تونس: عجز الدولة يغذي الفساد

11 ديسمبر 2015
غالبا ما يكون الفساد على حساب المجتمع (فرانس برس)
+ الخط -
اتسعت رقعة الفساد في تونس، خاصة في القطاع الحكومي، في ظل ضعف الأجهزة الرقابية بعد ثورة يناير التي قامت أصلا ضد الفساد.

وتحيي تونس مثل سائر بلدان العالم، اليوم العالمي لمكافحة الفساد، ولكن يبدو أنّ مكافحة الفساد ظلت مجرد شعار يرفع من مناسبة إلى أخرى رغم ترسانة النصوص القانونية، والهيئات العاملة في المجال، فيما يؤكد مختصون أنه لا وجود لإرادة واضحة من قبل السلطات التونسية لمحاربة هذه الظاهرة التي استشرت في المجتمع التونسي.

وجاء في دراسة أعدتها الجمعية التونسية لمكافحة الفساد، أنّ 85% من ملفات الفساد التي وصلت إلى الجمعية تتعلق بالقطاع الحكومي و12% قطاع خاص، و1% تتعلق بالمجتمع المدني والبقية متفرقات. وأظهرت الدراسة أن أكثر من 92% من المبلّغين عن الفساد هم من الرجال، في حين أن 8% فقط من النساء، أما شريحة المبلغين عن الفساد فهم أولئك الذين تفوق أعمارهم الـ40 عاما، في حين سجل غياب تام للشباب.

اقرأ أيضاً: المعارضة التونسية ترفض قانون المصالحة الاقتصادية.. وتنسحب من البرلمان

وقال رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد، إبراهيم الميساوي، لـ"العربي الجديد"، إنّه رغم مرور 5 أعوام على ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، إلا أن تونس تراوح مكانها في مكافحة تلك الظاهرة، كما أنه لا وجود لخطوات ملموسة تمكّن من التصدي للفساد.

وأوضح الميساوي أن هناك تطبيعاً وشبه قبول بثقافة الفساد والرشوة في تونس، إلى جانب بروز ظواهر مجتمعية توحي بثقافة الفساد والتباهي به، "حتى أن البعض أصبح يجاهر بتقديمه رشوة أو حصوله على خدمة عن طريق المحسوبية". وأشار إلى أنّ الدراسة التي قامت بها الجمعية خلصت إلى أن هناك نسبة ضئيلة جدا من المبلغين من الجنوب التونسي، في حدود 8%، وأن أغلب المبلغين هم من محافظات الشمال حوالى 70%، أما في الوسط فتراوح نسبة المبلغين 20%.

واعتبر أن أكثر وسائل التبليغ تعتمد على التبليغ المباشر بنسبة 66%، ثم صفحة الجمعية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وعن طريق الهاتف، فضلا عن طرق أخرى مختلفة كالبريد.

ولفت الميساوي إلى أن المبلغين عن الفساد تعرضوا بعد الثورة إلى عدة مضايقات، إذ لوحظ في العامين 2014 و2015 تراجع كبير في التبليغ عن الفساد، حتى أنه يكاد ينعدم في العام الجاري 2015.

وطالب رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد، بضرورة تحفيز الموظفين والمواطنين وتشجيعهم على التبليغ عن الفساد، إما بمنحهم ترقيات في العمل، أو حوافز مالية، ونسب مئوية من المحجوزات لمن يقبض على المهربين، أو يرصد المتهربين من الضرائب.

اقرأ أيضاً: تونس تنهي 66 عاماً من "نهب الملح"

واعتبر الميساوي أن الحكومة لا تملك الإرادة الواضحة لمحاربة الفساد، مبيّنا أن المرسوم 120 منح الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد العديد من الصلاحيات، ولكنها لم تحقق أي نتائج ملموسة، ولا زالت معطلة لأسباب مجهولة.

وأكدّ أن الفساد ينخر الاقتصاد ويقوّض الديمقراطية، وهو وباء قد يؤدي إلى نتائج سلبية، وخاصة أن الفساد احتل موقعا متقدما في تونس.

ومن أسباب ظهور الفساد والمحاباة التي عمّقت عدم التساوي في الحظوظ، وفق المنظمة، هو تعقّد تدخل الدولة في الاقتصاد.

وطالب الميساوي بأن يكون عام 2016 عاماً وطنياً لمكافحة الفساد بجميع أصنافه، والتشهير بالفاسدين، وجدية أكبر في التعامل مع هذا الملف.

وقال رئيس الفرع الإقليمي لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط للمركز البريطاني لمحاربة الفساد كمال العيادي، إنّ ضعف رقابة الدولة بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 ساهم في انتشار الفساد.

وأوضح الخبير الدولي في الحوكمة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن عوامل تفشي الفساد بعد الثورة موضوعية وعادية، مشيرا إلى أن كل الثورات العالمية لم تتمكن من القضاء مباشرة على الفساد، وأن هذا الأمر يحتاج أولا إلى تركيز آليات الحوكمة الرشيدة حتى لا يتواصل المفعول العكسي لما ترغب فيه الشعوب الثائرة والمتضررة من الأنظمة الفاسدة.

واعتبر العيادي أنّ محاربة الفساد تتم عبر الوقاية والردع على مستوى وطني وجهوي وقطاعي وعبر تبني آليات وإجراءات حكومية مشددة، لافتا إلى أنّ تفكك منظومة الحكم الاستبدادي بعد الثورة أدت الى بروز مراكز نفوذ وفساد جديدة، نتجت عن ضعف الأجهزة الرقابية وضعف الدولة.

وسجلت تونس تراجعا بـ20 نقطة في تقرير منظمة الشفافية العالمية، حيث كانت في المرتبة 58 لتتدحرج إلى المرتبة 79 في 2014.

اقرأ أيضاً: صندوق النقد: الاقتصاد التونسي سينمو 5% في 2019
المساهمون