- البنك المركزي يواجه صعوبات في تحقيق استقرار الريال بسبب نقص الاحتياطيات الأجنبية والانقسامات المالية، على الرغم من استخدام وديعة سعودية لدفع رواتب موظفي الدولة، لكن دون توقف تدهور العملة.
- تقرير البنك المركزي يظهر بيع 2.7 مليار دولار في المزادات حتى نهاية يناير 2024، مع توقعات بزيادة المبيعات. خبراء يؤكدون على ضرورة استراتيجيات جديدة لإدارة السياسة النقدية وتحقيق استقرار العملة، مشيرين إلى أن مزادات الدولار وحدها غير كافية.
تستمر العملة اليمنية (الريال) في التدهور المتسارع، بعد ثلاثة أعوام على قيام البنك المركزي اليمني بتنفيذ إصلاحات اقترحها صندوق النقد الدولي، لمعالجة أزمة العملة المحلية، من خلال إدارة مزادات أسبوعية للعملة الأجنبية، تهدف إلى السيطرة على تقلبات أسعار الصرف.
وانخفض الريال اليمني بشكل متسارع في السوق غير الرسمية، منذ منتصف مايو/أيار الجاري، وبلغ أدنى مستوى له على الإطلاق يوم السبت الماضي، عند 1725 ريالاً مقابل الدولار، بالمقارنة مع 1411 ريالاً عند تنفيذ أول مزاد للعملة الأجنبية مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، فيما يعلن البنك المركزي عن سعر أقل، وحدد سعر الصرف الرسمي في مزاد الثلاثاء الماضي عند 1677 ريالاً للدولار.
ويقول البنك المركزي إن نظام المزاد يهدف إلى إعطاء قيمة عادلة للعملة المحلية مقارنة بالدولار، وإلغاء التباين في سعر الصرف بين السوق الرسمية والموازية، إلا أن سعر الصرف الرسمي الجديد لا يزال أقل من سعر السوق الموازية، وليس للمزاد سوى تأثير متواضع جداً على سعر الصرف غير الرسمي.
وأجرى اليمن، أول مزاد لبيع الدولار مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عبر منصة Refinitive المالية التي تعد جزءاً من مجموعة بورصة لندن، وبموجب هذا النظام، يبيع البنك المركزي كمية معينة من النقد الأجنبي لتجار الواردات من السلع الأساسية، من خلال عملية تقديم العطاءات ويشتري العملة المحلية في الفترات الفاصلة بالسعر المحدد في المزاد السابق.
وأوضح خبراء مصرفيون أن البنك المركزي يواجه صعوبات في تنفيذ آلية مزاد الدولار، نتيجة عدم توفر احتياطيات كافية من النقد الأجنبي، في ظل الانقسام المالي والمصرفي في البلاد، فضلاً عن اختلالات هيكلية. وقالت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" إن البنك المركزي استنزف احتياطياته من العملات الأجنبية، البالغة 1.5 مليار دولار، بعد عام واحد من التحول إلى نظام المزاد، لكنه في المقابل نجح في توفير سيولة نقدية كافية من العملة المحلية، استخدمها لدفع رواتب موظفي الدولة، بعد توقف عائدات النفط الخام.
وقال تقرير حديث للبنك المركزي اليمني، في فبراير/ شباط الماضي، إن إجمالي العروض المقدمة من البنك منذ أول مزاد وحتى نهاية يناير/ كانون الثاني 2024، بلغ 2.7 مليار دولار، وتوقع أن يتجاوز إجمالي مبيعات النقد الأجنبي في المزاد ثلاثة مليارات دولار بنهاية العام الجاري. وأوضح البنك المركزي، في التقرير الذي اطلعت عليه "العربي الجديد"، أن القمح يتصدر قائمة السلع التي تمت تغطية استيرادها من خلال مزادات العملة الأسبوعية، بنسبة 35.12% من إجمالي العروض، وبقيمة 164 مليون دولار، يليه الدجاج المجمد بنسبة 10.32%، ويأتي السكر ثالثاً بنسبة 9.89%.
وتسبب التراجع المتسارع الأخير للريال في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وقالت الأمم المتحدة إن اليمن لا يزال يواجه تحديات اقتصادية حادة، بسبب انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي، وتراجع قيمة الريال اليمني بنسبة 33% خلال عام 2023، مما أدى إلى تفاقم ضغوط السوق التضخمية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
وحاول البنك تبرئة آلية مزاد العملات الأجنبية، وأرجع الاضطرابات في أسعار الصرف بدرجة رئيسية إلى الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها الاقتصاد اليمني، نتيجة تأثير جملة من العوامل الظرفية والهيكلية التي تتعلق بتراجع الاحتياطيات من العملات الأجنبية، وتقلص عائدات الصادرات النفطية.
ومنذ مطلع 2023، اعتمد "المركزي اليمني" على وديعة نقدية سعودية قدرها مليار دولار، مكّنته من الاستمرار في تنفيذ آلية مزاد الدولار حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، لكنها توقفت بعدها لمدة شهرين، بسبب نفاد النقد الأجنبي، قبل أن يستأنف العمل بالمزاد في 24 يناير 2024. واعتبر المحلل الاقتصادي، حسام السعيدي، أن هناك آليات أكثر جدوى من آلية مزاد الدولار، لتحقيق استقرار سعر الصرف.
قال تقرير حديث للبنك المركزي اليمني، في فبراير/ شباط الماضي، إن إجمالي العروض المقدمة من البنك منذ أول مزاد وحتى نهاية يناير/ كانون الثاني 2024، بلغ 2.7 مليار دولار
وقال لـ"العربي الجديد": "في تصوري وتقييمي فإنّ الرقابة على شراء الدولار وحصرها في أضيق الحدود أسلم من التدخل في السوق مباشرة عن طريق بيع الدولار، ويمكن ضبط عملية بيع الدولار بشكل حقيقي عن طريق فرض قيود صارمة جداً على عمليات البيع والتحويل، وهو في تصوري أفضل الحلول لمواجهة المضاربات على العملة والتلاعب بالصرف".
وأكد مركز اليمن والخليج للدراسات (مستقل)، أن على قيادة البنك المركزي تنفيذ استراتيجية مُغايرة في إدارة السياسة النقدية، من أجل الحد من تقلبات سعر صرف الريال اليمني، وهي استراتيجية تستدعي إعادة تقييم سعر صرف العملة المحلية، بحسب مختلف المؤشرات ذات الصلة، مثل حجم الكتلة النقدية المتداولة، ومستوى عجز ميزان المدفوعات.
من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة عدن، يوسف سعيد، أن تحقيق استقرار الريال أو عودته إلى مستوياته السابقة من خلال آلية مزاد الدولار، تعتبر هدفاً بعيد المنال في الوقت الراهن، لأسباب عديدة، منها ندرة الاحتياطيات الأجنبية من النقد الأجنبي، وتوقف عائدات النفط، والتراجع الكبير في الموارد الضريبية والجمركية، واستمرار الاختلالات الاقتصادية الكلية.
وقال سعيد لـ"العربي الجديد" إن أداة بيع الدولار من خلال المنصة الإلكترونية كانت ناجحة في بلدان أخرى، وفي حالة اليمن، نجحت في سحب جزء كبير من فائض السيولة مكّنت البنك المركزي من الاستمرار في صرف رواتب موظفي الدولة بانتظام، دون اللجوء إلى مصادر تضخمية. واعتبر سعيد أن مزاد بيع الدولار ليس أداة من أدوات السياسة النقدية التي يكون لها أثر في استقرار سعر الصرف، وإنما فرصة لتقليص هامش المضاربة بالعملة، مشيراً إلى أن التطورات الأخيرة في البحر الأحمر، واستهداف الحوثيين السفن التجارية، قد تكون سبباً مساهماً في تراجع قيمة الريال.