يد خبيثة تلعب في اقتصاد سورية... فهل تنجح؟

31 ديسمبر 2024
محاولات للالتفاف على الثورة السورية.jpeg
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الاقتصاد السوري تحديات كبيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث تسعى رموز النظام السابق والثورات المضادة إلى زعزعة الاستقرار الاقتصادي والسياسي باستخدام ثرواتهم المهربة، مما يعقد الحياة المعيشية للسوريين.

- الدول الداعمة للثورات المضادة تعمل على تقويض نجاح الثورة السورية عبر تشويه قرارات السلطة الجديدة ونشر الشائعات، مما يعرقل جهود الحكومة في تحسين الأحوال المعيشية وتحقيق الاستقرار.

- تواجه السلطة الجديدة تحديات مثل الفساد والاحتكار، ورغم التحسن النسبي، إلا أن رموز النظام السابق يستخدمون أساليب خبيثة لخلق عدم استقرار في الأسواق، مما يعيق بناء اقتصاد مستدام.

هناك يد خبيثة تلعب في اقتصاد سورية المأزوم أصلاً والذي يعاني منذ سنوات طويلة من أزمات نهب المال العام والفساد والتضخم والغلاء والفقر والتبعية لإيران وروسيا. والمؤكد هنا أن رموز نظام بشار الأسد، الذي هرب من دمشق تحت جنح الظلام، لن يتركوا سورية ونظامها الجديد في حاله، بل سيتحرّشون به وبكل الطرق التي قد تُثير القلاقل والاضطرابات وربما حنق الشارع وتعقيد حياته المعيشية.

فهؤلاء اللصوص فقدوا كل شيء بين ليلة وضحاها، سلطتهم المطلقة وشبكة علاقاتهم الواسعة والمتجذرة، ومناصبهم الرفيعة، وقصورهم الفارهة، وربما ثرواتهم وأصولهم داخل الدولة إن كان قد تبقّى منها شيء، إذ كان معظم هؤلاء يهرّبون أموالهم إلى الخارج أولاً بأول، لأنهم كانوا يتوقّعون أن ساعة الانهيار والمحاسبة قادمة لا محالة، وأن النظام الذي يقتل وينهب ويعتقل ويهجر شعبه يكون مصيره السقوط المدوي، وأن السقوط حتى لو تأخر لسنوات فإنه آتٍ آتٍ.

والمؤكد أيضاً أن الدول الداعمة للثورات المضادة في المنطقة لن تترك سورية الجديدة تهنأ بنجاح ثورتها وتخلّصها من بقايا نظام الأسد، وستعمل بكل الطرق المتاحة وغير المشروعة على تفخيخ كل الملفات، خاصة المتعلقة بالاقتصاد وتحسين الأحوال المعيشية للمواطن ودعم استقرار الأسواق، مع إهالة التراب على أي قرار تتخذه حكومة تصريف الأعمال والمعارضة المسلحة، ورموز النظام الجديد، وفي المقدمة أحمد الشرع.

المؤكد أن الدول الداعمة للثورات المضادة في المنطقة لن تترك سورية الجديدة تهنأ بنجاح ثورتها وتخلّصها من بقايا نظام الأسد، وستعمل بكل الطرق على تفخيخ كل الملفات

كذلك سيُنفق هؤلاء ملايين الدولارات على وسائل إعلام ستسعى، بكل الطرق، لتشوية قرارات السلطة الجديدة، ونشر المزاعم حول ارتباطاتها الخارجية والداخلية، وأن النظام الجديد لديه أجندة تحددها دول خارجية، وأنه غير قادر على حلحلة الوضع الاقتصادي والمعيشي المأزوم، بل وتوفير رغيف الخبز والوقود والسلع الغذائية والأساسية.

وقوة الطرفين؛ رموز النظام والثورة المضادة، تكمن في أنهما يمتلكان الثروات الضخمة الكفيلة بإحداث قلاقل سياسية وأمنية واقتصادية ومعيشية ومالية شديدة في سورية، خاصة في الأسواق، سواء كانت أسواق سلع أو عملة وغيرها، مع تضخيم المشاكل والأزمات اليومية، وصب الزيت على النار.

ومن هنا ليس من المستغرب أن يسارع الطرفان للتشكيك في قدرات ميساء صابرين المحافظ الجديد لمصرف سورية المركزي، وأن نرى تلاعباً في سعر صرف الأجنبي هذه الأيام بهدف الحيلولة دون تحسّن سعر الليرة، لأن التحسن يعني تراجع أسعار معظم السلع.

وليس من المستبعد أن يطلق هؤلاء حرب شائعات اقتصادية ضد السلطة الجديدة في دمشق، مثل التركيز على فوضى الأسواق واشتعال الأزمات وتردي الخدمات، رغم أن الواقع يؤكد تحسن الحالة المعيشية وتراجع الأسعار وانسياب الأسواق وتدفق السلع داخلها مقارنة بما كان عليه الوضع أيام حكم بشار، وإزالة الحواجز التي كانت تعرقلها وممارسات الفساد والاحتكار.

ولا نستغرب استخدام رموز النظام المنهار والثورة المضادة أسلحة فتاكة، منها مثلاً نشر الدولارات المزوّرة والبضائع الفاسدة ومنتهية الصلاحية في الأسواق بهدف إحداث ذعر في الأسواق بين الأفراد والتجار والصرّافين، وترهيب المستثمرين سواء سوريين أو عرب وأجانب من القدوم إلى سورية وتحذيرهم من ضخ استثمارات بها بزعم زيادة المخاطر وحالة الغموض واللايقين، وتحذير المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد وغيره من التعامل مع السلطة الجديدة بحجة عدم وجود موارد دولارية لدى الدولة أو قدرة على سداد أعباء الديون المستحقة سواء لإيران أو روسيا وداعمي النظام المنهار.

لا نستغرب استخدام رموز النظام المنهار والثورة المضادة أسلحة فتاكة، منها نشر الدولارات المزوّرة والبضائع الفاسدة ومعها الشائعات وتشويه الحقائق

وخبر مثل محاولة أفراد مجهولي الهوية سرقة أموال مصرف سورية المركزي يجري تضخيمه على نطاق واسع في بداية الأحداث رغم فشل هؤلاء في سرقة أي أموال، وعدم استلام موظفي الحكومة رواتبهم قبل نهاية الشهر يتحول إلى مادة للنقد في وسائل إعلام محسوبة على الثورات المضادة رغم أنه من الطبيعي أن يتم الصرف بداية كل شهر.

من الطبيعي أن تشهد سورية فترة اضطرابات وعدم استقرار واختناقات للأسواق عقب سقوط نظام الأسد، ومن الصعب على صناع القرار الجديد حل أزمات معقدة تعمقت على مدى ربع قرن، هي فترة حكم بشار الأسد، خلال أسبوعين أو حتى شهر، ومن الصعب أن يوفر حياة كريمة لكل السوريين خلال فترة قصيرة، لكن من المؤكد أن حنفية الفساد والنهب والاحتكار تم إغلاقها.

ومن الصعب على الحكام الجدد التعرف إلى خريطة أموال سورية المنهوبة في بنوك ودول العالم، لأنها مسألة معقدة، أو تحديد خريطة النفط المنهوب والعمل على استرداده بين ليلة وضحاها، أو التعرف على احتياطيات الدولة من النفط والغاز شرق البحر المتوسط، أو أن يتخذوا قراراً عاجلاً لترسيم الحدود البحرية مع تركيا وقبرص واليونان. ومن الصعب أن يخلق هؤلاء الحكام كوادر وخبرات تتولّى إدارة المنظومة الاقتصادية كاملة دون الاستعانة بالمنظومة القديمة.

لكن ليس من الصعب أن يدرك السوريون أن دول الثورات المضادة تخشى نجاح أي تجربة ديمقراطية في المنطقة، لأنّها تعتبر ذلك خطراً شديداً على أنظمتها، وأنه كلما زادت ملاحقة رموز النظام السابق ومصادرة أموالهم الحرام ومعاقبتهم على الجرائم التي ارتكبوها بحق السوريين من قتل ونهب، جنّ جنونهم، وقد يحاولون هدم المعبد على رؤوس الجميع في حال تراخي السلطات الجديدة.

المساهمون