدقيق بدلا من تركها للشركات". وتوقع زيادة سعر الدقيق في الفترة المقبلة، بجانب نقص في حجم الرغيف ربما يصل سعر الواحد جنيها ( 0.15 دولار).

لكن البعض يرون أن وزارة المالية، اعتمدت في رفع الدعم بالموازنة المقبلة على الإنتاج الوفير، الذي تم تحقيقه في الموسم الشتوي الماضي للقمح. ويبدو أن توقعات وزير المالية ذهبت في نفس الاتجاه للموسم القادم، الذي بنى عليه آمالا في تمزيق فاتورة القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتي، غير أن البيانات الرسمية تشير إلى أن السودان يستورد 2.5 مليون طن من القمح سنوياً.

وتراجع الجنيه السوداني أمام الدولار بشكل غير مسبوق، بعد أن قفز سعر صرف العملة الأميركية في السوق الموازي (السوداء) إلى نحو 11.5 جنيها، في حين أن السعر الرسمي يبلغ نحو 6 جنيهات.

وفقد السودان 75% من عائدات النفط، المصدر الرئيسي للإيرادات والعملة الصعبة لاستيراد الغذاء، بعد انفصال جنوب السودان عام 2011.

وفي مقابل السخط من تحرير القمح والدقيق، يقول خبراء اقتصاد إن ما تتحدث عنه الحكومة حول دعم لهذه السلع غير موجود بالأساس، بعد تخليها عن دعم سعر الدولار في عمليات استيراد القمح والدقيق.

وكانت السودان تدعم سعر الدولار في عمليات استيراد القمح والدقيق، بتحديده بـ 2.9 جنيه قبل أن ترفعه العام الماضي إلى 4 جنيهات ومن ثم 6 جنيهات مؤخرا.

ويقول عصام الدين بوب خبير الاقتصاد لـ "العربى الجديد"، "ﻻ وجود في الحقيقة للدعم في القمح والدقيق، منذ تعديل سعر الاستيراد".

واتخذت الحكومة السودانية خطوات باتجاه التخلص من دعم القمح والدقيق تدريجياً خلال الفترة الماضية. وعممت وزارة المالية منشوراً منتصف مايو/ أيار الماضي، زادت من خلاله أسعار الدقيق ليصل الجوال منه إلى 155 جنيها بزيادة تبلغ 20 جنيها، بلغ على إثرها رفع أسعار الخبز للمواطنين.

وشكا مواطنو العاصمة السودانية في الأسابيع الأخيرة من زيادة غير معلنة في أسعار الخبز، وتفاجأ غالب المواطنين بأن المخابز تبيعهم قطعتين من الخبز بجنيه ( 0.15 دولار)، بعد أن كانت أربع قطع بذات القيمة.

كما حدثت فيه متغيرات كبيرة في الآونة الأخيرة، تتعلق بعمليات الاستيراد، خاصة ما صدر في الشهور الأخيرة من قرارات تتعلق بفك احتكار سلعة الدقيق، التي تستوردها بعض المطاحن، حيث كشف وزير المالية عن فتح باب الاستيراد لكل الشركات، بعد أن كان ذلك مقتصراً على 3 شركات.

ويرى بابكر محمد توم ، النائب في البرلمان أن رفع الدعم يأتي في إطار البرنامج الإصلاحي، بشرط توسيع قاعدة الإنتاج وتحسين القدرة على توفير السلع الرئيسية، والوصول لمرحلة توطين القمح.

غير أن وزير المالية يبدو مُصراً على سياسة تحرير القمح والدقيق، مشيرا إلى وجود مكاسب تحققت من تحرير عدد من السلع خلال الفترة الماضية.

وعدد الوزير التحديات التي تواجه الموازنة الجديدة أهمها الآثار السالبة للحصار الاقتصادي، والديون الخارجية وتأثير انفصال الجنوب على القطاع الخارجي.

المساهمون