النفط إلى أدنى الأسعار.. وأوبك تفقد سيطرتها على الأسواق

10 ديسمبر 2015
استقرار الأسعار يقتضي خفض الإنتاج (عطا قنار/فرانس برس)
+ الخط -
انجرفت أسعار النفط إلى مستويات هي الأدنى منذ عام 2009 على مدار اليومين الماضيين، بعد أيام معدودة من حالة الارتباك، التي سيطرت على اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وعدم خروجها باتفاق حول إيقاف سباق الإنتاج الذي دفع بالأسعار إلى الانهيار على مدار 18 شهرا.

وألقى فشل "أوبك" للمرة السابعة على التوالي في الوصول إلى اتفاق يعيد لأسعار النفط توازنها، بظلاله على مستقبل المنظمة نفسها التي تضم 13 دولة من كبار منتجي النفط في العالم.

وخلال الفترة التي شهدت فيها أسعار النفط تراجعاً بأكثر من 65% من قيمتها منذ يونيو/حزيران 2014، وقفت المنظمة التي توفر نحو 32% من حاجة العالم من النفط العالمي عاجزة عن فعل شيء، وفق خبراء في قطاع الطاقة، مشيرين إلى أن الخلافات الحادة بين الدول الأعضاء حالت دون اتخاذها قرارا لإيقاف نزيف الأسعار الذي بات يهدد اقتصادات العديد من الدول.

اقرأ أيضاً: تراجع النفط وطفرة السفر يعززان أرباح الطيران في 2016

وقال عثمان الخويطر، نائب رئيس شركة أرامكو النفطية السعودية السابق، إن اجتماع "أوبك" الأخير أكد أن المنظمة أصبحت "رسما بلا جسم، فتأثيرها على السوق بات صفرا على اليسار".

وأضاف الخويطر في تصريح لـ "العربي الجديد": "في الستينيات كان لأوبك شأن كبير، لكن أتوقع تلاشي تأثيرها تماما خلال سنوات ... ما هي إلا سنوات وتتحرر السوق من تأثير الحكومات وأوبك".

وكانت وكالة بلومبرغ الاقتصادية، قد ذكرت مؤخرا أن فشل منظمة الدول المصدرة للنفط في التوصل لاتفاق في اجتماعها الأخير يوم الجمعة الماضي في فيينا يثبت انكماش فاعلية المنظمة ونفوذها، نتيجة أزمة سوق النفط.

وأشارت بلومبرغ في تقرير لها إلى أن "انقسام أعضاء أوبك سيساهم في إحداث مزيد من التقلبات في سوق النفط، مع استمرار هبوط الأسعار لفترة أطول من التوقعات".

اقرأ أيضاً: بعد 20 عاماً.. النعيمي يغرد منفرداً في معركة النفط

ومنذ يوم الجمعة الماضي، أخذت أسعار النفط في التراجع لما دون 40 دولارا للبرميل، لتلامس يوم الثلاثاء الماضي أدنى مستوى منذ عام 2009، بعد أن تراجع سعر خام برنت إلى ما دون 40 دولارا للبرميل، قبل أن يعاود الصعود بنحو طفيف فوق هذا الرقم ليصل إلى 40.8 دولارا أمس، لكن التوقعات السائدة ما تزال ترجح مواصلة الأسعار الهبوط إلى نحو 30 دولارا للبرميل، وربما 20 دولارا في منتصف 2016 وفق توقعات أكثر تشاؤما.

ورأى برجس البرجس، خبير الاقتصاد السعودي، أن "دور أوبك انتهى، ولم يعد لها تأثير على أرض الواقع"، مشيرا إلى أنه لا يوجد حلول لإنعاش المنظمة، لأن دورها الأساسي هو تكميل ما ينقص من النفط في العالم، وتوفيره للمستهلكين، لكي تبقى الأسعار مرتفعة، ولكن مع ارتفاع الإنتاج من خارج دول المنظمة، بات دورها أضعف.

وقال برجس لـ "العربي الجديد": "لكي تعود للمنظمة قوتها لابد أن تخفض الإنتاج نحو 3.5 ملايين برميل يوميا، وهذا الآن من الصعب إقراره، فالسعودية سيكون عليها مثلا أن تخفض إنتاجها 1.2 مليون برميل، ولو فعلوا ذلك فسيساهمون في الإبقاء على النفط الصخري لاسيما الأميركي من خلال الأسعار المرتفعة".

وأضاف أن مشكلة أوبك أنها لا تطبق قراراتها التي تتخذها بنفسها، موضحا "قبل عام أقرت المنظمة في اجتماعها أواخر 2014 بالإبقاء على سقف الإنتاج وعدم رفعه، ولكن الدول ذاتها التي تشكل أوبك لم تلتزم بهذا القرار ورفعت إنتاجها بشكل فردي، فوصل الإنتاج إلى 31.5 مليون برميل، بدلا من حصتها المقررة بـ 30 مليون برميل"، مشيرا إلى أن هذه السياسات أفقدت أوبك قوتها وتأثيرها.

اقرأ أيضاً: هل انتهى عصر أوبك؟

وتابع "لأنه لا يوجد حلول، قرروا أن على كل دولة أن تتخذ ما تراه مناسبا، مع الإبقاء على اسم أوبك فقط كصورة أمام العالم، بينما في الحقيقة لم يعد لها أي دور مؤثر في سوق النفط، فتسعيرة النفط تعتمد على كم المخزون فوق الأرض، وهو ينظر له كل 90 يوما، فالمسعرين الآن الذين يضاربون بالأسعار يعرفون أن هناك تخمة في الأسواق".

لكن عبدالسميع بهبهاني، خبير النفط الكويتي، رأى أن أوبك ما تزال مؤثرة، ولديها قوة كبيرة، ولكن لا تستخدمها بسبب العوامل السياسية التي تتدخل في عملها".

وقال بهبهاني في تصريح خاص "عندما ظهرت تقارير تفيد بأن السعودية ستتقدم بمقترح خلال الاجتماع الأخير لخفض الإنتاج ارتفعت الأسعار لنحو 44.06 دولاراً للبرميل، ولكن لفترة بسيطة، وما أن نفت السعودية هذه التقارير عادت الأسعار للانخفاض، وهو ما يؤكد أن أوبك قادرة على إحداث فارق في سوق النفط".

وكانت مؤسسة "إنيرجي إنتلجنس" المتخصصة في صناعة النفط، قد ذكرت في نشرة لها يوم الخميس الماضي قبل يوم من اجتماع المنظمة، إن السعودية ستقترح خلال الاجتماع اتفاقا يهدف لتحقيق التوازن في السوق، يشمل مطالبة إيران والعراق العضوين في المنظمة، بالحد من نمو الإنتاج، فضلا عن مشاركة دول غير أعضاء في المنظمة مثل روسيا في الاتفاق.

لكن اجتماع "أوبك" خرج بلا قرارات، وخلا البيان الختامي من سقف للإنتاج، ما يسمح للدول الأعضاء بأن تواصل ضخ النفط بالمستويات الحالية إلى سوق تشهد بالفعل تخمة في المعروض.

وبحسب خبير النفط الكويتي "كان من المتوقع أن يخرج اجتماع أوبك بلا قرارات، مع أنه كانت هناك محاولات لاستصدار قرار، ولكنها لم تنجح".

وتضم أوبك کلا من السعودية والجزائر والعراق والكويت وليبيا وقطر والإمارات ونیجیریا وإيران والإكوادور وأنغولا وفنزويلا، بجانب إندونيسيا التي تم إعادتها إلى المنظمة مؤخرا.
وقال: تعاني أوبك من عوائق سياسية تمنعها من مناقشة الكثير من القرارات، وهذه عقبة تقف أمام عودة المنظمة لطرازها القديم في التحكم في الإنتاج والأسعار، هي تنتج حاليا فوق السقف الذي حددته، ويتجاوز 31.5 مليون برميل".

غير أنه يعتقد أن من السهل التأثير في العامل السياسي أكثر من الاقتصادي، موضحا: "من الممكن أن يكون هناك تقاربات سياسية مفاجئة تغير من المشهد، فأوبك ما زالت موجودة".

وقال بهبهاني "على أوبك أن تحاول العودة للمشهد مجددا، فالدول بدأت تشعر بأن التحرك ضروري لدعم الأسعار، فالأسوأ لم يأت بعد، وربما يكون هناك اجتماع غير عادي في يناير/كانون الثاني المقبل لبحث خفض الإنتاج بشكل جاد".

اقرأ أيضاً: روسيا تستبعد ارتفاع أسعار النفط عن 50 دولاراً للبرميل

لكن مصادر تجارية، قالت لرويترز يوم الثلاثاء الماضي، إن السعودية التي تستحوذ على ما يقرب من ثلث إنتاج "أوبك" تشحن المزيد من النفط الخام إلى آسيا خلال الشهرين الأخيرين من العام، حيث عززت هوامش التكرير القوية الطلب وهو ما يساعد أكبر بلد مصدر للنفط في العالم على الدفاع عن حصته السوقية وسط منافسة شرسة.

ودفع النفط السعودي الأرخص مقارنة مع أسعار خامات أخرى من الشرق الأوسط مصافي آسيوية عديدة لطلب ملايين قليلة من البراميل فوق الكميات المتعاقد عليها، فيما تعزز معدلات استهلاك الخام لتحقيق هوامش قوية.

وتصدر المملكة نصف إنتاجها من الخام تقريبا إلى آسيا. وتلقى العملاء الآسيويون الرئيسيون نحو 4.6 ملايين برميل يوميا من الخام السعودي في الأحد عشر شهرا الأولى من العام بزيادة 12% عن الفترة المماثلة من العام الماضي بحسب ما أظهرته بيانات من تومسون رويترز للأبحاث والتوقعات.

غير أن بهبهاني قال "إذا ظل الإنتاج على وضعه المرتفع حتى يونيو/حزيران المقبل، فأتوقع أن الأسعار ستهبط بشكل كبير".

وتابع "نحن مقبلون على موسم صيانة مصافي النفط الموسمية في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، وهو موسم ينخفض فيه الطلب بشكل كبير، وستكون مضاربات موسم الربيع صعبة، ففي الربيع يكون الطلب على النفط قليلا لعدم الحاجة إلى التدفئة أو التبريد في المنازل".

وأشار إلى أن الاقتصاد العالمي متباطئ أيضا، وكل هذه الأمور تؤكد أن أسعار النفط ستكون في مسار منحدر بشكل كبير، وقد تصل لأقل من 38 لخام برنت.

ورأى أن النفط الخليجي الذي تنتجه الإمارات والكويت وجزء من السعودية ربما يصل إلى مستوى بين 30 و32 دولارا للبرميل في الستة أشهر المقبلة، ولكن لن يصل إلى مستوى 20 دولاراً.

اقرأ أيضاً: النفط في أدنى مستوياته منذ 2009
المساهمون