وثائق بنما 2016، ثم وثائق بارادايس أو "أوراق الجنة" 2017، وثائق برمودا، وأخيرا تسريبات ووثائق باندورا، وقبلها ملفات فنبيسن ولوكس ليكس والقائمة طويلة، وثائق مالية وتسريبات وأوراق متتالية تكشف عن جرائم مالية ضخمة يرتكبها قادة دول ورؤساء حكومات تضر بالاقتصاديات الوطنية وترهق دافعي الضرائب والموازنة العامة.
لا أحد يتحرك رغم أن الأسماء الواردة في تلك التسريبات معروفة وتبدأ من ملوك ورؤساء دول وقادة حكوميين ومسؤولين رسميين ومشاهير ومليارديرات ورجال أعمال وفنانين.
تكشف "وثائق باندورا" أن فاسدي لبنان يحتلون المراكز الأولى عالمياً في الملاذات الضريبية، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد انهياراً اقتصادياً شاملاً
الكل متهم بتهريب الأموال من بلادهم إلى الملاذات والجنات الضريبية الآمنة، إما للتهرب من سداد الضرائب المستحقة عليهم، أو بهدف إخفاء هذه الأموال خصوصاً إذا كانت ناتجة من عمليات مالية غير مشروعة.
في وثائق باندورا الأخيرة تبرز أسماء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وملك الأردن عبد الله الثاني وقادة لبنان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وعائلته، الذين اتُهموا بنهب بلدهم، ورئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس ورئيس تشيلي سيباستيان بينيرا وذلك ضمن قائمة طويلة تضم 35 من القادة الحاليين والسابقين وأكثر من 300 مسؤول حكومي من 92 دولة وردت أسماؤهم في ملفات الشركات التي أسسوها لإخفاء أموالهم وتتخذ من الملاذات الضريبية مقرا لها.
وثائق وتسريبات متتالية تتحدث عن جرائم مالية تقدر بألاف المليارات من الدولارات، وتتم للأسف تحت أعين العالم وتتحدث عنها كل وسائل الاعلام الدولية، ولا أحد يتحرك رغم وجود قوانين وأعراف دولية لمكافحة مثل هذه النوعية من الجرائم.
البعض يسأل: ما أهمية نشر وثائق وملفات حول قيام رؤساء وقيادات دول وسياسيين كبار بتهريب الأموال إلى الملاذات الضريبية في الخارج وتخبئتها في شركات الـ"أف شور" التي لا تخضع لأي نوع من المحاسبة أو الضرائب أو أي نوع من الالتزامات القانونية.
السؤال مشروع خصوصاً أنّ هؤلاء يهربون أموالهم وثروات شعوبهم وأموال دافعي الضرائب، ولا يتم محاسبة أحد على تلك الأموال المنهوبة، أو على المليارات المتحصلة من عمليات التهرب الضريبي وغسل الأموال والفساد والرشي وغيرها.
وأحيانا لا يتم استرداد هذه الأموال سواء من المصارف السويسرية والبنوك الغربية كما حدث مع رؤساء الدول الذين خلعتهم ثورات الربيع العربي في العام 2011، أو تلك الأموال المودعة والمستثمرة في ملاذات ضريبية موجودة حتى في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
لا تملك الصحافة الدولية والعربية سوى نشر هذه الوثائق، وهذه خطوة مهمة لأنه عبرها يتم إرسال رسالة ضمنية مفادها أنه في الوقت الذي يطالب فيه قادة دول في دول المنطقة شعوبهم بالتقشف وشد الحزام وتحمل أعباء التضخم وزيادات الأسعار، يقوم هؤلاء القادة في المقابل بتهريب أموالهم إلى شركات الـ"أف شور" وشراء إمبراطوريات عقارية.
مواطنون عرب يعانون من قفزات في الأسعار وإلغاء الدعم وزيادة الضرائب، وفي المقابل تكشف الوثائق عن شراء قادتهم عقارات وقصور فخمة في الملاذات الضريبية
"فلبنان الغارق في انهيار اقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب لأي أفق حل يخرجه من واقع مترد يفاقمه شلل سياسي" حسب توصيف البنك الدولي في شهر يونيو/حزيران الماضي، تكشف "وثائق باندورا" أن فاسدي لبنان يحتلون المراكز الأولى عالمياً في الملاذات الضريبية.
فيما مواطنو الدول العربية الذين يعانون من قفزات في الأسعار وإلغاء الدعم وزيادات متواصلة في الضرائب والرسوم تكشف الوثائق عن شراء قادتهم عقارات وقصور فخمة في بريطانيا وداخل الملاذات الضريبية وغيرها.
هناك حكومات دول غربية تحركت بالفعل عقب نشر الوثائق وقررت تشكيل لجان للتحقيق في الاتهامات الموجهة لقادتها وسياسيين ورجال أعمال لديها مثل فرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى.
وهناك بعض الأنظمة التي اكتفت بنفي ارتكاب قادة دولها عملية تهرب الأموال إلى الملاذات الضريبية وما جاء في التسريبات الاخيرة، لكن هذا التحرك غير كافٍ خصوصاً أنه لم يعد أحد يصدق مثل هذه البيانات الرسمية.