منذ نهاية الأسبوع الماضي، وحتى أمس، فقدت العملة المصرية نحو 2.1% من قيمتها، حيث تراجع سعر الجنيه أمام الدولار إلى 7.29 قروش مقابل 7.14 قروش يوم الخميس بانخفاض 19 قرشاً في 4 أيام عمل، هذا عن السعر الرسمي في البنوك وشركات الصرافة، أما سعر الدولار في السوق السوداء غير الرسمسة فقد تجاوز 8 جنيهات.
ولو حدث ربع هذا التراجع وربما أقل في أيام حكم د. محمد مرسي لانقلبت الدنيا رأساً على عقب، ولراحت الفضائيات تنعي حال الجنيه المصري وتعلن شهادة وفاته وتطلق شعارات من عينة أن الجنيه مات بالسكتة القلبية، ولتحسرت وسائل الاعلام على الحال المزرية التي وصلت إليها العملة المصرية، ولذكرتنا الصحف بالأيام الخوالي وقت أن كان سعر الجنيه المصري يتفوق على الجنيه الإسترليني قبل ثورة 1952، أما وأن مرسي لم يعد في السلطة بل في السجن، هنا ظهرت الفضائيات وكأنها "واحد من بنها" لا يسمع ولا يرى.
منذ سنوات كان الإعلام يعتبر أن الجنيه مثل العلم المصري لا يجوز الاقتراب منه، وتعامل مع سعره على أنه قضية أمن قومي وخط أحمر لا يجوز السماح بتراجعه حتى ولو بقرش واحد. ولذا دافعت الحكومات المتعاقبة عن الجنيه لسنوات طويلة، وظل البنك المركزي يثبت سعره عند 3.4 جنيهات للدولار، إلى أن حدثت مذبحة الأقصر الشهيرة في العام 1998 التي أثرت بقوة على مركز الجنيه بسبب انهيار ايرادات السياحة والتي كانت أبرز مورد للنقد الأجنبي في ذلك الوقت.
ونظرة لسعر صرف الجنيه حالياً نجد أنه الأدنى على الإطلاق، والأسباب معروفة وهي تراجع موارد النقد الأجنبي ليس فقط من قطاع السياحة فقط، لكن من قطاعات أخرى منها الاستثمارات الأجنبية والصادرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، بالإضافة لزيادة الاقتراض الخارجي والأعباء المترتبة عليه.
ومع تراجع الاحتياطي الأجنبي ليقترب من 15 مليار دولار، فإن البنك المركزي مجبر على أن ينفض يده، ولو مؤقتاً، من مسألة الدفاع عن الجنيه حتى يحافظ على الاحتياطي ويحول دون انهياره، كما أن خفض قيمة الجنيه يحقق هدف الحكومة في مغازلة صندوق النقد الدولي والاستجابة لطلباته المتكررة بخفض قيمة العملة حتى يتم القضاء على السوق السوداء وتشجيع الاستثمار.
وبدلاً من أن يغازل النظام صندوق النقد الدولي، عليه أولاً أن يبحث عن أسباب هذا النزيف المستمر في قيمة العملة المصرية ويعالجها، وأظن أن العلاج يبدأ من اعادة الاستقرار السياسي والأمني للبلاد، وهو ما يعيد النشاط لموارد النقد الأجنبي خاصة من السياحة.