تسعير الغاز يعرقل خطط تركيا للتحول لمركز عالمي للطاقة

14 نوفمبر 2015
أردوغان في حفل تدشين خط تاناب (Getty)
+ الخط -
رغم أن فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية برلمانية مريحة يمنح رجب طيب أردوغان الفرصة لتشكيل الحكومة منفرداً، ليجد نفسه بالتالي أمام وضع داخلي مريح لتنفيذ إستراتيجية تركيا لأمن الطاقة والمضي قدماً في مشاريع أنابيب استيراد الغاز الطبيعي من دول البلقان وروسيا، فإن أردوغان يواجه على الصعيد الجيوسياسي تحديات كبرى في أعقاب التدخل العسكري الروسي في سورية والتحالف الروسي الإيراني وتوقيع طهران للاتفاق النووي الذي رفع الحظر الغربي عن إيران.
وتستهدف تركيا عبر تجميع الطاقة من روسيا والدول المجاورة أن تصبح مركزاً لتصدير الطاقة إلى أوروبا من جهة، وتأمين احتياجاتها الداخلية لتوليد الطاقة الكهربائية. وتستهلك تركيا حالياً 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، لكن حسب فؤاد جلبجي، المدير العام لمجموعة شركات "زورلو" التركية للطاقة، خلال مداخلة له في مؤتمر عقد أخيراً في إسطنبول، يشير إلى أن حاجة تركيا سترتفع إلى 72 مليار متر متر مكعب من الغاز بحلول العام 2030. وتستورد تركيا حوالى 55% من حاجتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وتستهلك 50% من الغاز الوارد في إنتاج الطاقة. وبالتالي فإن الغاز الطبيعي سيبقى المصدر الأساسي للطاقة في تركيا خلال الفترة المقبلة. وبالتالي تشير نشرة "ناتشرال غاز" إلى أن تركيا ستظل بحاجة إلى الغاز الروسي.
ورغم الخلاف السياسي الجاري بين تركيا وروسيا وإيران حول التدخل العسكري في سورية، فإن خبراء يعتقدون أن أنقرة ستستمر في إستراتيجية بناء "مركز عالمي للغاز"، التي ستمنح تركيا أمناً من ناحية إمدادات الغاز الطبيعي لتغذية احتياجاتها المحلية في توليد الكهرباء وستدعم أهميتها أوروبياً، من حيث موقعها كمصدر آمن لتصدير الغاز الطبيعي وسط محيط يعج بالحروب والخلافات السياسية. وتعمل تركيا على تنفيذ هذه الإستراتيجية عبر عدة محاور، أهمها استيراد الغاز من حقول دول البلقان عبر خط "تاناب" واستيراد الغاز الروسي عبر خط "تركيش غاز". وربما لاحقاً تأمل تركيا في استيراد الغاز العربي من كردستان ودول عربية أخرى.
وحتى الآن وقعت تركيا اتفاقية خط تاناب، وهو المشروع الذي سيعمل على نقل الغاز الأذري إلى أوروبا عبر (جورجيا – تركيا) مروراً ببلغاريا، وذلك من أجل الانفتاح على أوروبا.

ومن المتوقع أن يبدأ تاناب نقل الغاز في 2019. ومن المتوقع كذلك أن يبدأ مبدئياً في نقل حوالى 6 مليارات متر مكعب من الغاز ثم يتمكن هذا الخط من نقل 10 مليارات متر مكعب إلى أوروبا بحلول العام 2020. وهنالك تقديرات تشير إلى أن إيران بإمكانها استخدام خط أنابيب تاناب لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا.
وحسب تقديرات أوروبية فإن إيران تستطيع نقل حوالى 20 مليار متر مكعب من الغاز المنتج من حقل جنوب فارس، وهي كمية كافية تحتاج إليها أوروبا لتنويع مصادر الغاز بعيداً عن احتكار غازبروم. ولكن هنالك خلافات بين شركة بوتاش التركية والحكومة الإيرانية حول رسوم نقل الغاز عبر تركيا، كما أن هنالك خلافات كذلك حول سعر الغاز الإيراني الذي تستورده أنقرة من طهران. وهنالك شكوى مرفوعة من قبل شركة بوتاش التركية ضد إيران في محكمة التجارية الدولية في باريس. وإذا أضيف إلى هذه الخلافات، الصراع السياسي بين تركيا وإيران بشأن تسوية الحرب الأهلية في سورية، فسيكون أمام حكومة طيب أردوغان تحديات كبيرة لتحويل الحلم التركي في بناء "مركز عالمي لتصدير الطاقة" عبر تركيا.
وكان مدير العلاقات الدولية في شركة الغاز الوطنية الإيرانية، عزيز الله رمضاني، قد لمّح في تصريحات سابقة إلى إمكانية استخدام بلاده خط أنابيب الغاز الطبيعي التركي " تركيش غاز" أو " السيل التركي"، والذي يهدف أساسا لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا، من أجل نقل الغاز الإيراني المصدّر إلى أوروبا.
وكانت روسيا، قد ألغت في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2014، مشروع خط أنابيب "السيل الجنوبي/ ساوث ستريم"، الذي كان من المقرّر أن يمر تحت البحر الأسود باتجاه بلغاريا لتوريد الغاز إلى جمهوريات البلقان والمجر والنمسا وإيطاليا.

اقرأ أيضا: "علي بابا جان" ثعلب الاقتصاد التركي

وتخلّت روسيا عن المشروع بسبب موقف الاتحاد الأوروبي الذي يعارض ما يعتبره احتكاراً للمشروع من جانب شركة الغاز الروسية "غاز بروم". ولكن يبدو أن السبب الرئيسي هو أن المعارضة الأوكرانية والأميركية للمشروع. وبدلاً منه، قرّرت مد خط أنابيب لنقل الغاز عبر تركيا "السيل التركي"، ثم يصدرعبر اليونان إلى أوروبا،على أن يتم إنشاء مجمّع للغاز هناك، لتوريده فيما بعد للمستهلكين جنوبي أوروبا.

خلافات ومصالح

تلتقي مصالح موسكو وأنقرة في إنشاء مشروع " تركيش غاز" الذي يستهدف تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا دون أن يمر بدول المجموعة الأوروبية، الذي يجعل، على الصعيد التركي، من تركيا مركزاً مهماً في تجارة الغاز الطبيعي العالمية. وهو ما تعمل عليه تركيا في إستراتيجية أمن الطاقة وزيادة أهميتها بالنسبة لأوروبا. وعلى الصعيد الروسي، فإن مشروع " تركيش غاز" مهم بالنسبة لموسكو التي تبدي إنزعاجها منذ سنوات من قواعد المنافسة في الاتحاد الأوروبي. وتحاول بروكسل أن تفرض على غازبروم فتح أنابيب الغاز العائدة لها أمام منتجين آخرين بينما ترفض موسكو ذلك بسبب المبالغ الضخمة التي استثمرتها في بنائها. وهكذا فإن غازبروم تعتزم بالتالي إرسال غازها إلى تركيا من دون أن تضطر للانصياع لقواعد الاتحاد الأوروبي الذي سيكون عليه الاستثمار للتزود بإمداداته. وتسعى روسيا منذ سنوات إلى تنويع صادراتها من الغاز التي تذهب حاليا إلى دول الاتحاد السوفييتي سابقا وأوروبا.
وجاءت فكرة خط "تركيش غاز" في أعقاب اعتراضات الاتحاد الأوروبي على خط "ساوث ستريم" الذي كانت روسيا قد اتفقت على تنفيذه في ديسمبر/كانون الأول من العام 2013 والذي قدرت كلفته بنحو 40 مليار دولار. وكان من المقرر أن يمر "ساوث ستريم" تحت مياه البحر الأسود إلى بلغاريا وينقل ما يصل إلى 63 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى أوروبا.
وفي أعقاب "اغتيال" خط "ساوث ستريم"، تعلق روسيا الآن آمالها على تركيا، إذ تتطلع لمد خط أنابيب "تركيش ستريم" بنفس الطاقة إلى مركز لم يتم تشييده بعد على الحدود التركية اليونانية بنهاية 2016. وقال مسؤولون أتراك إن من المستبعد أن تسير الخطط بالسرعة التي تريدها موسكو في ضوء مخاوف أنقرة من الاعتماد الزائد على الطاقة الروسية.
ورغم الاتفاق المبدئي بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، على المشروع الضخم، فإن خبراء أوروبيين في تجارة الغاز يقولون إن هنالك خطوات فنية عديدة يحتاج إليها الطرفان قبل التوصل إلى اتفاق واقعي لتصدير الغاز الروسي إلى تركيا.
ومن بين هذه الخطوات الاتفاق على معدل الرسوم التي ستفرضها تركيا على الغاز الروسي، كما أن هنالك احتجاجات تركية على السعر المرتفع الذي تفرضه شركة غازبروم على الغاز المصدر إلى تركيا. وحتى الآن دخلت المفاوضات حول أسعار الغاز الذي تسلمه روسيا إلى تركيا في طريق مسدود.

اقرأ أيضا: هل يبقى الاقتصاد بمنأى عن التوترات بين موسكو وأنقرة؟
المساهمون