الفضة المغربية.. صناعة يدوية تهدّدها الحلي المستوردة

08 فبراير 2015
الفضة المغربية ما زالت حاضرة رغم التحديات(أرشيف/getty)
+ الخط -


لا يريد صانع الفضة المغربية، عبد القادر شهيل، الاستسلام لمنطق السوق. فعلى مدى أكثر من خمسين عاماً، تشرّب مبادئ الحرفة، أتقنها وحفظ أسرارها، فهو يؤمن بأن هناك ميثاق وفاء

يربطه بها، ولا يستطيع التنازل عن قواعد صناعة تعلمها منذ الصغر.

ولم يكفّ شهيل عندما التقته "العربي الجديد"، بمتجره بالدار البيضاء، عن الحديث عن اللمسة المغربية الفريدة، التي تعكس تاريخ وثقافة وروح هذا البلد العريق، لكنه اليوم يشعر أن منطق السوق، قد أفسد أذواق الناس، الذي يبحثون عن حلي لا روح فيها.

لا يتحدث شهيل من فراغ، فالرجل يخرج من درج مكتبه حافظة، ويعرض خواتم، يقول إنه بذل الكثير من الجهد في تصميها، وصنعها بيديه، بنقوش أمازيغية تستدعي الكثير من الوقت والتركيز، لكنه كلما عرضها على الزبائن أصحاب البازارات الذين يتعاملون مع السياح، اقترحوا عليه سعراً لا يغطي التكلفة، أو حتى كبرياء الصانع، كما يقول شهيل.

ما عادت الفضة المغربية وحدها في السوق المحلي، فقد انتشرت فيه حلي فضية مستوردة من تايلاند وتركيا.

ففي هذا البلد، كما يوضح شهيل، لا تصنع الحلي الفضية بطريقة تقليدية، لا يقضي الصانع ساعات من أجل توفير خاتم أو قلادة أو سوار، لا تشغله النقوش، كما أن صناع مغاربة ما زالوا متشبثين بقواعد الحرفة. تلك النقوش تجعل ثمن الحلي المغربية مرتفعاً، فالصناع الأتراك يعتمدون على مصانع كبيرة من أجل صناعة الحلي الفضية بطريقة آلية.

الخواتم التي يصنعها شهيل، يصل ثمنها إلى 2.20 دولار للجرام الواحد، حيث لا تدخل الفضة أو الأشكال وحدها في تحديد الثمن، بل تكون النقوش حاسمة في تحديد ذلك الثمن.

وهو ما لا ينفيه تاجر الحلي الفضية بمدينة تارودانت، الواقعة على بعد حوالي 600 من الرباط جنوبا، عبد الله أحمد، الذي يؤكد لـ "العربي الجديد" أن الحلي التركية تنافس بقوة الحلي المغربية، حيث إن المنتجات التركية تتوفر فيها شروط دنيا من الجودة، ويتراوح سعرها بين دولار و دولار ونصف لكل جرام، حسب شكلها. ويعتبر أن الحلي المغربية قد تتمكن من منافستها ضمن الحدود التي تختفي فيها النقوش.

والمنافسة التركية ليست الهم الوحيد الذي يشغل الصناع في المغرب، فهم يجدون صعوبات كبيرة في الحصول على المادة الخامة، خاصة في السنوات الأخيرة عندما ارتفعت أسعار الفضة مقتفية أثر الذهب.

هذا هاجس يشغل جميع الصناع في البلاد، خاصة في المدن المشهورة بصناعة الحلي الفضية، مثل مدينة تيزنيت التي تبعد عن تارودانت بحوالي 160 كيلومترا، ففي تلك المدينة ينظم مهرجان سنوي يحتفل فيه بالفضة التي يفتخر بها أهل تلك المدينة، لكن في السنوات الأخيرة، صعب عليهم توفير المادة الخام من أجل تصنيع الحلي، إلى درجة أن بعض التجار فيها أصبحوا يبيعون الحلي التركية كما لو كانت مغربية.

هذا ما يؤكده الشاب طارق عبو ابن الدار البيضاء، الذي اقتنى خاتما فضيا من تيزنيت، وبينما كان يريه لأصدقائه بالكثير من الفخر، أخبره أحدهم بأنه صناعة تركية.

في السنوات الأخيرة كانت وزارة الصناعة التقليدية اتفقت مع "مناجم"، أكبر شركة معادن في المغرب، التي لها امتدادات في أفريقيا، كي تزود الصناع بالفضة، غير أن مشكلة المادة الخام ما زالت قائمة.

هكذا اعتاد الصناع على شراء الحلي القديمة، والتي شابها عيب وتذويبها، كي تصنع منها حلي

جديدة، غير أن صانعاً مثل لحسن الباعمراني، يؤكد لـ "العربي الجديد" أن أسعار الحلي القديمة التي شابها عيب ارتفع، كي يصل إلى حوالي 40 سنتا للجرام الواحد، وحتى في حال القبول بذلك السعر، فإن تلك الحلي قليلة، على اعتبار أن الناس أضحوا أكثر وعيا بقيمة الفضة في الوقت الحالي ولا يبادرون إلى بيع القديم منها.

يأسى المعلم عبد القادر لحال الحرفة التي لا تقدر حق قدرها، يتخوف من أن تضيع أسرارها نتيجة مغادرتها من طرف العديد من الصناع الكبار الذين يبحثون عن مصدر رزق آخر، في ظل عدم تمتع أصحابها بأي ضمانة تخول لهم مواجهة المستقبل، خاصة أنهم غير مشمولين بأية تغطية اجتماعية ولا أمل لهم في معاش يؤمن حياة كريمة لهم.

المساهمون