السعودية تقترض وتوقعات بتجاوز العجز 100 مليار دولار

18 يوليو 2015
توقعات بإلغاء مشروعات بسبب تكاليف الحرب وأزمة النفط(العربي الجديد)
+ الخط -
أجبر هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية، والإنفاق الكبير على الحرب في اليمن وكذلك المواجهة المفتوحة مع تنظيم الدولة الإسلامية في الداخل، المملكة العربية السعودية، على الإنفاق بشكل كبير من خارج الموازنة، لتدخل بالفعل في اقتصاد الحرب.
واضطرت المملكة بالفعل إلى تأجيل وإلغاء مشروعات عدة كان متفقا عليها خلال الفترة الماضية مع شركات عالمية، ما يثير قلقا متزايدا من تأثير المرحلة الحالية، التي يتوقع استمرارها لسنوات، على مصير الاحتياطي النقدي الذي بدأ استنزافه ومواصلة الاقتراض، ما ينعكس سلبا على الخدمات المتعلقة بالمواطنين.
وخلال السنوات السبع الماضية، أنفقت السعودية مئات المليارات لتطوير البنية التحتية في إطار جهودها لتنويع الاقتصاد، غير أنها اضطرت في الأشهر الأخيرة إلى إعادة ترتيب أولوياتها، بما يتعلق بالمشاريع المعلن عنها، خاصة مع توقع الاقتصاديين أن يصل العجز في الموازنة بنهاية العام الحالي 2015 لأكثر من 100 مليار دولار.
وأعلنت شركة "تالغو" الإسبانية مؤخرا، أن السعودية ألغت عقداً وقعته معها لتشغيل ستة قطارات سريعة، وهو ما يكشف المسار الذي تنوي السعودية انتهاجه، في الفترة المقبلة لتجنب مزيد من السحب من الاحتياطي، الذي وصل لأدنى مستوياته منذ عام 2012.
وقال تقرير لشركة جدوى للاستثمار السعودية، إن انخفاض أسعار النفط الخام سيتسبب في تسجيل أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم عجزاً بقيمة 106 مليارات دولار، مقارنة بتوقعات حكومية بـ 36 مليار دولار.
ويؤكد رئيس المركز السعودي للدراسات الاقتصادية، ناصر القرعاوي، أن السعودية تمر حاليا بمرحلة متطورة سلبياً، مع تراجع أسعار النفط، التزام الدولة بالإنفاق بكثرة على مشاريع البنية التحتية، بالإضافة إلى فاتورة الحرب في اليمن.
ويقول القرعاوي لـ "العربي الجديد"، إن "الحرب مكلفة بشكل كبير، بالتأكيد كل هذه التأثيرات تضغط على الميزانية، لكن هناك أولويات يجب عدم التقصير فيها، مثل مشاريع توسيع الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأيضا مشاريع الإسكان التي لا تحتمل التأجيل لأنها تمس حياة المواطن".
ويضيف: "يجب أن تعيد وزارة المالية النظر في المشاريع الأخرى، وتأجيل بعضها التي لا يؤثر تأجيلها على المواطن، لحين تحسن الأوضاع الاقتصادية".

ويتابع: "من المتوقع ألا تكون ميزانية العام المقبل بنفس حجم ميزانية العام الماضي، بل ستتأثر كثيراً بهبوط أسعار النفط، خاصة وأن الأولوية في الإنفاق ستكون للحرب".
ويتوقع القرعاوي أن تلجأ وزارة المالية لإصدار المزيد من السندات الحكومية (أدوات مالية للاقتراض) لامتصاص السيولة في السوق المالية والاستفادة منها.
وكان فهد المبارك، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (المصرف المركزي)، قد كشف خلال مؤتمر صحافي في الرياض قبل أسبوع، أن المملكة أصدرت سندات بقيمة 15 مليار ريال (4 مليارات دولار) منذ بداية العام الحالي لتمويل عجز الموازنة، متوقعاً زيادة الاقتراض عبر السندات في الأشهر المقبلة.
وقال المبارك، إن السندات تهدف لسد العجز المتوقع أن يتجاوز التقديرات الأولية البالغة 145 مليار ريال (38.6 مليار دولار) في ظل تزايد الإنفاق الحكومي واستمرار هبوط أسعار النفط.
ومنذ يونيو/ حزيران 2014، هبط سعر خام القياس العالمي مزيج برنت من حوالى 115 دولاراً للبرميل، وهو مستوى ساعد المملكة على تسجيل فوائض متتالية في الميزانية، ليصل إلى أقل من النصف.
ويرى خبراء اقتصاد أن الاقتراض عبر طرح سندات جاء بعد سحب مبالغ كبيرة من احتياطي النقد الأجنبي، والتي يتخوف من استنزافها في ظل استمرار تراجع أسعار النفط عالمياً، لاسيما بعد رفع العقوبات عن إيران بمقتضى اتفاقها مع القوى العالمية الكبرى حول برنامجها النووي الذي يتيح لها تعزيز قدراتها التصديرية للنفط، ما يزيد من تخمة المعروض عالمياً ويدفع الأسعار لمزيد من الهبوط.
وتجاوز السحب من الاحتياطي النقدي، وفقا لمؤسسة النقد العربي السعودي (المصرف المركزي)، أكثر من 65.3 مليار دولار.
ويقول الخبير الاقتصادي، علي الجعفري، " في حال عودة إيران ومع التخمة الحالية في المعروض النفطي، سيبدأ التأثير بشكل أكبر على الأسعار، إن لم يحدث نمو أكبر في الطلب العالمي ما سيكون له تأثير على السعودية".
ويؤكد الجعفري أن السعودية بدأت برفع إنتاجها من النفط بشكل أعلى لتغطية المطلوب في الأسواق العالمية، ولتغطية نفقاتها المتزايدة بسبب الحرب، مضيفا "بالتأكيد الوضع الاقتصادي الحالي سيؤثر على تنمية البنية التحتية".

اقرأ أيضا: 25 ألف دولار لليلة واحدة في فنادق مكة

ويقول إن "تكاليف الحرب ستكون كبيرة، حتى ولو كانت عبارة عن تحالف دولي، فالحصة الأكبر من التكلفة تتحملها السعودية".

ويتابع: "نتوقع أن ترتفع قيمة السندات التي سيتم إصدارها لنحو 38.7 مليار دولار خلال الفترة المقبلة، لكن من المهم ألا تطول فترة الحرب حتى لا تتكبد الموازنة مصاريف أكبر".
ويرى الجعفري أن الحل الأمثل لتجنب تكليف الموازنة المزيد من العجز، هو تأجيل بعض المشاريع "غير الضرورية"، مثل تأجيل بناء 11 ملعبا رياضياً جديداً.
ويقول: "تأجيل هذا المشروع وسط هذه الظروف لن يؤثر على المواطن، خاصة وأن لدينا مشاريع أكثر أهمية من هذه الملاعب، التي لن تنعكس كثيراً على التنمية، من المهم تأجيل بعض المشاريع غير المهمة وغير الضرورية".
لكن خبراء اقتصاد يتخوفون من أن يأتي اقتصاد الحرب على بعض الخدمات الأساسية للمواطن، وعدم اقتصاره على المشروعات غير الضرورية، لاسيما في ظل ارتفاع أعباء المعيشة ووجود احتمالات بتحجيم الإنفاق على زيادة الرواتب في الفترة المقبلة.
ووفقاً للموازنة العامة للدولة، من المتوقع أن تبلغ النفقات العامة 860 مليار ريال في 2015 (229.3 مليار دولار)، وأن تبلغ الإيرادات 715 مليار ريال (190.6 مليار دولار)، وهو ما يجعل أكبر مصدر للنفط في العالم يسجل عجزاً في الموازنة للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في 2009.
ولا يقتصر التراجع على الاقتصاد الحكومي، وإنما انعكس على سوق الأسهم السعودية، حيث أعلنت المملكة عن فتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي فيها في يونيو/حزيران الماضي.
ويقول رئيس لجنة المكاتب الاستشارية الوطنية، الدكتور عاصم عرب، إن أداء سوق الأسهم في تراجع منذ عدة أشهر، وهو ليس بمعزل عن ظروف الحرب أو تراجع أسعار النفط.
ويوضح لـ "العربي الجديد"، أن السحب الكبير من الاحتياطي النقدي كان متوقعا، بسبب تراجع أسعار النفط، ومن الطبيعي أن يؤثر هذا على المشاريع التنموية وبالتالي على أداء سوق الأسهم، فما يتم إنجازه وقت السلم يختلف تماماً عما يمكن إنجازه وقت الحرب".

ولكي تتجنب السعودية المزيد من الأزمات، ولا تكون رهينة لأسعار النفط المتذبذبة، يؤكد الخبير الاقتصادي، الدكتور سعد الدامري، على ضرورة وضع حلول جادة لحماية الاقتصاد من الآثار المستقبلية.
ويقول الدامري لـ"العربي الجديد"، "إذا لم تتحسن أسعار النفط قريباً فلابد من الأخذ في الاعتبار أن الحكومة ستكون مطالبة بالحد من الإنفاق في العام المقبل وخاصة في المشاريع المكلفة، سيكون التحدي الأكبر هو إدارة السيولة المالية المتاحة في البلد".
ويضيف "من أفضل الحلول الممكنة تحويل بعض القطاعات الحكومية للقطاع الخاص، لكي تتخلص الحكومة من الأجور والرواتب والتشغيل وتتحول إلى متلقية للإيرادات كما حدث مع قطاع الاتصالات، الذي تحول من قطاع مترهل ومكلف للدولة إلى قطاع منتج ويوفر لها إيرادات ضخمة".
ويؤكد على "أن يضطلع القطاع الخاص بدور أكبر، ويكون هو المحرك الأساسي للاقتصاد، فلا يمكن أن تستمر الدولة في الإنفاق من أرباح النفط".
ويضيف "اعتمادنا الكلي على النفط أثبت أنه خطر كبير يهدد الأمن الاقتصادي المحلي، فلا يمكن الركون لسلعة يمكن أن تؤثر اللعبات السياسية على أسعارها"، معتبرا أن هناك تأخرا كبيرا في هذا الجانب وفي التخفيف من الاعتماد على النفط بنسبة تتجاوز 93% من الموازنة السنوية.
"أمور كثيرة علينا أن نعيد النظر فيها، الإنفاق غير مدروس، والمشاريع المرتفعة التكلفة بشكل مبالغ فيه، والاعتماد على النفط، كلها أمور خذلتنا عندما دخلنا حربا حقيقية مكلفة، لهذا نجد أن السحب من الاحتياطي النقدي تضاعف خلال الأشهر الستة الماضية، ودخلت الدولة في حيز الديون لأول مرة منذ ست سنوات".
ويتابع "لو كانت هناك نظرة أكثر شمولية، لتجنبنا الكثير من هذا الضرر الكبير لآثار الحرب على الاقتصاد المحلي، وهو ضرر قد يستمر لسنوات طويلة قبل التعافي منه".

اقرأ أيضا: الخليج الغني يقترض
المساهمون