10 مليارات دولار و200 طن ذهب ثروة الأسد المهربة... "من يزود"؟

11 ديسمبر 2024
مقاتلو المعارضة السورية يدوسون على صور بشار الأسد ووالده
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتكرر ظاهرة المبالغة في تقدير ثروات رؤساء الدول العربية بعد سقوطهم، حيث تنشر وسائل الإعلام أرقاماً ضخمة غير مدعومة بأدلة قاطعة، مما يثير الجدل حول دقتها.
- في حالة حسني مبارك، تباينت التقديرات بشكل كبير، حيث ذكرت تقارير أرقاماً تتراوح بين 14 و70 مليار دولار، بينما أشار محمد حسنين هيكل إلى أن الثروة الحقيقية تتراوح بين 9 و11 مليار دولار.
- المبالغة في تقدير ثروات هؤلاء الرؤساء قد تكون متعمدة لتشويه سمعتهم، بينما الحقيقة وحدها كافية لإدانة جرائمهم دون الحاجة لتضخيم الأرقام.

ما أشبه الليلة بالبارحة! مبالغات شديدة في التقديرات المتعلقة بثروات رؤساء الدول ورموز الأنظمة العربية الديكتاتورية التي سقطت في السنوات الماضية على يد ثورات شعبية أو فصائل معارضة مسلحة، ما إن يسقط هذا الرئيس أو ذاك الرمز حتى تسارع وسائل إعلام ومسؤولون عرب وغربيون وناشطون ومواقع تواصل إلى الحديث عن نهب هؤلاء عشرات المليارات من الدولارات من ثروات شعوبهم خلال فترة حكمهم، والتأكيد وبكل ثقة أن هؤلاء نقلوا أطنان الدولارات والذهب والمعادن النفيسة بالطائرات الخاصة أو الرئاسية قبل سقوطهم بأيام، دون تقديم أدلة قطعية على دقة تلك الأرقام.

تكرر المشهد عقب سقوط أنظمة: حسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وزين العابدين بن علي في تونس، وعلي عبد الله صالح في اليمن، وعمر البشير في السودان، وإرغام عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة ومغادرة السلطة في الجزائر، وأخيراً عقب سقوط الطاغية بشار الأسد في سورية فجر يوم الأحد الماضي.

في منتصف شهر مارس/ آذار 2011 خرج علينا رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي ووزير الخارجية الأسبق جون كيري، قائلاً إن ثروة مبارك التي جرى تجميدها في الولايات المتحدة وحدها تبلغ 31.5 مليار دولار. وقبلها وفي شهر فبراير/شباط 2011، وبعد أيام من تنحي مبارك عن السلطة، خرجت علينا تقارير غربية تقدر ثروته بنحو 14 مليار دولار، رفعتها تقارير أخرى إلى 40 مليار دولار، وفق موقع دويتشه فيله الألماني، الذي نقل الرقم عن دانييل تيليسكلاف مدير معهد بازل السويسري للحوكمة، وعضو مجلس إدارة منظمة الشفافية الدولية.

عقب سقوط مبارك قدرت مصادر غربية ثروته بنحو 70 مليار دولار، وعلي عبد الله صالح بنحو 60 مليار دولار

أما صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، فذهبت إلى أبعد من ذلك، وذكرت في تقرير نشر يوم 4 فبراير 2011، أن ثروة عائلة مبارك يمكن أن تصل إلى نحو 70 مليار دولار تم جمعها من الفساد والرشاوى والأنشطة التجارية المشروعة. ونقلت عن خبراء اقتصاد من الشرق الأوسط قولهم إن الثروة تتركز غالبيتها في أرصدة في بنوك بريطانية وسويسرية وأوروبية وعقارات في لندن ونيويورك ولوس أنجليس، فضلاً عن امتلاك العائلة أصول ضخمة ومساحات راقية واسعة في مدينة شرم الشيخ. وتحدثت مصادر أخرى عن أن معظم أموال مبارك المنهوبة جرى تهريبها إلى خارج مصر، وإيداعها في حسابات مصرفية سرية، واستثمارها لاحقاً في شراء عقارات وفنادق راقية في مانهاتن وبيفرلي هيلز.

وقال الكاتب الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل وقتها إنه بعد بحث وتدقيق للتقارير والمصادر الغربية للوقوف على حقيقة رقم ثروة مبارك، توصل إلى أن قيمة الثروة تتراوح ما بين 9 و11 مليار دولار، وأن هذا الرقم موثق وفق قوله.

وعقب تنحي مبارك عن السلطة خرج علينا موقع مصري شهير ليعلن أن أجهزة سيادية في الدولة لديها معلومات مؤكدة عن أن مبارك يملك 70 مليار دولار من تجارة الأسلحة، وأن نجله جمال يملك 71 مليار دولار أخرى في سويسرا، وبما يعادل 141 مليار دولار للرجلين، وأن مبارك أسس مع رجل الأعمال حسين سالم ومنير ثابت شقيق زوجته شركة في باريس للاتجار بالأسلحة.

ووفق مواقع أخرى فإنه بتاريخ 25 يناير/ كانون الثاني 2011، أي يوم قيام الثورة المصرية، حول مبارك للخارج مبلغا يقدر بنحو 50 مليار جنيه، أي ما يعادل 8.33 مليارات دولار بسعر صرف ذلك الوقت، بأسماء مستعارة بخلاف امتلاكه ثروة عقارية بمصر تقدر بمبلغ 35 مليار جنيه تم جمعها نظير استغلال نفوذه وهو أسرته. وأن جمال مبارك قام بالاستيلاء على 57 طن ذهب من رصيد البنك المركزي المصري وتحويلها إلى حسابه الخاص في أميركا، كونه موظفاً في البنك.

وتداول الإعلام وقتها وثيقة تتحدث عن أن ثروة مبارك لدى بنك باركليز البريطاني وحده 70 مليار دولار، ثم ثبت أن هذه الوثيقة مزورة إلكترونياً ومصطنعة. وكشفت تحريات مباحث الأموال العامة بوزارة الداخلية المصرية أن ثروة كل من علاء وجمال مبارك تصل إلى 25 مليار دولار، بواقع 17 ملياراً لجمال، و8 مليارات لعلاء وفق ما نشرته وسائل إعلام محلية.

وعقب سقوط علي عبد الله صالح كشف تقرير للأمم المتحدة أن الرئيس اليمني المخلوع جمع ثروة قد تصل إلى 60 مليار دولار عن طريق الفساد وتلقي رشى من حكومات خارجية وفائزين بصفقات نفطية، خلال الثلاثة عقود التي حكم فيها اليمن، وأن هذه الثروة وضعت في نحو 20 بلداً، وأن الخبراء معدي تقرير المنظمة الذي تسلمه مجلس الأمن الدولي يحققون حول صلات صالح برجال أعمال ساعدوه في إخفاء أمواله. وهذا الرقم نشرته وسائل إعلام غربية وردده ناشطون يمنيون.

لا أحد ينكر أن هؤلاء الطغاة العرب، ومنهم الأسد وغيره، نهبوا بالفعل ثروات بلادهم وعملوا بشكل ممنهج على إفقار شعوبهم وتدمير الاقتصادات الوطنية

يتكرر السيناريو هذه الأيام، فما إن سقط بشار الأسد ونظامه حتى سارع البعض للحديث عن أن الطاغية الهارب نجح قبل سقوطه مباشرة وبأيام قليلة في تهريب 10 مليارات دولار و200 طن من الذهب، إضافة إلى عشرات الأطنان من المعادن النفيسة على الطائرة التي أقلته إلى روسيا حيث هرب إلى هناك، وأن أمواله المهربة طوال فترة حكمه تعادل ميزانية الدولة السورية خلال عقود.

لا أحد ينكر أن هؤلاء الطغاة العرب، ومنهم الأسد وغيره، نهبوا بالفعل ثروات بلادهم وعملوا بشكل ممنهج على إفقار شعوبهم وتدمير الاقتصادات الوطنية، وأنهم حصلوا على عمولات عن صفقات استيراد أسلحة وبيع أصول الدولة والشركات العامة والأراضي، وإسناد صفقات ضخمة بالأمر المباشر بالمخالفة للقانون، بل والسمسرة في الديون الخارجية، دليل ذلك ما كشفته البنوك السويسرية من امتلاك عائلة مبارك وبعض رموز نظامه مئات الملايين من الدولارات لديها، وأن سويسرا أفرجت بالفعل عن نحو 400 مليون فرنك (430 مليون دولار) كانت مجمدة في بنوكها عقب فشل الحكومة المصرية في ملاحقتها أو إثبات أنها ناتجة من عمليات غير مشروعة. ودليل ذلك أيضاً تجميد بنوك أوروبية ثروات القذافي المليارية وعدم الإفراج عنها حتى الآن. كما تكرر الأمر مع آخرين منهم علي عبد الله صالح ومخلوع تونس.

لكن في المقابل لا داعي للأرقام الجامبو، فليس بالمبالغة في الأرقام نثبت أن الأسد أو غيره من الرؤساء المخلوعين كانوا لصوصاً وناهبي أموال الشعوب الفقيرة والمطحونة، وليس بنشر الشائعات نهيل التراب على تاريخ هؤلاء، فما فعلوه من جرائم سياسية واقتصادية ومجتمعية بحق الوطن والمواطن، والتنازل عن أصول الدولة وتدمير الثروات العامة، كفيل بتشوية تلك الصورة للأبد، ولذا لا داعي للمبالغة في كشف الأرقام، فالحقيقة وحدها كافية، يكفي القول إن بشار الأسد نهب ملياري دولار من أموال الشعب السوري، وإنه يمتلك أصولا ضخمة في روسيا ودبي وغيرها من دول العالم.

ولو سرق واحد من هؤلاء 1000 دولار فقط من خزينة الدولة، لوجبت محاكمته على الفور، فماذا لو كنا نتحدث عن نهب وسرقة بمئات الملايين من الدولارات وربما المليارات التي لا يعرف أحد أين تمت تخبئتها وفي أي أصول؟ وإلا اعتبرنا أن المبالغة في تقديرات ثورة هؤلاء المخلوعين تأتي بشكل متعمد من قبل أطراف محسوبة عليهم وبهدف لخبطة الرأي العام وتشكيكه في حقيقة الجرائم المالية التي ارتكبوها خلال فترة حكمهم، وبالتالي تبييض وجوههم وسمعتهم الملوثة.

المساهمون