حلم الاكتفاء من الغذاء يلتهم 90% من مياه إيران

22 يونيو 2015
أحلام إيران بالاكتفاء الذاتي من الزراعة تصطدم بالجفاف(أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

موجة جديدة من الجفاف تضرب إيران، لكنها على ما يبدو أكثر قسوة من تلك التي شهدتها البلاد في العام 1978 ودامت لنحو 13 عاما، إذ وصلت مساحات الأراضي الجافة والتي تدخل في إطارها أراض صحراوية إلى أكثر من ثلثي مساحة البلاد، وسط توقعات بتصحر مساحات جديدة.

وتعاني إيران تاريخياً من مسألة قلة المنابع والسطوح المائية التي تمر عبر البلاد، لكن ثمة أرقام رسمية حديثة تثير مخاوف المواطنين هناك، فقد باتت المساحات الجافة تحتل ما يزيد على 70% من مساحة إيران نتيجة تراجع مخزون المياه بشدة خلال العامين الأخيرين تزامنا مع انخفاض معدل الهطول السنوي.

وفي 25 مايو/أيار الماضي، تظاهر آلاف الإيرانيين في العاصمة طهران، انتقادا لفشل الحكومة في الحد من أزمة الجفاف وآثارها على الاقتصاد في ظل توجيه ما يربو على 90% من المياه إلى القطاع الزراعي بذريعة الاكتفاء الذاتي من الغذاء، في وقت لا يساهم فيه القطاع الزراعي بأكثر من 10% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.

ونقلت وكالة مهر للأنباء أخيرا، بيانات حكومية تفيد بأن مخزون البلاد من المياه في السدود لا يزيد حاليا على 26.2 مليار متر مكعب، ما يعني أن 45% من سدود البلاد فارغة تماما أو شبه فارغة.

وتراجع حجم المياه المخزنة في السدود الإيرانية التسعة بحدود 4.7% خلال العام الماضي، رغم ما يتضح من تراجع في الاستهلاك.

وتُشير البيانات الحكومية إلى أن حجم المياه التي دخلت إلى السدود منذ بداية عام 2015 حتى الآن انخفضت نسبتها عن العام الماضي بمقدار 14%، أما حجم المياه المستخدمة والتي خرجت من السدود منذ بداية العام فبلغت 17.86 مليار متر مكعب وبمقارنة هذا الرقم بمثيله العام الماضي يلاحظ كذلك انخفاض الاستهلاك بنسبة 6.5%.

أيد هذه الأرقام، عدد من المؤسسات الرسمية التي دقت ناقوس الخطر وحذرت الإيرانيين من أزمة الجفاف المتفاقمة، ولاحظ المواطنون بأم أعينهم جفاف عدد من الأنهار التي تمر في كل أنحاء البلاد أو انخفاض مستوى مياهها بشكل ملحوظ.

وتذكر مؤسسة المياه الإيرانية أن الأسطح المائية والأنهار عبر البلاد قد انخفض مستواها بنسبة 55%، كما انخفض مستوى ستة مجار مائية رئيسية في إيران بمعدلات تتراوح بين 40 و80%.

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، عن وكيل وزارة الطاقة ستار محمودي قوله: إن مشكلة انخفاض مستوى الأسطح المائية باتت جدية للغاية. وركز محمودي على أزمة أخرى وهي جفاف الينابيع الجوفية التي كانت تزود البلاد بكميات هائلة من المياه.

وأفاد محمودي، أن استهلاك المياه قد زاد كثيرا خلال السنوات الماضية رغم تفاقم مشكلة الجفاف تدريجيا، فقد تم استخدام 100 مليار متر مكعب من المياه فوق معدل الاستخدام الطبيعي خلال السنوات القليلة الماضية، قائلا أيضا إن استخدام بعض الطرق الحديثة في استخراج المياه وخاصة في المزارع ساهمت بتقليص حجم المياه في الينابيع، ولاسيما أن الحفر إلى عمق كبير واستخراج المياه خلال فترات متقاربة منع الطبيعة من تجديد ينابيعها وساهم بتقليص المياه الجوفية، لتزيد هذه المشكلة الأمر تعقيدا.

وأكد محمودي، على ضرورة ترشيد الاستهلاك والتنبه لتعقيدات هذه المشكلة وتبعاتها السلبية على الجميع مستقبلا، داعيا المزارعين إلى الاستفادة من الطرق الحديثة في الري واستخدام المياه غير الصالحة للشرب في الزراعة.

اقرأ أيضاً: روسيا تبدأ بتوريد الحبوب لإيران مقابل النفط

يدرك المسؤولون في البلاد حجم هذه المشكلة، وستستقبل طهران أواخر شهر يونيو/حزيران الجاري الاجتماع الدولي حول الجفاف والذي تنظمه اليونيسكو، وسيشارك فيه عدد كبير من المتخصصين. ونقلت المواقع الرسمية الإيرانية أن هذا الاجتماع سيكون فرصة لتبادل الخبرات وللحصول على المساعدات اللازمة التي قد تساعد المسؤولين على إيجاد حلول قبل تفاقم الوضع.

تقصير حكومي

ورغم هذا، تتعرض الحكومة الإيرانية الحالية لانتقادات عديدة، فلا يوجد خطط دقيقة ولا حتى تركيز واضح على حل هذه المشكلة، ويتحدث بعض الخبراء عن ضرورة التوعية وعن ضرورة إقرار برنامج حكومي واضح لمعالجة المشكلة، ففي الوقت الذي بات فيه معدل هطول الأمطار قليل للغاية، تستطيع الحكومة على الأقل التحكم بالمسببات الأخرى للجفاف وأبرزها ما يتعلق بالقطاع الزراعي، في ظل عدم لجوء المزارعين لأي أساليب حديثة في الري.

استهلاك الزراعة

وذكرت منظمة الفاو العالمية في وقت سابق أن إيران تستخدم المياه في الزراعة أعلى من المعدل العالمي لبقية الدول بنسبة 22 %، كما ذكرت المنظمة في تقرير رسمي أن استخدام كل متر مكعب من المياه في الزراعة في العالم يقابله إنتاج 5.2 كيلوغرامات من المحاصيل بعائد قد يصل إلى دولارين، بينما في إيران لا يتجاوز الإنتاج الزراعي مقابل كل متر مكعب من المياه، الكيلوغرام الواحد مقابل عائد يتراوح بين 20 و40 سنتا فقط.

وما يفيد به بعض الخبراء في إيران لا يناقض ما صدر عن الفاو، حيث نقل موقع جام نيوز الرسمي في وقت سابق أن القطاع الزراعي يستهلك 90% من المياه في إيران، وهو ما يستدعي اتخاذ الحكومة لتدابير جدية بالفعل إما لاتباع أساليب حديثة في الري أو لتقليص العمل في القطاع الزراعي، وهو ما يخالفه آخرون يدعون لتحقيق الاكتفاء الذاتي وعدم استيراد المحاصيل الزراعية من الخارج.

الاكتفاء مقابل الماء

ويبقى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الزراعة، هدفا صعبا في ظل ما تستهلكه الزراعة من كميات مياه تصل إلى 88 مليار متر مكعب سنويا، تعادل نحو 92% من إجمالي المياه التي توفرها البلاد سنويا من مواردها المختلفة والتي لا تتجاوز بأي حال 96 مليار متر مكعب.

ورغم كونها أبرز أسباب أزمة المياه في إيران، تبدو الزراعة أيضا الأكثر تأثرا بهذا الجفاف، ومن المتوقع أن يتأثر القطاع الزراعي بتبعات سلبية على بعض محاصيل الصادرات الرئيسية، ومنها الفستق والأرز الإيراني.

وقال نائب رئيس غرفة التجارة الإيرانية محسن جلال بور، إن معدل إنتاج الفستق الإيراني قد انخفض 20 ألف طن خلال هذا العام مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي 2014. وعزا الأمر إلى قلة المياه، مضيفا أن بلاده تحتل المرتبة الثانية عالميا بعد الولايات المتحدة الأميركية في إنتاج الفستق لكنها تحتل المرتبة الأولى في تصديره.

وتوقع انخفاض معدل الإنتاج السنوي من الفستق، كما توقع انخفاض معدل إنتاج الأرز الذي يزرع في مساحات شاسعة شمالي البلاد ويشكل جزءا أساسيا من صادرات إيران الغذائية إلى الخارج.


اقرأ أيضاً: إيران تقايض روسيا بالنفط مقابل السلع

دلالات
المساهمون